عنف الأزواج شهوة أم تهور يرهب الزوجات ويقلق الأبناء؟

عنف الأزواج شهوة أم تهور يرهب الزوجات ويقلق الأبناء؟

يعتبر عنف الأزواج ضد الزوجات من القضايا المؤلمة التي تقض مضاجع المجتمع، بل إنها من العوامل الرئيسية التي تسهم في التفكك الأسري، وتهدد الحياة الزوجية بعدم الاستقرار، وكم من ضحايا أفرزتها هذه الظاهرة المقلقة نتيجة هذا العنف الذي يتسبب في خروج المرأة من بيت زوجها مضطرة، وربما حدث لها عاهة مستديمة من جراء استخدام العنف المستمر ضدها، وهذا دون شك يكون له تأثيره السيئ ليس على الأطفال ونفسيتهم فقط، بل يشمل جميع أفراد الأسرة، ولعل أكثر ما تطالب به المرأة عند حدوث ذلك هو طلب الطلاق والانفصال عن الزوج أو أنها تخرج من منزل الزوجية إلى منزل والديها إذا لم يحدث الطلاق، ولعل قمة الألم عندما تختفي الحلول الأخرى حيث تبقى المشكلة قائمة ولا تحل في الغالب إلا بالطلاق أو بالصبر رغم تناسي الزوج لها أو بالانتقال إلى منزل والديها، وهذا في حد ذاته يجعل إمكانية تخلص المرأة من عنف زوجها من المستحيلات إذا أرادت الحفاظ على بيتها وأبنائها فتظل واقعة في وحل العذاب الذي تعيشه، ويتمكن القلق من السيطرة عليها وعلى مستقبلها وأبنائها ونحن في هذا التحقيق سنناقش هذه القضية وكيف يمكن إنقاذ الزوجات من عنف الأزواج.

في البداية نعرض آراء عدد من النساء اللاتي يعشن هذا الرعب ومدى تأثيره في حياتهن، حيث تتحدث أم عبد الله وهي امرأة في الـ 37 من عمرها هربت من جحيم زوجها منذ سنوات تقول: الحقيقة أنني منذ أن تزوجت قبل أكثر من 16 سنة وأنا أعاني من زوجي وعدم قدرته على التفاهم فليس لديه إلا استخدام العنف والضرب، وهذا جعل حياتي معه لا تطاق فقررت ترك بيت الزوجية وذهبت إلى منزل أهلي وليّ الآن سنوات هناك مع أن ذلك كان على حساب الأبناء الذين عاشوا بعيدا عني وتأثروا ببعض السلوكيات التي أثرت على أخلاقهم، وللأسف الشديد أن بعض الأزواج ليس له وسيلة للتواصل مع الزوجة إلا بهذا العنف والعنف المستمر.
أما أم عبد العزيز الحربي فتقول الخلافات الأسرية واردة وقد تعودنا عليها مع استمرار الحياة الزوجية، لكن الشيء المحزن أن بعض الأزواج استمرأ هذه العادة مع استخدام العنف والضرب المبرح مع زوجته وكم أسر تفككت بسبب عنف الأزواج، ولا أريد أن أقول إن الرجل هو دائما المخطئ، فقد تكون المرأة مشاركة في الخطأ، لكن على الزوج أن يكون حكيما، لأن هناك أسرا تحدث فيها مشكلات لكن لا تصل إلى حد الضرب، لذا على كل زوج أن يبتعد عن هذا العنف وهناك الطلاق فاصل في هذه العملية للزوجات المضطهدات.
من جهتها اعتبرت التربوية فتحية العلي أن ما يحدث من عنف أسري من الأزواج تجاه الزوجات أمر محزن وله نتائج عكسية على الأسرة ومستقبلها ويضاعف الأعباء النفسية على الأبناء الذين يشاهدون هذه التصرفات أمام ناظريهم وتؤثر عليهم يشكل كبير، وكم وجدنا من الطالبات اللاتي يتأثرن بمثل هذه التصرفات وتأثر عليهن في دراستهن وبدلا من ارتفاع مستواهن الدراسي يحدث انخفاضه، ونصيحتي لكل زوجين أن يكون التفاهم هو الرابط بينهما وأن يبتعدا عن المشاكل واستخدام العنف في علاقتهما، أسأل الله التوفيق لكل أسرة مسلمة.
التربوي محمد القرني يقول: غير ممكن أن نغمض العينين عن الحوادث المؤلمة والظروف القاسية التي تعيشها بعض الزوجات اللاتي يتعرضن للضرب والإهانة التي تمارس عليهن من قبل أزواج لا يخافون الله وعديمي الإنسانية، ولا يراعون حرمة الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على كثير من خلقه، ولا يحافظون على حدود الله في أمانات استؤمنوا عليها ممن أخذن منهم ميثاقا غليظاً، وحتى أكون منصفا وغير متهم بالتحيز لفئة النساء، فإنني أوضح أن هناك أيضا ظلما وعنفا وضربا يمارس من قبل بعض الزوجات على أزواجهن، أسأل الله لهم جميعا الهداية والسداد.

الرأي الشرعي
من جانبه قال الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين عضو الإفتاء سابقا لا شك أن المشكلات الزوجية تحدث نتيجة عدم توافق الزوجين أو تقصير أحدهما تجاه الآخر، وقد تكون بسبب النفقة أو غير ذلك، لذا فإن الواجب على الزوج في جانب النفقة مثلا أن ينفق على الزوجة، وأن يقوم بحقها، ويعطيها حقوقها كاملة، فإن قصّر عليها، ونقص في حقها، أو أضرّ بها فلها طلب الانفصال وهو الطلاق، ولها قبل ذلك أن تطالب بالنفقة والسكنى لقوله تعالى "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم" وقوله تعالى "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها"، فعليه أن يعاشرها بالمعروف، قال تعالى "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا".
وإذا كان زوجها يعطيها حقوقها الشرعية، فحرام عليها طلب الطلاق لقوله عليه الصلاة والسلام "أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، أما إذا تضررت منه بأمور واضحة، واشتدت عليها الحال وقصّر عليها في نفقة أو لم يعطها حقها فلها أن تطلب الطلاق، وترفع إلى القاضي وتشرح له الأمر وهو بدوره يطالب الزوج بأداء حقوقها أو أن يطلقها.
من جهته، قال الشيخ محمد بن صالح المنجد المشرف على موقع الإسلام: لا شكّ أنّ المشكلات الزوجية تثير الحزن وتبعث على الألم، ولكن على الزوجة المتضررة أن تلجأ أولا وأخيرا إلى الله، عزّ وجلّ، فهو الذي سيجعل لها من كلّ ضيق فرجا ومن كلّ همّ مخرجا، وأوصي كل امرأة تتعرض للعنف وغيرها بعض النصائح، وفيما يلي هذه النصائح:
ـ أولا على كل زوجة أن تحرص على البحث عمن ينصح زوجها ويبين له خطأ استخدام العنف كمبدأ يعتمد عليه.
ـ كما على الزوجة أن تتجنب إغضاب زوجها قدر الإمكان .
ـ من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، فهناك أزواج آخرون يضربون زوجاتهم على الوجه ويحدثون جراحات وكسورا مضاعفة، ويطردون زوجاتهم خارج البيت في نصف الليل ويغلقون الباب ولا يعطون زوجاتهم قرشا، بل يأخذون أموالهن وحليهن، ويأكلون خارج البيت ولا يجلبون أكلا لا للزوجة ولا للأطفال, وزوجاتهم يشحذن من الجيران، وبعضهم يعاقرون الخمور والمخدرات ويدخلون المومسات إلى بيوتهم، وبعضهم لا يعرف الله أصلا ولا يعرف جهة القبلة, وغير ذلك من المصائب التي وقفت عليها بنفسي في مآسي الزوجات وليست شطحا من الخيال، فلعلك لو تأمّلت مصائب غيرك تهون عليك مصيبتك، وفي هذا عزاء وتسرية .
ـ على كل زوجة أن تتأمل الجوانب الإيجابية لهذا الزوج من جهة دينه أو صلاته أو نفقته أو عدم التمادي في الضرب إلى الوجه ونحو ذلك، فربما يخفّف ذلك عندك شيئا من الشّعور السّلبي نحوه .
ـ على الزوجة أن تعتبر مما أصابها وتعلم أنما هو ابتلاء من ابتلاءات الحياة الدنيا التي يقدّرها الله، عزّ وجل، على من يشاء لينظر كيف يعملون، فلتستقبلها بالصبر واحتساب الأجر، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواه مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 2999 .
ـ كما عليها أن تفكر في مأساة الطلاق وماذا سيلحق الأسرة بعده، والمرأة العاقلة قد تتحمّل مفسدة لتجنّب مفسدة أعظم منها، وإنّ بعض الشرّ أهون من بعض .
ـ للزوجة طرق عدة سبل، منها كتابة رسالة تذكّره فيها بوصية النبي، صلى الله عليه وسلم، بالنساء كقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَلا وَاسْتَوْصوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ". رواه الترمذي رقم 1163 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ*
وقوله، عليه الصلاة والسلام، "لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ" رواه أبو داود رقم 2146.
ـ إذا ثار مرّة أخرى وضرب ضربا موجعا ومؤثّرا فلتنتظر حتّى تهدأ أعصابه ثمّ تستثير شفقته ببعض الكلمات المؤثرة كقوله هكذا تفعل بأمّ أولادك وأقرب النّاس إليك؟ مع كشف مواضع الضرب ليرى بعينيه ماذا جنت يداه بالإضافة إلى تذكيره بتحريم الظّلم وقدرة الله عليه ، ثمّ تتوارين عن ناظريه تاركة له الفرصة لكي يتدبّر الموقف ويُراجع نفسه والغالب أنّ الزوج إذا كان فيه شهامة ورجولة وشيء من الدّين فإنّه سيتراجع ويعتذر .
ـ بعض المشكلات الزوجية ربما لا يحلّها إلا مرور الوقت حيث يزداد تعلّق الرجل بأولاده إذا كثروا وكبروا وتزداد قيمة زوجته في عينيه كمربية وحافظة لأولاده ويزداد هو كذلك نضجا وإدراكا لأبعاد الأمور ومفاسد ما يفعله فتتحسّن تصرفاته ويتراجع عن بعض ما يفعل. فترقب التحسّن أمر طيب وإنّما يعيش النّاس بالأمل .
ـ الدعاء ملجأ المؤمن فكم مرة يا تُرى دعوتِ الله تعالى أن يُصلح زوجك؟ مع الإلحاح في الدعاء وتحرّي أسباب الإجابة .
أسأل الله أن يصلح حالك وحال زوجكِ ويجعل لكما من أمركما رشدا.

الأكثر قراءة