بعد مرور عام من التصحيح .. هل صُححت المفاهيم؟!
أسواق المال الخليجية وسوق الأسهم السعودية على وجه الخصوص مرت بتجربة، بقدر ما هي تجربة مؤلمة وقاسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بقدر ما هي, بكل أسف, نتيجة حصاد أيدينا وتفكير عقولنا الغضة حول طريقة التعاطي مع أسواق الأسهم وكيفية الاستثمار فيها, وكذلك نتيجة تداخل المرتكزات التي تقوم عليها الأسواق المالية في العموم لدينا، بحيث إن ذلك التداخل بين مكونات أسواق المال شكل عقدة يصعب فكها بشكل سليم إلا من خلال قطع وإعادة لصق عبر عملية جراحية دقيقة, ولكن رب ضارة نافعة. وأعتقد أن ما حدث خلال عام كان تجربة يجب الاستفادة منها, وذلك لجميع مكونات أسواق المال الأربعة، وهي: المستثمرون, الشركات, وكذلك الجهات الإشرافية والرقابية المسؤولة عن توفير بيئة آمنة استثماريا وعادلة، وآخر تلك المكونات الإعلام الاقتصادي الذي هو الوسيلة للوصول إلى مستويات شفافية وإفصاح, وكذلك تفعيل دورة (أي الإعلام الاقتصادي) للمساعدة على اتخاذ القرار الاستثماري من قبل المستثمرين أفراداً ومؤسسات، وإن كانت الحاجة أقل في حالة المؤسسات، فلديها طرقها في الوصول إلى البيانات والمعلومات التي تحتاج إليها.
خلال هذا العام لم يكن الحال هبوطا في جميع الفترات, فقد شاهدنا أن الهبوط استمر منذ شباط (فبراير) حتى أيار (مايو) 2006, ثم شهد نموا واضحا وحركة جيدة للسوق لفترة لم تدم طويلا ثم ما لبثت أن تراجعت السوق إلى أدنى مستوياتها حتى وصل إلى ما دون سبعة آلاف نقطة للمؤشر العام, وكانت نسب التدوير على بعض الشركات عالية جداً, ما يدل على أن المسألة لم تكن مسألة ثقة بالدرجة الأولى ولكنها مشكلة هيكلية وقصور في تركيبة جميع عناصر سوق المال دون استثناء. ثم بدأت قناعة جديدة لدى الجميع, لا نعلم مصدرها, بأن المؤشر قد يشهد انهيارا آخر إلى ما دون خمسة آلاف نقطة للمؤشر، ثم شهد المؤشر عكس التوقعات خلال الأسبوعين الماضيين بحيث تخطى حاجر ثمانية آلاف نقطة في حالة نمو متواصل وبالذات في أسعار الشركات القيادية وعلى رأسها "سابك" ومصرف الراجحي. وحتى تاريخه لا تزال السوق تشهد نموا مشوبا بالحذر! السؤال من الذي رسخ القناعة بأن السوق لا بد لها أن تتراجع إلى أدنى المستويات عندما كان المؤشر في نطاق ستة آلاف نقطة؟ ومن المستفيد من زرع حالة الإحباط؟
وبغض النظر عن أحجام مسؤولية هذا الطرف أو ذاك عما حدث منذ 25 شباط (فبراير) 2006، رغم وجود محاولات مستميتة من قبل أطراف معينة على قذف المشكلة وأسبابها على جهات بعينها دون غيرها، بحيث يظهر أن طرفا مظلوما مكسور الجناح، بينما الطرف الآخر مجرم حرب بمعنى الكلمة. وكان هناك تسابق واضح في هذا الاتجاه ولا يزال في رمي الكرة في ملعب الآخر. وأقولها بصراحة إن هناك قصورا وهناك استغلالا قد تم، ولكن علينا ألا نظهر الطرف أو المكون الآخر بمظهر البريء الذي لا حول له ولا قوة. لأننا بذلك نسقط على هذا الطرف البريء السذاجة وعدم البلوغ وكذلك عدم الرشد الذي على أساسه يطالب بحقوقه وعلى أساسه يعمل اقتصاديا بكل حرية، هذا البريء الذي كان ساكتا ومطبق الشفاه على كل المخالفات عندما كان هناك مكسب، وعندما خسر ظهرت أخلاقيات وظهرت المطالبة بعدالة اللعبة وفرض القانون، وقد شهدنا وبكل صلافة ومن بعض الأطراف نفسها مطالب متناقضة، عندما كان كشف الأسماء ومن وجهة نظرها يضر بمصالحها كانت تعمل على حث المسؤولين بكل الوسائل الممكنة على عدم الكشف بل والتشكيك بأهداف المسؤولين في الهيئة من إيراد ذلك الإجراء! وعندما رأت أن تلك الأسماء التي دافعت عنها في السابق لم ترحمها عندما غرقت، كانت المطالبات لا تتوقف عن طلب الكشف والضرب بيد من حديد, وهي ازدواجية ممقوتة وفي حاجة إلى أن تتوقف.
أسواق المال في حاجة إلى أن تبنى على أسس علمية وليست مصالح. ومن خلال هذا البناء القوي على الجميع محاولة تعظيم مصالحهم من خلال النظام وعبره. ولكن بعد وضع الأسس، لدينا مغلوطة يشوبها الكثير من القصور بكل أسف. ولم تعل الأصوات إلا عندما لدغ من لدغ، وكسب من كسب بسبب الفكر الإنساني والاجتماعي السلبي المتراكم لدينا، الذي استغل بكل حرفية من قبل فئة محدودة قد لا تتجاوز حسب بعض المؤشرات 6 في المائة وهي من ذهبت بمكاسب 94 في المائة ممن دخلوا السوق متسلحين بالشائعات والاعتماد على القيل والقال، وكل هدفهم الكسب السريع دون أدنى حدود من الرغبة في معرفة الصحيح والسليم، وغيبت حتى أصوات العقل والمنطق بشكل أظهرت وكأنها وجوه الغربان الناعقة على جثث مجهولة الهوية.
قد يظهر كلامي قاسيا بعض الشيء على الجميع، ولكنه الحرص على ألا نفوت الفرصة وتذهب التجربة دون استفادة، ونحن الآن نمر في السنة أو الذكرى الأولى للتراجع أو الهبوط أو التصحيح ـ لا تهم كثيرا بالنسبة لي الأسماء ـ وهي كما ذكرت مؤلمة ولكنها في الوقت نفسه لا بد من أن تكون لها نتائج إيجابية على الفرد والمجتمع في الاستفادة من التجربة ومعرفة أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ويجب أن لا نتهاون مع من يحاولون استغلالنا واستغلال رغبتنا في تحقيق الذات، عبر سراب لا نهاية له. يجب ألا نلدغ من الجحر نفسه مرتين، ومن خلال الارتفاع الذي حدث في آخر أسبوعين، آمل ألا نندفع كما اندفعنا في السابق دون معرفة ودراية. وإذا لم يكن لدينا من يستطيع إرشادنا، علينا التوقف عن الدخول في اللعبة التي لا نتقنها ونعمل فيما نتقنه فقط.