الدول الآسيوية والباسفيكية تتبنى خطة فضفاضة للطاقة
وافقت 16 من الدول الآسيوية أخيرا على خطة عامة في مجال الطاقة بهدف تقليص اعتمادها على الوقود الأحفوري وتطوير مصادر للطاقة البديلة. والتزمت اليابان بتوفير مبلغ ملياري دولار عبر رئيس وزرائها شينزو آبي، يمكن من خلالها تقديم العون لدول المجموعة الراغبة في تحسين فاعلية استخدامها للطاقة، واعتماد التقنية اللازمة لتقليل الانبعاثات الغازية، إلى جانب الموافقة المبدئية على تكوين منطقة للتجارة الحرة الآسيوية التي ستنضم إليها الهند، أستراليا، ونيوزيلندا.
مجموعة الدول الـ 16 التي وقعت على هذا الاتفاق في الفلبين تضم: الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، إندونيسيا، الهند، تايلاند، ماليزيا، سنغافورة، الفلبين، فيتنام، بروناي، لاوس، كمبوديا، ومينامار. وفيها يسكن نصف سكان العالم تقريبا.
الإعلان لم يحظ بترحاب من الجماعات المختصة بقضايا البيئة، إذ رأت أنه فارغ المضمون، لأنه لا يتضمن أهدافا محددة يمكن تحقيقها، خاصة عند مقارنته بخطة الاتحاد الأوروبي، الذي سيعمل على خفض 20 في المائة من الانبعاثات الغازية على مدى 13 عاما حتى 2020.
ووفق السيناتور كريستين ميلني من حزب الخضر الأسترالي، فإن أي جهد لتقليل انبعاث الغازات لا بد أن يتضمن شيئين: أهدافا محددة ومدى زمنياً يتم في إطاره التنفيذ، وهو ما يفتقد الإعلان الآسيوي.
ومع أن الإعلان دعا الدول الموقعة عليه إلى النظر في استخدام الطاقة المائية، النووية، والعضوية، مثل الإيثانول أو طاقات الرياح والأمواج، إلا أنه اعتراف أن الوقود الأحفوري يظل عصب الحركة الاقتصادية، وأنه سيظل حقيقة ماثلة في تلك البلدان إلى وقت طويل.
وسيسعى موقعو البيان إلى تحسين فاعلية أدائهم وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، رغم أن هناك سبعة منتجي نفط وغاز داخل المجموعة على رأسهما إندونيسيا، بروناي، ماليزيا، وفيتنام. فدول المجموعة تنتج 11 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي، لكنها تستهلك 21 في المائة من الإمدادات العالمية، الأمر الذي يجعلها تعتمد على مناطق أخرى تلبية لاحتياجاتها تماما مثل الولايات المتحدة. وتعتبر سنغافورة، تايلاند، والفلبين الأكثر اعتمادا على النفط في اقتصاداتها.
وعصب هذه المجموعة هي "آسيان"، التي تأسست عام 1967 وضمت: الفلبين، تايلاند، مينامار، إندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، بروناي، كمبوديا، لاوس، وفيتنام، كما أنها توسعت جنوبا وشرقا في القارة الآسيوية، التي تتميز بالنمو الاقتصادي الكبير الذي يتكون من رقمين، خاصة من قبل الصين والهند، الأمر الذي جعل من توفير الطاقة اللازمة لتحريك اقتصادات هذه البلدان قضية حيوية أضيف إليها موضوع تأمين الإمدادات بصورة مستدامة.
على أن هموم الدول الآسيوية فيما يخص موضوع الطاقة عديدة ومتشعبة، لأنها من ناحية تستهلك الكثير بسبب نموها الاقتصادي، إلى جانب اضمحلال موارد الطاقة داخل القارة، وهو ما يدفعها إلى اللجوء إلى الخارج لتوفير الإمدادات المطلوبة، ويعني هذا في التحليل النهائي تزايد اعتماد الدول الآسيوية على الخارج لتوفير احتياجاتها من النفط والغاز بكل ما يعنيه هذا من هموم أمنية واحتمال لصراعات سواء مع لاعبين دخل القارة أو خارجها.
فالصين والهند مثلا يتزايد اعتمادهما على نفط منطقة الشرق الأوسط التي تحظى بقدر غير قليل من عدم الاستقرار السياسي، وبالنسبة للمستهلكين أمثال اليابان لا تزال ذاكرتهم طرية بالحظر النفطي، أو ما عرف بالصدمة الأولى عام 1973، التي أوضحت لها بجلاء مدى خطورة الاعتماد على مصدر رئيس لتوفير احتياجاتها تلك.
الصين تخشى من الناحية الثانية الهيمنة الأمريكية على خطوط النقل عبر أساطيلها وسياساتها التي تستهدف بعض الدول مثل إيران، التي تراها الصين مصدرا محتملا للاستثمارات والإمدادات.
وهناك أيضا احتمال التنافس، والمثال الأبرز ذلك المتوقع بين الصين واليابان، على الفوز بخط الإمدادات القادم من شرق سيبيريا، وكذلك المتاعب التي تواجه مشروع استغلال حقل ضخم للغاز اكتشفته الهند في مينامار تحت الماء ويحتاج للوصول إلى الهند أن يمر عبر بنجلادش، وبكل ما لمثل هذه الترتيبات من تبعات جيوسياسية.
وإلى جانب أن المنطقة، وبسبب النمو الاقتصادي القوي لدولها، فإنها أصبحت مستهلكا رئيسيا للنفط والغاز يصل إلى نحو 40 في المائة من الاستهلاك العالمي. وإذا أخذت دول الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، وأضيفت إليها روسيا، فإن مجموع استهلاكها يصل إلى ثلث الاستهلاك العالمي.
هذا الوضع دفع تلك الدول إلى النظر بين خيارين، الأول المنافسة للحصول على الإمدادات والثاني استكشاف سبل التعاون، والأخير فيما يبدو حصل على الأولوية، حيث أخذت نيودلهي زمام المبادرة واستضافت اجتماعا مطلع 2005 حضرته إلى جانب الهند كل من: الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية، ثم بدأت الفكرة تتطور إلى إحداث تنسيق بين الشركات الهندية والصينية في مشاريع تتم في الخارج. ورغم أن البداية كانت بمشروع شركة النيل الكبرى لعمليات البترول في السودان، وجاء نتيجة لتخلي شركة تاليسمان الكندية عن حصتها البالغة 25 في المائة وشرائها من قبل شركة النفط والغاز الهندية، إلا أن الخطوة المحددة التي قام بها الطرفان تمثلت في قيام فروع لشركاتهما النفطية بالاتفاق وتكوين شركة مشتركة بالمناصفة في سورية، قامت بشراء كامل حصة شركة بتروكندا العاملة هناك، ومن ثم الحصول على امتيازات لنحو 36 رخصة إنتاجية.
وإلى جانب هذا فهناك هم الأسعار المرتفعة، فالاقتصادات الآسيوية تقوم على تكثيف استخدام الطاقة، ولهذا فإن للأسعار العالية دورها في تقليص حجم النمو الاقتصادي. وفي دراسة للبنك الدولي العام الماضي بيّنت أن ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2004 و2006 أدى إلى تراجع في معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي من 6.4 في المائة إلى 3.7 في المائة. وتشير الدراسات إلى أن حدوث نسبة 10 في المائة زيادة في سعر البرميل سيكلف الصين مثلا تراجعا في نسبة نموها الاقتصادي بنسبة 0.4 في المائة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وتزيد النسبة في حالة الهند إلى 1.4 في المائة.
من ناحية أخرى، فإن الفحم يلعب دورا رئيسا في توفير الطاقة في هذه البلدان. ووفقا لمجلة "الإيكونومست" فإنه في كل عام تقوم الصين ببناء محطات لتوليد الكهرباء من الفحم بما يعادل نحو 80 في المائة من الطاقة المولدة في بريطانيا، الأمر الذي يجعل من الصين أكبر مستهلك للفحم في العالم. الهند من جانبها تسعى إلى توليد 40 جيجاوات من الفحم بين عامي 2002 و2007، لكن تم تخفيض الحجم المتوقع بمقدار النصف.
ووفقا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، فإن نحو 20 في المائة من الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط بين عامي 2002 و2030 سيأتي من جنوب شرقي آسيا. وسيشكل نمو استهلاك الفحم والنفط 26 في المائة و33 في المائة على التوالي، بينما تبلغ نسبة الغاز الطبيعي 17.5 في المائة.
تلك المنطقة تعتمد على النفط بشدة، الذي تبلغ حصته 28 في المائة من استهلاك الطاقة وينمو سنويا في حدود 3.1 في المائة في المتوسط بين عامي 1971 و2005. وسجلت احتياطيات الإقليم المؤكدة من النفط الخام تراجعا من 4.5 في المائة من الاحتياطي العالمي في 1985 إلى 2.8 في المائة في 2005، والصين وحدها تملك نحو 48 في المائة من احتياطيات النفط في تلك المنطقة التي بلغ إنتاجها 2.8 في المائة فقط من الإنتاج العالمي في 2005. أما بالنسبة للفحم فإن هذا الإقليم يستهلك 50 في المائة من الاستهلاك العالمي، وهو ينمو بنسبة 4.7 في المائة خلال الفترة نفسها، وتعتبر الصين أكبر مستهلك بحصة 37 في المائة.