رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لنكن ماهرين في اجتياز المنعطفات الصحية المقبلة

[email protected]

إن الناظر والمتتبع للتطور الصحي في العالم سواء على المستوى المهني أو التقني يجد مفارقات كبيرة قد تبدو للبعض غريبة وتكون لآخرين متوقعة, ولكن قد لا ترى بعض المجتمعات أو تشعر بشيء لتساوي الأمور في نظر أفرادها لأنها تعيش ما تسميه كارثة صحية. فإما إنهم يعانون انتشارا لأوبئة أو انحدارا لمستوى الخدمات الصحية وقائيا أو علاجيا, أو خلطا لمفاهيم صحية قديمة غير مقبولة بحديثة يختلف مقدمو الخدمة حولها. هذا كله جعل الفرد في أنحاء العالم يبحث فيما توافر له من وسائل الإعلام عن الجديد فيما يجري حوله في العالم ويتساءل: كيف يكون كل هذا التقدم ولا نسمع إلا أخبار الكوارث الصحية؟, وفي هذه الحالة هل الكارثة دولية أم قطرية أم داخلية محلية؟. وإذا كنا فعلا نعيشها فهل مصدر الكارثة النظام الصحي أم إدارة الخدمات الصحية أم المرفق أم الموظف المقدم للخدمة أم التجهيزات المستخدمة؟ هل المشكلة في جودة الخدمة الغائبة أم ارتفاع تكاليف الخدمة المتصاعدة؟.. إلخ من أسئلة كثيرة.
في البداية أرى أن هذه المفارقات التي نعيشها ترجع إلى أن المعايير الصحية المتداولة تختلف في ترتيبها من دولة لأخرى. فإذا نظرت دولة إلى أحد المؤشرات الصحية أو مجموعة منها أنها أولوية وبالتالي تقيّم أداءها على هذا الأساس, فإن أخرى ترى أن هناك مؤشرات أكثر أهمية ومعايير أخرى لابد أن تؤسس عليها عملية التقييم. قد يكون هذا مقبولا نظريا إذا ما نظرنا لاختلاف الطبيعة الجغرافية والديموغرافية وأيضا السياسية على المستوى القطري في تحديد الأولويات, ولكن هذه الرؤى المختلفة والمتباينة لا تحقق المتطلبات الأساسية الموحدة من قبل المجتمع الدولي الممثل في منظمة عالمية تحاول القيام بدورها حيال توحيد معايير تحقيق الأمن الصحي وأسس الرعاية الصحية لجميع شرائح المجتمعات المختلفة وتحقيق عدالة التغطية بالخدمات الصحية. لذلك كان لا بد على القائمين على تقديم الخدمات الصحية في كل دولة تناول الأوضاع والمشكلات الصحية بعد دراسة تحديد الأولويات ووضع خطط مختلفة المدد تُعلَن وتُتداول تحت أنظار وبرؤى هذه المنظمة إلى حد بعيد على أن يتبادل مقدمو الخدمة مع المستفيدين كيفية الوصول لدرجة الرضا عن النظام الصحي. فالمعروف أن تبسيط تناول المشكلات الصحية وعدم إيلائها الاهتمام الكافي بتكثيف الدراسات العلمية وعمل المسوحات الصحية الدورية وعدم المتابعة الحثيثة والتنسيق مع الجهات المختلفة لتفعيل العلاقات التكاملية, والتركيز على التجميل وليس التجويد قد يصل بنا إلى ما لا تحمد عقباه ولا نجد عندها أن كل ما ينجز محمود, لأننا انحرفنا عن تحقيق الهدف المنشود. الحضور الإعلامي المتخصص والموجه لجميع شرائح المجتمع، من ناحية أخرى مازال يفتقد للتركيز ويتمم بجهود فردية, ففي كثير من الأحيان يركز على الأخبار والمسؤولين دون تسليط الضوء على المواضيع والرسائل ونوعية الشرائح المستهدفة, مما يوحي باستمرار تبني مبدأ الإثارة الإعلامية دون أن يكون توعية صحية, فتنشأ حالة من الإحباط الاجتماعي لعدم الثقة بالنظام الصحي القائم مع أنه سليم البدن في أعضاء مختلفة منه. هذا يقودنا إلى القول إن الوضع الصحي في هذه الحقبة من الزمن على الأخص في أقطارنا العربية كافة غير مرض حسبما ورد في كثير من المؤلفات والتقارير والأعمدة الصحافية. فهناك فجوة بين وضع الاستراتيجيات وتنفيذ الإجراءات بين كيان النظام الصحي والأنظمة الأخرى المفترض فيها تعزيز تكامل تقديم الخدمات الصحية وغيرها, ولا أدري كيف لأي نظام صحي تحقيق إنتاجية وديمومة فاعلتين إذا لم تتفاعل معه باقي النظم الخدمية الأخرى ويتفاعل معها لتُستكمل عناصر التعاون ويتم وضعها في قالب واحد يغذي أحدهما الآخر وتكتسب هذه من تلك قوتها وتبني هذه مع تلك خططها فيكون العمل بالنظام تنمية شمولية لا فلسفة وقتية؟
ها نحن الآن ندخل منعطفات اقتصادية صحية جديدة ولا نعرف مدى نجاحنا فيما اجتزناه من الطريق.. فالتأمين الصحي في مستقبله للخدمات الصحية يعتبر نقلة نوعية كبيرة وتخطيا لعقبات تنظيمية ومالية ورفع لمستوى الإنتاجية وتحقيق لمثالية نوعية للوضع الصحي, ولكن مازال أكثر من 80 في المائة من المواطنين لا يعون أنهم دون تأمين يسرّعون الخطى نحو تعرضهم لمضاعفات الأمراض وبالتالي دفع فواتير عالية المبالغ خصوصا مع ازدياد أفراد العائلة, أو التقدم في السن, أو الإصابة بأمراض خطيرة.. إلخ. في اعتقادي أنها مسألة تسويق البرامج التوعوية قبل أن تكون مشكلة مادة البرامج نفسها, ثم أسلوب تناول تطبيق النظام وسرعة إيقاع التجاوب بين الجهات المعنية بموضوع التأمين. فالواضح أن الأجهزة المعنية بدأت برنامجا واعدا لم تستكمل له أدوات النجاح ولم تكن الرسائل موجهة بأسلوب سليم فتأخر في بعض مراحله. كما أن شركات التأمين خلطت دورها الاجتماعي بحقوقها ومكاسبها, ولم يقتنع الفرد بعد بعظم حاجته للتأمين لعدم وضوح القوانين وجهله بحقوقه أصلا. هذا جعل التأمين الصحي أحد المنعطفات الصعبة الذي يتطلب قيادة ماهرة تصل به بر الأمان, فهل سنجيد القيادة في المنعطفات الجديدة؟ وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي