رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ظاهرة العنف الشبابي

* مع بداية اليوم الدراسي دخل عنترة بن شداد العبسي، صبي غر متهور في العقد الثاني من عمره بثياب النوم إلى مدرسة ابتدائية يريد القصاص من طالب ضرب شقيقه في الصف الثاني الابتدائي، حاول المدير تهدئته وحين لم يهد منعه من دخول الفصل، فكان رد فعله أن صب جام غضبه وفجر عنتريته على المدير، حيث قام بالاعتداء عليه ضربا ولكما ورفسا بما أوجب نقل المدير فورا إلى المستشفى!!
* بعد أن قرع جرس نهاية الحصة الأخيرة في مدرسة ثانوية خرج طلابها وإذ بمعركة طاحنة تجري بين عشرات الطلاب في وسط الشارع استخدم فيها سلاح أبيض من عصي ومطاو خلفت العديد من الجرحى..!!
* ثلاثة شبان خرجوا من مدرستهم الثانوية وفي أحد الشوارع الفرعية كادوا يصطدمون بسيارة أخرى نتيجة تهور زميلهم، وحين احتج سائق تلك السيارة بضغطه على الزمور، لم يعجبهم ذلك فلحقوا به وتم إيقافه وهات يا بهدلة لفظية بذيئة ورفس وضرب كفوف ولم ينقذه إلا تدخل بعض المارة برجائهم العفو عنه..!!
هذه مجرد عينة لقصص وحكايات كثيرة تنشر بعضها الصحف في باب الحوادث، وبعضها الآخر تسمعها تروى في المجالس من شهودها، وهذه الوقائع لا تعكس حالات فردية وتصرفات طارئة بقدر ما هي مؤشر على وجود ظاهرة تنتشر لدى شريحة شبابية أصبح العنف جزءا من تركيبتها السلوكية بكل أسف، وهو ما نراه في كثير من تصرفاتها في الأماكن العامة، ومنها الشوارع حيث يمارسون قيادة سياراتهم بعنف ومغامرة من ناحية، وعدم اكتراث أو احترام للذوق العام والآداب العامة من ناحية أخرى، ففي مطعم راق مثلا وجدت شلة من الشباب الصغير السن تميز بعضهم بارتداء ملابس لا تتفق مع المكان واتفقوا جميعا على خلق جو مزعج من الهرج والمرج والمزاح بصوت عال دون تحرج من استخدام كلمات سوقية بذيئة فيما بينهم، وكانت أشكالهم تنم على أنهم من أسر ثرية ماديا وليس أخلاقيا، ولوحظ أن عددا منهم كان يتابع ردود فعل رواد المطعم بنظرات متحدية تنذر بأن ردة فعلهم سوف تكون مما لا تحمد عقباه فيما لو اعترض أحد على انتهاكهم حقوق الآخرين في المكان.
ظاهرة العنف الشبابية هذه لم تعد خفية أو محدودة في نطاق ضيق، بل باتت سمة لكثير منهم بكل أسف، وهنا لا بد أن نفرق ما بين طبيعة الشباب المندفعة وفقدانهم ضبط انفعالاتهم وسمة الانطلاق ومحاولة اكتشاف الحياة، وبين سلوك يتسم بالعدوانية والعنف، فهذه طبيعة شاذة غير سوية بالتأكيد، وهو ما يتطلب منا أن ندرس أسباب نشوئها ونتعرف على مصادرها وكيفية معالجتها.
لعل من أهم أسباب ظهور ظاهرة العنف لدى شريحة من الشباب هو غياب الدور التربوي والتوجيهي، وبدأ هذا الغياب من تراخي الضبط الأسري، إما عجزا عن السيطرة على الأبناء وإما لقناعة خاطئة بأن الحرية المطلقة هي التربية الصحيحة، كذلك غياب دور المدرسة والمناهج من عملية التربية فما زالت المدرسة ومناهجها تهتم فقط بالمعلومة دون الاعتناء بالتربية السلوكية الممارسة فعليا، وأقصد بذلك عدم وجود انضباطية سلوكية داخل المدرسة من ناحية تعويد الطالب على نظام شامل في كل جزئية من اليوم الدراسي، وانظروا مثلا لما يجري في الفسح من عراك بين الطلاب وفوضى في الدخول والخروج وعدم إشاعة الانضباطية داخل الفصول، أيضا غياب التربية العامة، فالشباب الذين يمارسون كل ألوان العبث المروري من سرعة وغيرها أو يثيرون الانتباه في الأسواق بتصرفات جارحة لأخلاقنا وقيمنا لا يجدون من يمنعهم ويردعهم على اعتبار أنهم اعتدوا على القيم والأخلاق والنظم الاجتماعية، وإذا أضفنا لغياب العامل التربوي عاملا سلبيا خطيرا وهو ما يزرعه الإعلام وخاصة المرئي منه في سلوكيات الشباب من دوافع لكسر المحرمات والممنوعات، بقياس قيمنا وأخلاقنا الاجتماعية، عبر قنوات تخصصت في إثارة الغرائز، نكون أمام مشكلة مزدوجة فعلا من ناحية فقد عنصر الانضباط الاجتماعي والتربوي ودور الإعلام الساقط في غرس سلوكيات الخروج عن المألوف على اعتبار أنها تقدم وعصرنة.
إجمالا يمكن القول إن ظاهرة السلوك العنيف لدى هذه الشريحة الشبابية هي حصيلة لغياب النظامية المنظمة لرتم الحياة بما يتوافق مع أطرنا القيمية والأخلاقية والسلوكية، فعندما يترك هؤلاء الشباب يمارسون كل ألوان التعدي على الأخلاق العامة في الأسواق مثلا، أو يتركون يعبثون بكل الأنظمة المرورية وهم يعرضون حياتهم وحياة الناس للأخطار، أو لا يتحرجون من الدخول لأماكن عامة ورسمية بلباس لا يتناسب معها كما شاهدت شابين مرة في مطار الملك عبد العزيز في جدة كان أحدهما يرتدي ما يشبه الملابس الداخلية كاشفا حتى ما فوق الركبة ومتعري العضدين وكأنه ذاهب لدورة مياه وليس مطارا، عندما يتركون يفعلون كل ذلك دون رفض ومنع واستهجان بل وردع نظامي، فإن هذا يشجعهم على التمادي لما هو أبعد، والأمثلة التي ذكرتها في بداية المقال هي نتاج لشعور أولئك بعدم الخوف من عقاب لم يتعودوا عليه، فلو كانت هناك عقوبات صارمة تجاه كل خروج على قيم وأخلاق وأنظمة المجتمع, ومطبقة، لما تم هذا التمادي ونشوء هذا السلوك العنيف عند فئة شبابية ظنت أن شبابيتها تحلل لها كل شيء.
طبعا نفهم أن هناك حرية شخصية، ونحن نؤكد عليها كونها حق لكل إنسان، فكل واحد له أن يمارس حياته بما يروق له ويحقق له الرضا النفسي، ولكن هذه الحرية يجب ألا تكون على حساب قيم وأنظمة وأخلاق المجتمع السائدة، فلا حرية للعبث بالأخلاق كمطاردة النساء في الأسواق أو من خلال ما يعرف بالمواكب الفجة في شوارعنا، ولا حرية لمن يحطم كل أنظمة وقواعد المرور، ولا حرية لمن ينفس عن عقده النفسية واستعراض عضلاته وقوته الجسدية على الآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي