التمويل واستغلال السيولة والاقتصاد (2 من 2)
كنا قد تحدثنا في الأسبوع الماضي عن المشاكل التي يعانيها قطاع التمويل في المملكة، وذكرنا الآثار الاقتصادية المهمة التي يقدمها التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وعن الأبعاد السلبية لغياب التمويل المنظم على قطاع الأعمال والاقتصاد.
ويبقى الجزء الأهم من هذا الطرح وهو عن كيفية الاستفادة من الجهود الفردية المبعثرة التي نراها في سبيل تحقيق البعد الاقتصادي لتمويل تلك المنشآت واستمرارية وجودها ولتحقيق منظومة متكاملة لوضع الاستراتيجية طويلة الأجل لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة.
وهنا يجب علينا الحديث عن إيجاد حلول استراتيجية بشكل يلبي الحاجة الملحة إلى مصادر التمويل وتضمن الاستمرارية، ولنا أن ذكر أن هناك العديد من الجهود التي تبذل في هذا السياق ولكنها مع الأسف تعتبر اجتهادات فردية حتى وإن كانت تمثل منشآت لها ثقلها، إلا أننا قد نفقدها مع مرور الوقت أو تكون جهودا محدودة المردود إذا لم يتم جمع تلك الجهود تحت مظلة واحدة. فعلى سبيل المثال نذكر بعض الجهات التي تعمل في توجه يخدم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بطريقة أو بأخرى:
1. مراكز المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الغرف التجارية.
2. صندوق المئوية.
3. صندوق التنمية الصناعي (برنامج كفالة).
4. مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
5. المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني.
6. مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين.
7. شركات القطاع الخاص ( شركة عبد اللطيف جميل كمثال).
8. البنوك ( التمويل وبرنامج كفالة).
والعديد من المبادرات لرجال الأعمال على المستوى الفردي، في سبيل دعم هذا القطاع الحيوي. ولكن مع الأسف أن تلك الجهود تحتاج إلى إطار تنظيمي موحد يمثل هذا التوجه بما يضمن الاستفادة من المميزات التي تحملها كل جهة للخروج بنظام تكاملي يخدم جميع أهداف الجهات المشاركة تحت هذه المظلة، وتبقى على الجهات ذات العلاقة في الشؤون المالية التمويلية المبادرة إلى فتح الباب أمام مبادرات تمويلية جديدة تلبي الطلب المتزايد على التمويل إيجاد حلول تمويلية تضمن دعم المنشآت الصغيرة وفي الوقت نفسه تبقى نسب المخاطرة في أدنى مستوياتها للممولين. وهنا نذكر مثالا على توحيد التوجه وهو ما تقوم به "مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب" لتأسيس شركة "أسواق" كشركة مساهمة عامة. حيث تقوم بعض الجهات المعنية في دولة الإمارات بتوفير الغطاء اللازم لتلك المبادرة بحيث تجعل المبادرة جهدا يقوم عليه جميع قطاعات الدولة والقطاع الخاص.
ونحن هنا في المملكة نملك مميزات أكبر مما تجده في جميع الأسواق الخليجية ولا أبالغ إن قلت العربية مجتمعة، وأرى أن استغلال تلك المميزات يكون في تأسيس هيئة أو جمعية ممثلة في جميع القطاعات ذات العلاقة سواء الحكومية أو القطاع الخاص، لتبني رؤية مستقبلية لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتطوير حلول عملية وفاعلة وسريعة للاستفادة من ميزات الاقتصاد الحالي وتوافر السيولة في تحقيق الأهداف.
وتقوم تلك الجمعية بتأسيس صندوق استثماري بقيمة مليار ريال على شكل مساهمة مادية أو حتى عينية تقوم الهيئة أو الجمعية برعايته والمساهمة فيه بحيث يعتمد على المشاركة وليس على الدعم فقط. على أساس أن يقوم هذا الصندوق في الدخول في استثمارات صغيرة ومتوسطة مشاركة مع الشركات الموجودة أصلا أو تأسيس شركات جديدة مع أصحاب الأفكار والابتكارات. وهذا الأسلوب سيضع حافزا أكبر للجميع للعمل في سبيل نجاح المشاريع، وسيكون العائد على الاستثمار هو المعيار الحقيقي للنجاح. ومنها يكون هناك التزام حتى من صغار المستثمرين بحيث يكون لديهم إمكانية تنمية هذه الشركة عن طريق رفع رأسمال الشركة الصغيرة أو المتوسطة. بذلك تكون الاستمرارية في السوق هو أمر يحدده مدى نجاح الاستثمار في تحقيق العائد وليس قدرته على سداد القروض والديون.
وهذا التوجه بل شك قد يسهم في بناء جيل جديد من المبتكرين والمخترعين الذين ربما لم يجدوا في السابق التمويل والدعم لاحتضان أفكارهم وإبداعاتهم وتحويلها إلى واقع ملموس ليدعم في نهاية المطاف ناتجنا المحلي ويسهم في بناء اقتصادنا الكلي وتعطى المنشآت الصغيرة والمتوسطة أملا في مواصلة الركض التجاري الذي بلا شك يواجه منافسة مستقبلية محتملة في ظل الانفتاح الاقتصادي والاستثمار الأجنبي.