الإرادة والعمل

الإرادة والعمل

هناك إدراك طبيعي أن الإرادة مقدمة العمل، وثمة إدراك أن العمل يتولد عن إرادة، وثمة حقيقة تتصل بهذا تفيد أن إرادة الإنسان متنوعة بل مختلفة والإنسان الواحد إرادته قابلة للتقلب والتحول، وتقرأ في قول الله: ?منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة?. إبانة لهذا الاختلاف بين الناس، وحين تنظر في كلام علماء السلوك وكذلك الفقهاء فإنك تقرأ أثرا بالغا للإرادات وأحوالها في المقامات والأحوال الأخروية كما يعبر كثير من السلوكيين، أو أثر النية في الأحكام التكليفية كما هو استعمال الفقهاء، وترى أئمة العلم من كبار المحدثين والفقهاء جعلوا من جوامع الأحاديث في الإسلام حديث عمر, رضي الله عنه, الذي شاع بين المسلمين - وهو مخرج في البخاري وغيره- وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
وبكل تقدير فالإرادة قيمة في الإنسان، ولهذا صار أصل دين الإسلام الإخلاص لله وابتغاء وجهه بالعبودية له وحده لا شريك له، ومن هذا المعنى فإن ثمة دعوة في هذه الكلمات تحدث أهل الإيمان بضرورة ضبط الإرادات، وتصحيحها في وجه الإيمان والخير، وفي أثر يروى وإن كان لا يصح رفعه: (نية المؤمن أبلغ من عمله). لكن بعض المحققين كالإمام ابن تيمية يجد فيه معنىً صحيحاً من أوجه.
وفي الجملة فالإرادة والنية هما باب العمل الأول، وأثرهما لا يختص بالأحكام التكليفية بل أثر ذلك في أحكام الآخرة وأحكام التكليف وحسن العاقبة، ومن أصول دين المسلمين أن الله بكل شيء عليم، وفي محكم التنزيل: ?إن رحمة الله قريب من المحسنين?. ولا ترى أحدا يمكنه صناعة الخير والإحسان المقرِّب إلى الله إلا حين يصدق في إرادته، والنفس حين تؤدب بأدب الشريعة وأخلاقها تبقى نفساً مشرقة بالخير ومحبته والرغبة فيه، وتتخلص من أثر العدوان والشر والدوران حول الذات وحظوظها المتقلبة. إن احترام الذات لا يعني اختصار الإرادة في داخلها، بل نشر الخير بين الناس، والله الهادي.

الأكثر قراءة