على هامش التغيير الوزاري المنتظر
في الآونة الأخيرة كثر الحديث حول التغيير الوزاري المنتظر، وأصبح موضوعا ناقشته مقالات لكتاب عدة على صفحات الصحف على وجه الخصوص، وتناول وتداول مسألة التغيير الوزاري بهذه العلنية يعكس ولا شك جو الانفتاح الإيجابي الذي أتاح مناقشة قضايا وشؤون كان يعتبر تناولها من المحظورات والممنوعات، وهو ما يحسب بحق لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفقه الله، الذي أطلق الدعوة الصادقة للحوار والنقاش حول مجمل قضايا الوطن في خطوة متقدمة لإرساء مبدأ المشاركة والمساهمة بكل ما يثري الساحة بالأفكار والآراء المتعددة، ويعكس ذلك بالتحديد ما طرح منها فيما يخص التغيير الوزاري أخيرا.
لكن يبقى الأهم، وهو الاستفادة من كل الآراء والأفكار التي تتناول هذه المسألة بالذات وغيرها من قضايا، شحذ كثير من الكتاب وخاصة المتخصصين منهم فكرهم وعلمهم لتقديم الرأي والمشورة حولها.
في هذا السياق أشير بالتحديد إلى مقالة الدكتور مقبل الذكير في "الاقتصادية" بعنوان (اقتصادنا والتغيير الوزاري المرتقب) في 17/2/2007، وهي عينة أرى أنها تمثل فعلا إيجابي ما طرح حول موضوع التغيير الوزاري بما تضمنته من آراء جديرة بالاهتمام، فالدكتور الذكير أكد معنى مهما في قيمة التغيير وهو أن التغيير الجوهري يجب أن يشمل بيئة العمل ذاتها وهو ما يعني تطوير وتحديث الأنظمة الإدارية والمؤسسات بما يتوافق مع الإنتاجية وإزالة المعوقات، فلا قيمة لتغيير الأشخاص في ظل أنظمة قديمة لم تعد تلبي الاحتياجات الحالية، وهذا يعيدنا إلى التذكير بمقالة سابقة للدكتور هاشم بن عبد الله الصالح بعنوان (هل الواقع الإداري ينهض بتطلعاتنا التنموية؟) المنشور في "الاقتصادية" بتاريخ 24 نوفمبر 2006، والذي خلص فيها إلى أن "التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو الضعف الشديد في أدائنا الإداري" الذي من نتائجه المريرة ضياع الجهد والمال بسبب غياب الأطر الإدارية التي تنمي الإنتاجية المقننة وليس الإنتاجية المعتمدة على الجهد الشخصي التي كثيرا ما تتحول إلى نزعة للدعاية الشخصية، وهو ما قاد إلى تراكم الأزمات في كل شؤون حياتنا وانخفاض مستوى جودة مشاريعنا وعدم تلبيتها الاحتياجات الفعلية والكافية، وأدى إلى جعل أزماتنا تتضاعف بالرغم من وجود الإمكانات المادية التي قل أثرها لغياب الأساليب الإدارية التي يمكن لها أولا ضمان جودة الأداء وثانيا منع الفساد والحرص على الإنتاجية المثمرة.
لا أظن بأني سأضيف الكثير حول هذا الموضوع الذي تطرق إليه كثيرا في مقالات صحافية عديدة، ولكني أود التشديد هنا على معنى مهم وأساسي وهو أن التغيير الجوهري والمهم والناجع ليس قاصرا على تغيير الوجوه والأسماء بقدر ما هو إحداث تغيير إيجابي في أساليبنا الإدارية التي ما زلنا نعمل بها، وكثير منها معوق لحركتنا ومعطل لإنتاجيتنا، وأتوقف هنا أمام حالة واحدة أعتقد أنها من الأولويات التي يجب أن يلتفت إليها في سبيل تحديث نظامنا الإداري وتطوير الأداء العام، وهي حالة الصلاحية المطلقة التي تمنح للمسؤول، فهذه الصلاحية المطلقة سلبياتها أكثر من إيجابياتها، ومن هذه السلبيات انشغال المسؤول في بداية تكليفه بترتيب الجهاز الإداري وفق أهوائه الشخصية ورغباته وليس بناء على مصلحة ومتطلبات العمل، فهناك من يقرب أصحاب الثقة، وهناك من يبحث عن من يكون شعاره "ما يقوله البكباشي.. ماشي"، وهناك من يعتقد أن تغيير ونقل وتبديل المواقع داخل الإدارة هو التطوير والتحديث المطلوبان.! وبناء على هذه الصلاحية المطلقة لا أحد يستطيع أن يسأل عن المبررات والأسباب النابعة من مصلحة العمل، فقد أعطت المسؤول كامل الصلاحية لإحداث أية تغييرات داخل الإدارة المكلف بها من دون مطالبته بالاستناد إلى معطيات موضوعية تستند إلى خطة عمل محددة.
ما نتمناه من التغيير الوزاري المقبل أن يتضمن التكليف تحديدا واضحا للمهام المطلوب إنجازها خلال الفترة الزمنية المقبلة، وأن يطلب من الوزير الجديد وضع خطة عمل بناء على المهام المطلوبة منه، والتي تم اختياره من أجل تطبيقها حتى يمكن الحكم على أدائه وتقييمه في نهاية الفترة، كما نتمنى من كل وزير جديد أو يجدد له أن يستخدم الصلاحية التي يعطى إياها في تطوير الأداء والاستفادة من القدرات والخبرات الموجودة وفق خطة عمل محددة تقوم على تحقيق إنجاز حقيقي في مجال عمله، وليس قصر المهمة على إحداث تغييرات إدارية تتسبب في إرباك العمل، كما جرت عليه العادة مع كل تغيير في قمة الهرم الإداري في كل وزارة ودائرة، فالتغيير الإيجابي يجب أن يكون في المهام وليس في الأشخاص، إلا لمن تثبت صلاحيته.