الزواج أثناء الدراسة.. استقرار أم تشتيت?

الزواج أثناء الدراسة.. استقرار أم تشتيت?

يختلف الشباب في نظرتهم للزواج مع الدراسة فبعضهم يعارض هذه الفكرة تماما ويرى أنها تكون لها آثار سلبية على دراسة الزوجين. ويتحدث عدد من الشباب عن هذه التجربة التي كانت أحد العوائق في طريق تفوقه الدراسي. وفي هذا التحقيق نفتح ملف الشباب المعارض لفكرة الزواج مع الدراسة ولهم مبرراتهم التي يرونها من أكبر العوائق لنجاح الزواج والدراسة، ويستثنون حالات نادرة، كما يقولون، نجحت في الجمع بين الدراسة والزواج، لكنها ليست هي المقياس العام للنجاح في هذا الجانب المهم من الحياة الزوجية، وفيما تتراجع ظاهرة الزواج أثناء الدراسة في المجتمعات الخليجية بالذات، بدأت هذه الظاهرة تأخذ طريقها إلى مجتمعات لم تكن تعرفها على الأقل في السنوات الأخيرة كما قام لها أون لاين" بتوزيع استبانة أجريت على 200 طالبة، نصفهن متزوجات، والنصف الآخر لسن متزوجات، فماذا كانت النتيجة؟
52 في المائة من إجمالي العينـة (104 طالبات) وافقـن على إمكانية الجمع والتوفيـق بين الدراسـة والزواج، ومـن الملاحـظ أن نسبـة كبيرة ممن وافقـن على هـذا الرأي (8 في المائة) كن من غير المتزوجات، وهذا يعني أن الزواج ما زال يحتفظ بصورته الذهنية الإيجابية لدى الفتيات.

يصفون تجربتهم
ويتحدث عن تجربة الزواج مع الدراسة الشاب عبد الله الغامدي فيقول من أراد الزواج فعليه ألا يتعجل في اختيار شريكة العمر، بل ينبغي أن يسأل عنها ويتعرف على أهل بيتها، فهذه المرأة ستكون أُما لأولاده بعد ذلك، كذلك أوصيهم بالدعاء والالتجاء إلى الله أن ييسر لهم أمور زواجهم خاصة وأمورهم كلها عامة، فالصحابة والسلف، رضوان الله عليهم، كانوا يدعون الله في كل شؤونهم العامة والخاصة حتى أنهم كانوا يسألون الله الطحين والملح وغيره من دقائق حاجاتهم وأمورهم، فينبغي أن تكون قلوبنا معلقة بالله وأصواتنا معروفة ومألوفة عند أهل السماء وذلك بكثرة الدعاء.
ويرى م التركي أن نجاح شاب جمع بين الدراسة والزواج لا يعني أن ذلك أمرا متحققا للجميع، فمثلا أنا شخصيا تزوجت وكان والدي مقتدرا، لكن بعد وفاة الوالد وأنا لم أكمل الدراسة تعرضت لبعض المصاعب وأثرت في تحصيلي الدراسي واضطررت إلى أن أشتغل وأترك الدراسة، وفاتني الكثير، ولكني تداركت هذا الأمر بعد أن أمنت لنفسي وظيفة مناسبة وذلك عن طريق الانتساب، والآن، ولله الحمد، قطعت شوطا كبيرا فيها وعلى أبواب التخرج، لذلك أرى أن الشاب إذا لم يكن مقتدر ولديه دخل ثابت سيتعب إلا إذا وجد عائلة تساعده عندما يتزوج ابنتهم، وهذا من النادر أن يكون، خصوصا إذا كانت عائلته لا تستطيع الإيفاء بكل التزاماته لظروفها المادية الحرجة. ويتفق علي العمري مع سابقه ويقول إن المؤونة بعد الزواج فعلا تحتاج إلى القدرة المالية على الاستمرار في الزواج، فالشاب المتزوج تنتظره زوجة ومستقبلا أطفال وربما يتأخر تعيينه إذا تخرج مثلا ومن هنا لا بد من التنبه لذلك.
وأما سالم العنزي فيقول: إنها تجربة محفوفة بالخطر وإذا وقع الزوجان فيها فما عليهما إلا الصبر، خصوصا إذا كانا ليس لديهما دخل ثابت ويعتمدان على ما يأتيهما من أسرة الزوج، وهنا تظهر أهمية اختيار الزوجة المناسبة التي تتفهم ظروف زوجها، لأن مشكلة عدم الرضا بالوضع بعد الزواج يحدث من الزوجات، خصوصا بعض الطلاب، مما يتسبب في حدوث الطلاق، وعموما ما يحدث حالة شاذة وليست الأغلبية التي ربما يكون النجاح حليف الزيجات الشبابية لآخرين، وأسأل الله للجميع التوفيق.
وفي الجانب الآخر يتحدث النصف الآخر للمجتمع المرأة، حيث تحدثت في البداية "س الحارثي"، تقول تزوجت وطلبت من زوجي إكمال دراستي فلم يمانع ذلك شريطة ألا أهمل شيئا من واجباتي كزوجة، وقبلت بذلك، والآن هذه بداية حياتي ودخول حياة جديدة؛ ولكني لم أستطع الاستمرار، حيث إنني توقفت عن الدراسة بعد الإنجاب ووجدت أن راحتي في بيتي وأشعر بالسعادة، وعموما التوفيق بيد الله.
وتقول "سمر صالح" إن الزواج المبكر أثناء الدراسة يسهم أحيانا في حدوث مشكلات في الدراسة، وربما يسهم ذلك في انهيار الحياة الزوجية وتصبح صعوبة كبيرة في استمراريتها وتكثر المشكلات، خصوصا إذا لم يكن هناك توافق، لذا أرى أن أهم شيء هو التوافق ورضا الزوج، وبالنسبة لي مشكلاتي فقط في التعامل، لأنه يصبح هناك متطلبات أكثر مع وجود الأطفال والمصاريف والتفوق الدراسي يقل، لذلك أرى أن الزواج بعد انتهاء الدراسة أنسب.

الرأي الشرعي
ويرى الدكتور  فهد السنيدي الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن من إيجابيات الجمع بين الزواج والدراسة ما يلي:
- الزواج معين على الدراسة ومهيئ لها؛ لأنه سبب الاستقرار والسكن.
- لا دراسة بلا مطعم ومسكن وملبس، والحياة الزوجية وما يسودها من تكاتف، مما يعين على توفير هذه المطالب.
- النساء شقائق الرجال، فكلا الزوجين يشجع الآخر على الدراسة والتفوق؛ لأن المودة والإيثار من سمات الزوجية.
- التفرغ الحقيقي للدراسة لا يحصل بترك الزواج، إنما بالتجرد من المشاغل الأخرى وإضاعة الوقت سدى.
- الوقت ثمين في حياة المسلم، وحسن الاستفادة منه أثمن وأغلى، وبتنظيم الوقت يحصل الزواج ولا تفوت الدراسة.
- قوة الإرادة وصدق العزيمة وحسن النية أمور مطلوبة في نجاح كل أمر ذي بال، والزواج مع الدراسة من أولى الأمور بذلك، بل هما محك التربية على الصبر والجلد.
يرى العلماء أن الزواج أولى بالتقديم في الجملة، متى كان الشخص متمكناً منه راغباً فيه، وذلك للأمور التالية:
ـ قـوله تعالى "وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم..." (النور:32)، ولو كان طلب العلم معتبراً لتأخير الزواج لما أمر بالنكاح ودفع التأيم مطلقاً.
ـ ما رواه ابن مسعود، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج..." الحديث، وهنا علق النكاح بوصفين، مرحلة الشباب والاستطاعة، ولم يضم إليهما وجود الدراسة لتعد مسوغاً شرعياً لتأخير الزواج.
- الزواج أمر فطري ومطلب شرعي، يخشى من تركه أو تأخيره الفتنة، بخلاف الدراسة فلا ضرر في تأخيرها، ولا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
- ويقول الشيخ الدكتور فهد العصيمي لا شك أن الدراسة مهمة جدا للفتاة، فالعلم ينير العقول والقلوب أيضا. العلم مطلوب للفتاة ليكون مساعدا لها في تربية أبنائها على أسس صحيحة .
ودون شك فإن للزواج المبكر إيجابيات كما له سلبيات, فالزواج المبكر عفة وحصانة للطرفين في زمن كثرت فيه المغريات، وعلى الشاب أن يحرص على ذات الدين لقوله، صلى الله عليه وسلم "تنكح المرأة لأربع لمالها ونسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"، لذا أنصح الشباب بالحرص على الزواج مع الدراسة متى ما توافرت له المؤونة، ووجد الفتاة الصالحة ذات الدين التي تكون شريكة له في حياته، واسأل الله لجميع شبابنا وفتياتنا التوفيق.

الأكثر قراءة