الزراعة في 4 سنوات: إعادة الشركات الزراعية ومعالجة التسويق وتشجيع الجمعيات
وضعت أساسيات الزراعة السعودية في عهد أول وزير للزراعة الأمير سلطان بن عبد العزيز – ولي العهد – حفظه الله، والذي وضع اللبنات الأولى لها وأرسى قواعدها. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله كانت الطفرة التي وضعت المملكة في مصاف الدول المتقدمة زراعياً . ولا أحد ينكر أن مهندس هذه الطفرة كان معالي الدكتور عبد الرحمن آل الشيخ وزير الزراعة السابق, الذي استطاع أن يستثمر حماس الملك فهد رحمه الله وحبه للزراعة وإصراره على تنميتها وتطويرها . فمنذ الثمانينيات الميلادية دخلت المملكة عصر الزراعة من أوسع أبوابه وشهدت المملكة نمواً متوازياً تضاعفت فيه المساحات الزراعية مئات المرات وتضاعفت كميات الإنتاج النباتي والحيواني عشرات بل مئات المرات . وشمل ذلك الزراعة بأنواعها . حيث المحاصيل المختلفة من قمح وشعير وذرة وبرسيم وغيرها تحت نظام الري المحوري والخضراوات المكشوفة من بطاطس وبصل وبقوليات وخضروات محمية تحت أحدث أنظمة الزراعة المحمية. كذلك الفواكه المتساقطة والحمضيات والنخيل والزيتون تحت نظام الري بالتنقيط . أما في مجال الثروة الحيوانية فتضم المملكة أكبر مشاريع للدواجن والأبقار, إضافة إلى المصانع التي تنتج منتجات الألبان بأنواعها.
كل ذلك لم يكن ليحصل لولا الدعم الحكومي السخي الذي حظيت به الزراعة خلال الثمانينيات والتسعينيات الميلادية ولولا الجهود الجبارة التي بذلها المسؤولون في وزارة الزراعة وعلى رأسهم معالي الوزير السابق الدكتور عبد الرحمن آل الشيخ. ولا شك أنه قد صاحب ذلك كله بعض السلبيات التي كان أهمها عدم وضع أهداف استراتيجية واضحة ومحددة . ما دفع المملكة لأن تنتج ضعف ما تحتاج إليه من القمح بسبب سياسة الدعم التي كانت مقررة للقمح في حينه. وما كان له انعكاسات غير محسوبة على المخزون المائي والسياسة المائية والمالية في البلد.
السلبية الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقتها كانت الإغفال التام للجانب التسويقي. ما خلق فجوة واسعة بين الخبرة الفنية الإنتاجية وما صاحبها من إمكانات تسويقية متواضعة. ولقد لفت ذلك الأنظار في أواخر عهد الدكتور عبد الرحمن آل الشيخ الذي بذل بعض الجهود والمحاولات لسد جزء من هذه الثغرة . كان أخرها محاولة تأسيس شركة التسويق الزراعي التي لم يكتب لها النجاح ولم تر النور حتى بعد رحيله. ولقد شهدت الزراعة صراعات ونقاشات طويلة بين مؤيد ومعارض لما مر به القطاع الزراعي. فبين مؤيد يرى الاستمرار والمضي في تحقيق المكتسبات وبين مناد بإيقاف ذلك كله والعودة لعصر الاستيراد.
وجاء تعيين الدكتور فهد بالغنيم وزيرا للزراعة في التشكيل الأخير للوزارة، ليشكل حلقة جديدة في الوزارة، وعلى الرغم من أن البعض قد أوجس ريبة من تعيين الدكتور الذي أتى من قطاع المياه (تحلية المياه) خوفاً من ألا يستوعب الملابسات التي كانت كفيلة بأن تضع أي وزير جديد في موقف الحياد.
إلا أن الملاحظ والذي يشهد به الجميع أن الرجل قد استطاع أن يلم بخيوط القضية من جميع أطرافها وذلك وفق منهجية مدروسة بدأها بمحاولة جادة للتعرف على واقع القطاع وذلك من خلال زياراته المتعددة لمعظم المناطق الزراعية واجتماعاته المتكررة مع المسؤولين عن الزارعة في فروع الوزارة . وحرصه الواضح على الاجتماع بمديري الشركات الزراعية التي كان له دور في إعادتها إلى حظيرة الوزارة. وطوال الفترة الماضية كان ولا يزال الدكتور فهد مستمعاً جيداً يسمع ويدون ويحلل. وكان يصحب معه عددا من المسؤولين في الوزارة خلال تلك الزيارات أو الاجتماعات. وبعد أن استطاع تكوين خلفية كاملة. بدأ تحركات مدروسة كان من أهم معالمها ما يلي: تنظيم البيت الداخلي في الوزارة : حيث أعاد هيكلة الوزارة وأجرى العديد من التغييرات التي من شأنها المساعدة في تحقيق استراتجياته وأهدافه .
الحركة المعتدلة لتحقيق التوازن الإيجابي بين المحافظة على المكتسبات التي حققها القطاع الزراعي وبين المحافظة على الموارد المائية والمالية. وذلك بفتح قنوات الاتصال مع الأجهزة الحكومية المختلفة مثل وزارة المياه ووزارة المالية والبنك الزراعي وكليات الزراعة والغرف التجارية. وذلك لفتح حوارات علمية هادئة يتم من خلالها إيجاد البدائل والحلول التي تساعد في تحقيق هذه المعادلة. وهذه ولا شك لم تكن مهمة سهلة ولا تزال.
ومن متابعة شخصية فإن الدكتور فهد بالغنيم استطاع تحقيق هدف عودة الشركات الزراعية لحظيرة الوزارة بعد نفيها وحرمانها حتى من حقوق ليست في مصلحتها فقط, بل وحتى في مصلحة الوطن. فلا أحد ينكر أن للشركات الزراعية دورا في تخفيض تكلفة القمح والذي ساعد على تخفيض سعر الشراء إلى ريال واحد، منخفضا من 3.5 ريال في ذلك وفر علىي الدولة يصل إلى المليارات .
لقد وضع الوزير ضمن أجندته قضية في منتهى الأهمية ألا وهي موضوع الزراعة العضوية وأنظمتها وقوانينه، وهذا ولا شك سيكون له دور في تحسين نوعية المنتجات من الناحية الصحية، بتقليل كمية المبيدات والكيماويات وتقنين استخدامها.
ومن ناحية أخرى سيسهم في حل المشكلة التسويقية من خلال توفير منتجات متميزة يبحث عنها الجميع و لا يجدونها. إضافة إلى فتح المجال للتصدير نظراً للطلب المتزايد علي المنتجات العضوية في الأسواق العالمية وبأسعار مغرية تشجع المنتج على التوسع في إنتاجها.
وحاليا تبذل جهود في الوزراة لإقناع المزارعين في الانضمام إلى الجمعيات التعاونية وتأسيسها، بالنظر لكون هذه الخطوة ربما تكون إحدى الحلقات التي ستقلل مشاكل التسويق والتكاليف. كل الأمل أن يوفق الله الجميع لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
* متخصص في الشأن الزراعي