رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لنعد النظر في نظام الاستثمار الأجنبي

[email protected]

الأخبار التي تحدثت عن طلب الهيئة العامة للاستثمار من المجلس الاقتصادي الأعلى فتح خمسة أنشطة جديدة أمام الاستثمار الأجنبي، أبرزها قطاع البيع بالجملة والتجزئة، تظهر بما لا يدع مجالا للشك أننا لا نكتفي فقط بمحاكاة تجارب دول أخرى أوضاعها مختلفة عنا تماماً، وإنما أيضا لا نقوم حتى بمراجعة سلبيات قراراتنا السابقة تفاديا لتكرارها. ولو أن الهيئة أخذت في اعتبارها أن جل ما ترتب على ما تم فتحه من قطاعات أمام المستثمرين الأجانب، هو أن عمالا أجانب لم يستقطبوا دولارا واحدا من خارج البلاد وكل ما يملكونه نتاج مخالفتهم أنظمة البلاد من خلال عمليات التستر تحولوا إلى مستثمرين أجانب يتمتعون بميزات تفوق ما يحصل عليه المستثمر الوطني، لكانت الهيئة أكثر حصافة من أن تطالب بفتح قطاع البيع بالجملة والتجزئة أمام العمالة الوافدة لتحكم سيطرتها على هذه الأنشطة. فكل ما سينتج عن قرار من هذا النوع هو ألا تكون وحدها محلات بيع الفول والطعمية وورش المنطقة الصناعية استثمارات أجنبية تتمتع بامتيازات ورعاية خاصة، وإنما أيضا حتى بقالات الأحياء ومحلات بيع إكسسوارات الجوالات ستكون هي الأخرى استثمارات أجنبية تتمتع برعاية الهيئة ودعمها.
الجدير بالذكر أن الدول التي كانت تحاول ابتزازنا قبل موافقتها على انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية لم تحصل منا إلا على موافقة بالسماح بتملك المستثمر الأجنبي نسبة 75 في المائة، كحد أقصى، من رأسمال المنشآت التي تعمل في قطاع الخدمات، وبشرط أن يكون على أقل تقدير 75 في المائة من العاملين فيها سعوديون من يومها الأول، بينما هيئة الاستثمار ترغب الآن في فتح هذا القطاع على مصراعيه دون شروط. وإن كنا نشتكي من ضيق فرص الاستثمار في بلادنا وأن ذلك تسبب في هجرة مئات المليارات من مدخراتنا الوطنية إلى الخارج، وأدى إلى تضخم سوق الأسهم بصورة مبالغ فيها ما أدى إلى انهيارها لاحقا بنتائج مأساوية على المستثمرين، فإننا من خلال مثل هذه القرارات التي لا نحتاج حتى إلى دراستها لندرك أبعادها الكارثية على اقتصادنا الوطني، نفاقم في الواقع من مشكلة محدودية الفرص الاستثمارية، ونضيق الخناق على المستثمر الوطني، ونكافئ مخالفي أنظمتنا بإعطائهم الفرصة للتحايل علينا من جديد باسم الاستثمار الأجنبي.
إن الاستثمار الأجنبي يعني استقطاب استثمارات خارجية تتدفق على الاقتصاد المحلي من خلال منشآت عالمية تمتلك خبرات وتقنيات عالية اقتصادنا في حاجة إليها، لا أن يكون مجرد قيام عمالة أجنبية بتصحيح أوضاعها تحت ستار الاستثمار الأجنبي، وبدلا من كونهم عمالة مخالفة لأنظمة الإقامة والعمل تتاح لهم الفرصة لارتكاب مخالفات أكثر خطورة، كاستصدار تأشيرات العمل والمتاجرة بها، وإقامة التكتلات التي تضيق الخناق على منافسيهم من المستثمرين السعوديين ما يضطرهم إلى الخروج من السوق وترك الساحة لتلك العمالة للسيطرة على مختلف الأنشطة في اقتصادنا المحلي. أي أننا لم نكتف بتضييق الفرصة أمام المواطن الباحث عن فرصة للعمل من خلال وضعه في منافسة غير عادلة مع عمالة أجنبية متدنية الأجر، وإنما نضيق الخناق أيضا على المستثمر ونضعه في منافسة غير متكافئة مع عمالة أجنبية تعمل بروح العصابات والتآمر، وتبذل كل ما في وسعها لاستغلال وضعها الجديد للسيطرة على مختلف أوجه النشاط التجاري، بصورة تفوق كثيرا ما كانت عمليات التستر التجاري تتيحه لها.
إن أهم شرط يجب توافره في المستثمر الأجنبي هو كونه منشأة استثمارية ناجحة متميزة في بلدها الأصلي وعلى مستوى العالم، لا أن يكون من ينتحل هذه الصفة عمالة أجنبية مخالفة امتلكت منشآت محلية من خلال التستر، يجمعون فيما بينهم مليوني ريال يودعونها بالتناوب في حساباتهم لاستصدار شهادة من البنك تؤهلهم ليصبحوا مستثمرين أجانب. ونظام الاستثمار الأجنبي لم يوضع لتجد فيه العمالة الأجنبية المخالفة ملاذا لها من وضعها غير النظامي، وإنما وجد ليشجع على استقطاب شركات عالمية للاستثمار في السعودية، كالشركات التي دخلت سوقنا من خلال مبادرة الغاز، أو الشركاء الاستراتيجيين في قطاعي البتروكيماويات والمصافي، ونحو ذلك من استثمارات. ما يعني حتمية امتلاك الهيئة منظورا مختلفا تماما لدورها في منظومة مؤسساتنا الاقتصادية، وأن تقوم قبل دراسة أي طلب استثمار أجنبي بالتأكد من أهلية الشركة المتقدمة، وأنها شركة عالمية استثماراتها تمثل إضافة نوعية لاستثماراتنا المحلية، أما غير ذلك، فإن أولوياتنا في استعادة استثماراتنا الهائلة في الخارج، وتفادي خروج المزيد منها نتيجة تدمير ما بقي من فرص استثمارية بوهم زيادة قدرتنا على استقطاب استثمارات أجنبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي