قانون النفط العراقي في انتظار المخاض العسير

قانون النفط العراقي في انتظار المخاض العسير

عاد التركيز مرة أخرى على قانون الثروة النفطية في العراق إثر الخبر الذي نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الأسبوع الماضي عن احتمالات وجود مخزونات نفطية وسط العراق. والاهتمام لا يعود إلى عنصر الجغرافيا فقط، وإنما للبعد السياسي في الإعلان المصاحب للجدل الذي لا يزال محتدما حول القانون والمخاض العسير الذي يمر به.
ففي منتصف الشهر الماضي اختتم ثلاثة من الخبراء العراقيين لهم معرفة بالصناعة النفطية وخبرة متراكمة تبلغ 120 عاما، ما عرف بالمسودة الثالثة للقانون، سعوا فيها إلى الوصول إلى توازن بين مطالب الحكومة المركزية أن يكون لها القدح المعلى فيما يخص السيطرة على الصناعة من جوانب إعطاء التراخيص والعائدات المالية وكيفية توزيعها، وبين ما تطالب به الأقاليم والمحافظات خاصة المنطقة الكردية التي تتمتع بشيء من الاستقلالية، كما أنها تتضمن العديد من المناطق المنتجة.
الجدل كان ولا يزال مصوبا بصورة رئيسة على المادتين 111 و112 من الدستور وكيفية تفسيرهما في إطار الواقع السياسي المتحرك. فهل يعتبر النفط الموجود في كردستان ملكا لأهلها يتصرفون فيه كما يشاءون، أم هو لأهل العراق كلهم؟ وإلى جانب هذا، هناك الواقع العملي الناجم عن أن السلطة الكردية بدأت في واقع الأمر الحديث مع بعض الشركات الأجنبية، بل وهناك تفاهمات مبدئية في إطار اتفاقيات قسمة الإنتاج المعروفة، الأمر الذي نقل الجدل إليها، وهل تحتاج إلى الضوء الأخضر للمضي قدما فيها أم أن الحكومة الكردية الإقليمية يمكنها أمضاء الاتفاق منفردة؟
المسودة التي أعدتها لجنة الخبراء لا تزال تنتظر الاتفاق السياسي من قبل الكتل المختلفة حتى يمكن تمريرها من مجلس الوزراء ومن ثم فتح الباب أمامها من خلال البرلمان لتكتسب الصفة التشريعية، ومن هنا التركيز على البعد السياسي للخبر الخاص بوجود احتياطيات نفطية في مناطق الوسط السنية.
لكن هذا الحديث لا يبدو جديدا بالنسبة لمتابعي أوضاع الصناعة النفطية العراقية، إذ هناك قناعة بوجود كميات تقل أو تكثر، لكن يقعد بها قلة الاستثمار وإنهاك البلاد في حروب متصلة وحظر اقتصادي استمرا لعقود من الزمان، الأمر الذي أثر في فرص الاستكشاف والتطوير للمخزونات النفطية الهائلة التي يتمتع بها العراق وتضعه في المرتبة الثالثة عالميا بعد السعودية وكندا، فالسائد أن في البلاد نحو 115 مليار برميل مخزونا مؤكدا يمكن أن يضاف إليها 100 مليار أخرى في شكل مخزونات محتملة، إذ إن نسبة المنطقة الجغرافية التي تم مسحها وإخضاعها للاكتشافات الجغرافية لا تزيد على 10 في المائة فقط من إجمالي الأراضي العراقية. كما أن تكلفة إنتاج النفط العراقي تظل منخفضة، وبالتالي تشكل عامل جذب للراغبين في الاستثمار في هذا المجال من الشركات الأجنبية.
ووفقا لدراسة للخبير النفطي طارق شفيق، وهو أحد أعضاء اللجنة الثلاثية التي أعدت مسودة القانون النفطي، أنه يمكن إنتاج مليون برميل يوميا من حقول كركوك بتكلفة 750 مليون دولار ترتفع إلى 1.6 مليار في حقول الرميلة، كما تتصاعد إلى ثلاثة مليارات بالنسبة للحقول الصغيرة في شمال غربي البلاد.
رابطة كمبريدج لأبحاث الطاقة ترى من جانبها أن متوسط إنتاج مليون برميل يوميا تبلغ في المتوسط ثلاثة مليارات ونصف المليار برميل في المتوسط.
الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد في هذا الجانب تتضح جلية من حقيقة أن الحقول المنتجة حاليا تبلغ 17 فقط من جملة 86 حقلا مكتشفة، وأن هناك 1600 بئر منتجة من جملة نحو 2300 بئر تم اكتشافها.
الصراع الجاري حاليا يدور في مجمله حول هذه الموارد وما يمكن أن تجيره من عائدات مالية يمكن أن تصيب هذا الإقليم أو ذاك. لجنة "بيكر ـ هاملتون" التي تقدمت بدراسة حول الوضع في العراقي وما ينبغي لإدارة الرئيس جورج بوش تطرقت إلى هذه النقطة مركزة على أهمية الدور الوفاقي الذي ينبغي أن يلعبه النفط من خلال القانون المقترح.
توصيات اللجنة تلك لم تجد حظها من الاهتمام من إدارة بوش، لكن بالنسبة للمراقبين، فإن الأمر يتعلق بمستقبل البلد ككل. وربما يكون في بعض التصريحات الكردية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن استعدادها الوصول إلى تفاهم حول القانون مع السلطة المركزية مؤشرا على الطريق، لكنها تظل في انتظار اتفاق ملزم في النهاية.

الأكثر قراءة