إمكانات الغاز السعودي تحفّز على استغلال مشتقاته اقتصاديا
خلصنا في المقال السابق إلى أن زيادة القدرة التكريرية للمملكة هي فرصة لزيادة الصناعات البتروكيماوية التي من شأنها دعم الدخل الوطني وإيجاد العديد من الوظائف للأجيال المقبلة. والحقيقة، وبحسب تقرير شعاع كابيتال 2005، فإن المملكة كانت أول دولة في المنطقة تعي أهمية الصناعات البتروكيماوية وتهيئ لها بنى تحتية من الطراز الأول في كل من الجبيل وينبع. وبحسب التقرير فإن هذه البنى التحتية هي الأفضل في المنطقة كلها. ويجب الإشارة إلى أن الصناعات البتروكيماوية العالمية تمرّ بمنعطفات تاريخية غاية في الأهمية، فظهور العملاق الصيني بهذه الشهية للصناعات البتروكيماوية لا شك كان من أكبر العوامل الحديثة المؤثرة في هذه الصناعات، فشكل الطلب الصيني المتزايد على هذه المواد ما نسبته 40 في المائة من إجمالي النمو العالمي على المواد البتروكيماوية، الأمر الذي دفع العديد من دول العالم إلى التوسع في هذه الصناعات، ومنها دول الخليج، مدفوعة بوجود ثروات هائلة من النفط والغاز.
والحقيقة أن كل دول الخليج العربي تنظر باهتمام إلى الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية، فقد بلغ حجم استثماراتها في هذا المجال وحتى عام 2011م نحو 88 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنتج هذه الدول من المواد البتروكيماوية ما يقارب 25 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي بحلول عام 2015م.
وينمو إنتاج دول الخليج العربي من المواد البتروكيماوية بمعدل 11 في المائة سنوياً ليصل إنتاجها إلى أكثر من 50 مليون طن من هذه المواد في عام 2005م. وتتوقع الكثير من المؤسسات المختصة أن ينمو إنتاج دول الخليج العربي وإيران من المواد البتروكيماوية (المصنعة من الغاز) بشكل يذهل العالم. فبحسب بعض التقارير العالمية فإنه من المتوقع أن ينمو إنتاج هذه الدول من البولي إيثيلين من 9 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2004 ليصل إلى 19 في المائة بحلول عام 2010، وكذلك أن ينمو إنتاجها من البولي بروبلين من 4 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2004 ليصل إلى 14 في المائة بحلول عام 2010م.
وفي هذا الصدد أجد أنه من المفيد الإشارة إلى أن الصناعات البتروكيماوية في المملكة ترتكز حالياً على الغاز المصاحب، حيث يفصل الميثان ليستخدم في صناعة الأمونيا والأسمدة والميثانول، ويرسل الإيثان إلى المكسر البخاري لإنتاج الإيثيلين والبروبلين لصناعة البلاستيك (تم تسعير هذين الغازين داخل المملكة بـ 75 سنتا أمريكيا لكل مليون وحدة حرارية، وتكاد تكون الأرخص في العالم). وأما سوائل الغازات الأخرى NGL فتشمل الغازات الأكبر من الميثان والإيثان، وتشمل الجازولين الطبيعي (C5+C6) الذي يخلط جزء منه مع الجازولين العادي ويستخدم جزء آخر في الصناعات البتروكيماوية، وعلى سبيل المثال تستخدمه المجموعة السعودية في الجبيل لصناعة العطريات.
أما غاز النفط المسال المعروف بـ LPG، فيصدّر جزء منه ويستخدم الجزء الآخر في بعض الصناعات المحلية، حيث يستخدم في ينبع لإنتاج العطريات، وقد يكسر لإنتاج البروبلين والإيثيلين. ومن المفيد الإشارة إلى أن سوائل الغازات هذه تباع في المملكة بحسم 30 في المائة عن الأسعار العالمية، وتشكل فرصة استثمارية جيدة في مجال البتروكيماويات. طبعاً لا يفوتنا أن نذكر أن صناعات أرامكو البتروكيماوية المستقبلية سوف تعتمد على مشتقات المصافي في كل من رابغ ورأس تنورة، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في المستقبل القريب (2010 – 2012).
تمتلك المملكة احتياطات هائلة من النفط تقدر بـ 267 مليار برميل، وهي الأعلى في العالم، ولكن احتياطياتها المكتشفة من الغاز تأتي في المركز الرابع عالمياً بعد روسيا وإيران وقطر. إذاً بحسب المصادر الحالية فإن إمكاناتنا الغازية ليست بحجم قدراتنا النفطية، الأمر الذي يدعونا ويحفزنا إلى التمدد والانتشار في الصناعات النفطية واستغلال مشتقاتها بشكل اقتصادي، خاصة أن إنتاجنا من الغازات قد لا يستطيع أن يلبي الطلب المتزايد عليه، سواء لتوليد الطاقة (النظيفة) أو للصناعات البتروكيماوية مثل البولي إيثيلين والبولي بروبلين.
والحقيقة أن وجود الغازات في المملكة بكميات كبيرة قد أسهم في إشعال فتيلة الصناعات البتروكيماوية في المملكة حتى شبت وترعرعت، ولا بد من ذكر أن تكلفة البتروكيماويات المصنعة من الغازات هي أقل من تلك التي تصنع من مشتقات النفط، وقد كان هذا، إضافة إلى أسباب كثيرة مثل توافر الطاقة والبنية التحتية والدعم الحكومي، من الأسباب التي جعلت تكلفة إنتاج هذه المواد في المملكة من الأرخص في العالم. ويعرض الجدول رقم (1) مقارنة بين بعض دول العالم ذات الصناعات البتروكيماوية، تبين تكلفة إنتاج الطن من مادة البولي إيثيلين وصولاً إلى الصين وعلى أساس أن سعر برميل النفط 28 دولارا.
ومع صعود أسعار النفط الحالية لتصل مستوى الخمسينات (دولار للبرميل)، فإن تكلفة الطن من الإيثيلين في كل من الصين والاتحاد الأوروبي قد تصل أيضاً بين 800 وألف دولار للطن، لأن مصدرها النافثا الناتجة مباشرة من الخام، ما يجعله مرتبطاً مباشرة بسعر البرميل الخام، مما يعني أن تكلفة الطن في المملكة تقل بـ 500 إلى 600 دولار عن سائر الدول الأساسية المنتجة للإيثيلين (الجدول 1).
وكما لا ننسى أن طن الإيثيلين قد يباع بنحو 1100 دولار، ما يجعل ربحية طن الإيثيلين المنتج في المملكة تصل إلى 700 دولار، في حين لا تتعدى ربحيته في تلك الدول بين 100 و200 دولار للطن. ويعرض الجدول رقم (2) مقارنة تقريبية تشرح للقارئ الكريم موقع صنّاع البتروكيماويات في المملكة بالنسبة للعالم. وكما في الجدول فإن ربحية طن البولي إيثيلين في المملكة (وكذلك في بعض دول الخليج) الأعلى في العالم، مستفيدين من تكلفة الإنتاج الرخيصة والبنية التحتية الرائعة والموقع الاستراتيجي بين شرق آسيا وأوروبا. باختصار شديد وصول سعر الخام إلى 50 دولارا يجعل سعر برميل النافثا يصل إلى حدود 80 دولارا، ما يجعل سعر الإيثان العالمي المنتج منها نحو 13.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية مقارنة بـ 0.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية من سعر الإيثان في السعودية، وهذا يسطر دعم الدولة اللامحدود للصناعات البتروكيماوية.
وجود الثروات النفطية والغازية بوفرة، إضافة إلى البنى التحتية الحديثة والاستقرار الأمني والسياسي في دول الخليج، جعل صنّاع البتروكيماويات الأساسيين في العالم يشعرون بالقلق ويسعون لعقد الشراكات التجارية مع الشركات الخليجية لتقليل الهوة في هذه الأرقام الهائلة. والحقيقة أن معظم الشركات العالمية قد تعالج هذا الوضع في أسعار الإيثيلين بأن تذهب إلى تصنيع المواد شديدة التخصص وشديدة التعقيد، حيث إن دول الخليج العربي لا تستطيع إنتاجها لافتقارها إلى التقنية اللازمة، وبهذا تستطيع هذه الشركات العالمية أن تحافظ على بقائها حتى بوجود أسعار الإيثيلين، والتي تعتبر لصالح المنتجين في المملكة وبعض دول الخليج الأخرى، مثل إيران وقطر، حيث يستخدمون الغاز لإنتاجه .
<div align="center"><img title="" alt="" src="/files/EQT_P11_25022007_ED10004.jpg"></div><div align="center"> </div><div align="center"><img title="" alt="" src="/files/EQT_P11_25022007_ED10044.jpg"></div>