لنكون أذكى من مدننا الذكية وسلبياتها
تطرقت في الأسبوع الماضي للثورة الحديثة في تكنولوجيا المعلومات والمدن الذكية الرقمية Digital Cities Smart & وملتقى المدن الذكية لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، الذي كان متواضعاَ في الطرح التقني والتطبيقي لأنظمة الواى فاي بشبكة تغطية في حدود عشرة أمتار أو الواي ماكس التي تستعمل الموجة العريضة لتربط شبكات الواي فاي بشبكة (المش) لتغطية تحمل المعلومات مئات الأمتار وتخترق المباني، وتستفيد منها بعض المؤسسات الخدمية للمدينة. وتمنيت أن يكون الملتقي القادم أكثر عمقاَ علمياَ وتقنياَ، وأن يحدثنا عن آخر ما وصلت إليه التقنية وإمكانية استعمال الأعمى والأصم والمعوق وحتى النساء (دون مضايقات) لها في القيادة وقضاء حاجاتهم بسهولة!!. وأن يصاحبه نوع من التوعية بتلك الأنظمة ومدى تقبل العالم لها وهل هي آخر ما توصلت إليه التقنية أم أنها ما زالت في طور التطوير السريع وأننا قد ننتظر قليلاَ حتى يركد الرمي خاصة أن هذه التقنية في بداية دورة حياة هذا المنتج Product Life cycle، وأنها لم تحصل على الترخيص الدولي بعد وما زال هناك جدل ومفاوضات بين الدول في الاتحاد الأوروبي حول استعمالها ضمن نظامهم الحالي. وقامت ماليزيا في العام الماضي بإيقاف استعمالها، حيث يترقب الجميع التحول من نظام 3G إلى النظام العالي للموجات العريضة 4G والفوق العادة UMBوتحميل الإرسال الصوتي معها وإلى توحيد مواصفاتها. ولعلنا نصبح أذكى من فكرة المدن الذكية ونحتاط لمساوئها والاستغلال الإجرامي لسهولة التقاط المعلومات الشخصية منها من قبل الفئات الضالة والمتشرذمة والهاكرز لها قبل أن نتورط فيها.
فالمدن الذكية ليست فقط افتتاحا تجريبيا للإرسال المجاني في طريق الأمير محمد بن عبد العزيز. وليست فقط تقنية الوايات بل هي أعمق من ذلك وتقنية وبيئة تحتاج إلى تهيئة وتوعية المجتمع على الاستعمال الجيد والشريف لها. كما أنها يحب أن ترتبط بمجهودات الحكومة الإلكترونية E-Governmentوالربط معها ومع المستعمل برقم شخصي تسلسلي وهوية خاصة به وموقعه وبياناته ومعلوماته الشخصية والمكانية بإحداثيات على موقعه في الخريطة أو نظام جي بي إس GPSوGIS وقاعدة المعلومات الموحدة أو المقايسية. وهي الثروة الحقيقية للبحث العلمي الذي يمكن من خلاله دراسة الكثافات الديموقرافية لكل حي أو منطقة إحصائية. ويتم عن طريقها على سبيل المثال حساب أقصر المسافات أو الوقت التي يمكن لسيارة الإسعاف قطعها لإنقاذ حياة المواطن. والأهم أن هذه التقنية تساعد على إدارة المدن وتوفير استعمال الطاقة للمباني والخدمات التحتية من جراء التشغيل الأوتوماتيكي لها وقت الحاجة وقراءة العدادات من بعيد والتوفير في الأيدي العاملة والموظفين والمساحات والمباني التي يشغلونها.
لقد شدني خبر نشرته جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية هذا الأسبوع عن قصة العجوز التي وصل رجال المباحث إلى شقتها في عمارة من عشرة أدوار ومعهم أمر بالقبض على مروج لصور دعارة الأطفال. وفوجئوا بتلك العجوز البريئة حيث كانت هناك إشارات تصدر من شقتها بواسطة المحول اللاسلكي، الذي يعطي مجال الإنترنت لجميع الجيران وكيف أنهم لم يجدوا لديها أية شبه بل اكتشفوا أن تمرير الإنترنت لجيرانها يجعله من الصعب معرفة المتسبب أو تقفي أثر المجرم.
وتشتكي معظم مراكز الأمن ومنظمات حماية الأطفال من الدعارة في جميع دول العالم من الجريمة المنظمة سواء للدعارة أو المخدرات وغيرها من مشكلات عدم توافر الوسائل التي تخولهم لتقفي هؤلاء المجرمين. فيوجد في الولايات المتحدة وحدها ما يقارب 50 ألف منطقة واي فاي يستعملها مئات الآلاف يوميا ويصعب تقفيهم بسبب تنقلهم من مكان إلى آخر بسهولة. وهذا الرقم في ازدياد كبير وليست هناك وسيلة للمكافحة عبر رقم اشتراك يمكن عن طريقه تقفيهم. وتلجأ بعض الجهات إلى حماية الشبكة باستعمال كلمة سر أو WAP1&2 ولكنها تقنيات غير مجدية.
وهذا الأسبوع تطالعنا صحفنا بحوادث تسرب تقنيات وعمليات احتيال تستهدف سرقة أموال وحسابات شخصية من أجهزة الصرف الآلي واستعمال كاميرات مسلطة على الشاشة ولوحة المفاتيح والأرقام لتصوير الأرقام التي يضغطها العميل وتصوير البطاقة واسم العميل ورقم البطاقة ليقوموا باستعمالها لسحب أمواله.
لذلك فإن المدن الذكية لن تخلو من سلبياتها التي يحب أن تسير معالجتها في خطين متوازيين. الأول وهو ما تقوم به الهيئتان مع بقية الجامعات والمؤسسات ومراكز الأبحاث في تطوير تلك التقنيات. والآخر والذي يجب أن نركز عليه وهو تثقيف وتعليم المجتمع وبصورة مكثفة وسريعة للتأقلم مع التقنية واستعمالاتها. وأن يتم التركيز على النشء الجديد وفي المناهج الدراسية وتهذيبهم إلى خصوصية المعلومات والاستعمالات المفيدة وعدم إساءة استخدام تلك التقنية في مجالات غير مشروعة.
إنه من الصعب والمكلف مواكبة ثورة تقنية المعلومات، حيث إنها تتجدد في كل يوم وتظهر أنظمة أخرى حديثة أو مطورة تلغي أحيانا ما قبلها. والتقنية عادة تأتي على شكل باقة من الخدمات والإيجابيات والجيد والسيئ ولكنها قلما تخلو من السلبيات أو الأخطار. لذلك فإننا يحب أن نبحث عن طرق للتحكم فيها قبل أن تتحكم فينا. ويبقى القرار الحكيم لتوقيت دخولنا فيها في الوقت المناسب فقط وفي الوقت الذي نرى أننا مضطرون لها. لذلك فإن الخيار مفتوح لنا للإبحار مع التكنولوجيا الحديثة أو البقاء كما نحن.