إجابة عن سؤال: من يكره من؟!

[email protected]

من يقرأ عنوان هذا المقال قد يظن لأول وهلة أن السؤال المقصود هو سؤال في مادة من المواد الدراسية أو سؤال في مسابقة لبرنامج تلفزيوني كتلك البرامج التي تستهدف جذب المشاهدين بإغراء مقدماتها رغم سماجة مثل هذه البرامج وسطحيتها وخلوها من أي معنى جدي بل إن أهم ما يميزها هو تسطيح العقول وإنفاق الأموال دون أي مردود معنوي أو مادي.
السؤال محل الاهتمام سؤال طالما كرره المسؤولون الأمريكيون وبالذات الرئيس بوش في خطبه عندما يخاطب الأمريكيين, هذا السؤال الذي كثيراً ما نقلته وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة خاصة بعد أحداث 11/9/2001م، إذ يقول السؤال: لماذا يكرهوننا ويكرهون ثقافتنا؟ وبغرض الإجابة على هذا السؤال لا بد من تناول الموضوع من عدة جوانب, أول هذه الجوانب ما السبب أو الأسباب التي تجعل الرئيس بوش يكرر هذا السؤال؟ يمكن القول إن السبب يعود لعدة أمور أولها تبرير السلوك العدواني الذي تمارسه أمريكا في كل بقعة من العالم حيث جيوشها تتحرك في كل مكان ويوجد لها قواعد عسكرية في أنحاء متفرقة من العالم وتشن الحروب حتى أنها سنت سنة جديدة في العلاقات الدولية حيث سكت مصطلح الحروب الاستباقية والذي يتيح لها المبادرة بالحرب على أي مجتمع آمن متى ما رأت أن مصلحتها تستوجب ذلك, أما السبب الثاني فهو الرغبة في استنهاض همم الأمريكيين والحصول على دعمهم ومناصرتهم لسياسته الخارجية المتسمة بالرعونة والعدوان وذلك من خلال الإيحاء إليهم أن الذات الأمريكية بقيمها وكرامتها وتراثها مهددة بفعل هذه الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية وهذا يندرج ضمن سياسة اختلاق عدو خارجي حتى يبقى المجتمع في حالة استعداد وتهيؤ وفي أجواء حرب تضمن له التماسك والسير وراء قيادته مهما كانت الوجهة التي يقصدها ومهما كانت الآثار الناجمة.
أما السؤال الثاني الذي تساعدنا إجابته في تلمس الإجابة على سؤال الرئيس بوش المتكرر فهو من هم الذين يكرهون الولايات المتحدة؟ هل العالم بأكمله يكره الولايات المتحدة ويكره ثقافتها أم جزء من العالم؟! ومن يكون هذا الجزء من العالم؟ الإجابة على هذا السؤال تأتي من خلال أخبار زيارات الرئيس بوش لدول العالم, فأينما ذهب شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً, سواء زار دولاً ذات ثقافة مسيحية أو ذات ثقافة إسلامية أو هندوسية أو غيرها يواجه بالمظاهرات الحاشدة الرافضة لزيارته المنددة بسياسة الولايات المتحدة, كما يحرق العلم الأمريكي ويداس بالأقدام تعبيراً عن المشاعر الحقيقية الكارهة لسلوك أمريكا وتصرفاتها, وتقتحم سفاراتها وممثلياتها بل إن معارضة السياسة الأمريكية عبر عنها الأمريكيون أنفسهم من خلال المظاهرات وأمام البيت الأبيض ولذا لا يمكن حصر هذه الكراهية في دولة أو زاوية من زوايا العالم, إنما هي ظاهرة عالمية تجتمع عليها الشعوب كافة مهما تباعدت المسافات بينها ومهما اختلفت في ثقافاتها وأعرافها, أما لماذا يكره العالم أمريكا فيمكن تناوله من خلال ما يسمى سجلات الأداء أو البورتفوليو والذي يمثل سجلاً موثقاً لكل فعل وسلوك صدر من فرد أو جماعة أو أمة. وهذا النوع من مصادر المعلومات الذي يستخدم في تقييم واقع الحال بناءً على أفعال عملت تمثل أحد المصادر التي يستخدمها الأمريكيون في الدراسات والبحوث وفي التعامل مع الآخرين خاصة زعماء الدول الأخرى حيث يستخدمون هذه السجلات في ابتزاز هؤلاء الزعماء بغرض تمرير سياسة أمريكا ومصالحها وإلا كانت النتيجة استخدام السجلات وإخراج ما فيها من معلومات قد لا تسر صاحبها. وطالما أن السجلات تعتبر أداة علمية فيمكن استخدامها لمساعدة الأمريكيين والرئيس بوش في معرفة النتيجة التي توصلوا إليها بشأن أسباب كراهية العالم الآخر لهم ولثقافتهم.
السجلات بشأن تاريخ أمريكا وإنجازاتها وسلوكها على الصعيد العالمي تقول هاجر الأمريكيون من أوروبا واضطهدوا وأفنوا الهنود الحمر حتى لم يتبق منهم إلا مئات الآلاف بعد أن كانوا بالملايين. أمريكا دخلت الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والحرب الكورية وخاضت حروباً في إفريقيا ودعمت الانقلابات في كثير من دول العالم ودعمت وتدعم بقوة السلاح والمال والسياسة المشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين ووقفت معه في حروبه على الدول العربية, كما أنها تخوض حرباً شرسة في العراق ترتب عليها قتل مئات الآلاف وإعاقة مئات الآلاف ومرض الملايين, ودمرت البلد بكامله في مؤسساته وبنيته التحتية كافة وتحارب أعمال الخير والتقدم العلمي والتقني في العالم العربي والإسلامي. السجلات تثبت أن أمريكا زرعت قواعدها وجواسيسها في دول العالم, كما أنها استخدمت الأمم المتحدة لتمرير سياساتها وخرقت القوانين والمواثيق الدولية ورفضت التوقيع على محكمة العدل الدولية وسخرت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لسرقة ثروات العالم.
السجلات تؤكد أن الولايات المتحدة نصبت نفسها شرطي العالم المتغطرس واعتمدت سياسة الكيل بمكيالين كما أنها ابتدعت سياسة من ليس معنا فهو ضدنا وجعلته جزءاً يجب مراعاته في علاقة الدول الأخرى بها, الولايات المتحدة أوجدت مبدأ حماية المصالح الحيوية الأمريكية هذه المصالح التي لا حدود لها ولا أحد يعرف ما هي؟ وأين تنتهي؟ وكيف اكتسبتها؟! المعروف أن المصالح تأتي من خلال التملك أو من خلال الاتفاقيات بين الدول, أما إطلاق هذا المبدأ على علاته وبصورته الغامضة وشن الحروب وتسيير البوارج فإنه لا يمثل إلا ثقافة استعبادية نرجسية شيفونية, ثقافة تعبر عن التخلف والبعد عن القيم الإنسانية.
ونظراً لأن أمريكا معروف عنها تفوقها العلمي في مجالات عدة, لذا فإن مناقشة القوم بلغة العلم والمنطق هو أفضل وسيلة لمساعدة الساسة الأمريكيين وبالأخص الرئيس بوش في معرفة أسباب كراهية العالم للسياسة الأمريكية وليس بالضرورة لأمريكا رغم أن قادة أمريكا يخلطون بين الأمرين في خطابهم السياسي حتى لا يلفتوا الانتباه إلى الجانب المظلم في السياسة الأمريكية. المنطق الذي نناقش به القوم هو الاتجاهات وكيف تتشكل وموضوع الاتجاهات كموضوع رائج في التربية وعلم النفس للأمريكيين باع طويل في بحوثه ومؤلفاته ولا يخفى على المستشارين السياسيين والنفسيين المحيطين بالإدارة الأمريكية, لكن لا مانع من التذكير بأن حالة الحب والكره هي حالة انفعالية لكنها لا تتشكل بالصدفة بل لا بد لها من أسباب ومثيرات تحركها وتشكلها لدى الأفراد والجماعات ومنظومة الاتجاهات التي تقع تحتها حالة الحب والكره تتشكل من مجموعة عناصر أولها العنصر الإدراكي الذي يتفاعل من خلاله الفرد حسياً وذهنياً مع ما هو محيط به في بيئته القريبة أو البعيدة, وهذا التفاعل الذهني يترتب عليه حصول الفرد على معلومات حول الكثير من الأمور والقضايا وقد يكون جزء من هذه المعلومات صحيحاً وقد يكون خاطئاً, هذه المعلومات يتفاعل معها الفرد وتحدث في مشاعره شيئاً من التحول والتغير, إذ قد تحدث لديه حالة غضب أو خوف أو شك وما إلى ذلك ومع تكرار هذه المشاهد التي يتفاعل معها الفرد تبدأ تتشكل الاتجاهات وحالة القبول والرفض أو الحب والكراهية للموضوع أو الشيء الذي توافرت معلومات حوله سواء كانت مكتوبة أو مروية أو مشاهدة كما في الأخبار والأفلام والصور. وبعد ذلك يبدأ يتصرف الفرد وفق هذه المشاعر فإن كانت مشاعر إيجابية تقرب وتعامل بحسن ومودة وإن كانت سلبية جاء السلوك بصورة عدوانية, وهذا يفسر لنا سلوك أمريكا مع العالم إذ إن سلوكها العدواني قائم على اتجاهات سلبية نحو الآخرين, أما اتجاهات الآخرين نحو أمريكا والتي يتساءل عن أسبابها الرئيس بوش فهي نتاج طبيعي لتصرفات أمريكا وما هي إلا ردود فعل وإن ثقافتنا التي تحرك مشاعرنا وتؤثر في إدراكنا لما حولنا وتصوغ اتجاهاتنا قائمة على " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ... " وليست قائمة على من ليس معنا فهو ضدنا كما هو حالكم, ولا على نظرية الفوضى البناءة التي تستهدف تدمير مجتمعات لتعلوا مجتمعات أخرى على أنقاض المجتمعات المدمرة. وكما يقول المثل رمتني بدائها وانسلت, والبادئ أظلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي