عجز التمريض بين قصور النظرة الاجتماعية وسوء التخطيط (1 من 2)
بعد أسابيع قليلة ستقام ندوة عن التمريض ومستوى الاحتياج على مستوى المملكة. وكان قد نشر في الصحف أواخر عام 2006م دراسات قدر من خلالها حجم الاحتياج بعد 30 عاما من الآن في ظل التوسع الحالي للخدمات الصحية وتوقع زيادة أعداد السكان. وتفاعلا مع هذه المناسبة لا بد من الإشادة بهذه الخطوة الجيدة مع دعوتنا إلى الخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ على الصعيدين الكمي والنوعي. اجتماعياً, فالواقع يؤكد أننا ما زلنا لا نقدر هذه المهنة أو العاملين بها من ممرضات أو ممرضين حق قدرهم, فما زالت نظرتنا لهم متدنية وقد تصل إلى أن تكون مهينة وبالذات للمرأة كممرضة وقابلة في أي مستشفى. لا شك أن على مدى السنوات العشر الأخيرة توسع تعليم التمريض وأدخلت تعديلات عليه وأصبح لدى المملكة أكثر من برنامج لتأهيل الكوادر الوطنية, فبجانب وزارة الصحة بادرت الجامعات وتمكنت رئاسة الحرس الوطني وبدأ القطاع الخاص في تبني افتتاح كليات تساند الوزارة والتعليم العالي في تحقيق أهدافهم ويكونون روافد جديدة, إلا أن عدم رسم سياسة واستراتيجية واضحة وموحدة بين هذه الجهات جعلهم لا يركزون على مسألة القبول الاجتماعي لها كمهنة, وللمرأة أن تعمل في هذا المجال وهي في نظري الأكثر ملاءمة من الرجل للعمل به.
لقد كشف تقرير لجنة دراسة الاحتياجات المستقبلية من القوى العاملة الصحية المكونة من وزارات (الصحة، العمل، التعليم العالي، الخدمة المدنية، الاقتصاد والتخطيط، والمالية)، إضافة إلى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والغرفة التجارية الصناعية في الرياض, عن أن حاجتنا من القوى العاملة في التمريض تزيد على 100 ألف ممرضة وممرض في القطاعين الحكومي والخاص حتى عام 2040م، ولتدني نسبة السعودة في فئات التمريض التي بلغت نسبتها 23.9 في المائة فقط فهناك حاجة إلى افتتاح ثماني كليات في هذا التخصص على الأقل. كما أن هناك دراسة أثبتت أن العادات تتدخل بنسبة 90 في المائة في تحديد مستقبل الطالبات, أما من اخترن التمريض فإن 70 في المائة منهن مهددات بترك وظائفهن بعد أن تأهلن وبدأن العمل. هذا بالطبع انعكس على مستوى أداء الخدمة الصحية الذي يضطر الجهة المسؤولة أو المرفق الصحي إلى أن يلجأ إلى زيادة الهوة بالاستقدام من الخارج لتغطية العجز, ومحاولة تقديم الخدمة حتى ولو كان على حساب المريض.
مع كل احترامي لكل ما ينشر من أرقام في هذا الشأن مازلت أشك أن هناك معلومات دقيقة تعكس فعلا حجم المشكلة. من وجهة نظري أن مجرد إطلاق أرقام توضح الاحتياج دونما الاعتبار لعوامل مهمة مثل الوصول لوعي وطني عام بحاجة البلاد لمثل هذه النوعية من الكوادر الوطنية, يعني أننا نبسط الأمور وقد أصبحت معقدة. نعلم أنه ليس من السهل التغلب على كل العقبات مرة واحدة, ولكن لا بد لنا أن نتخذ عدة إجراءات عاجلة لحل مشكلة العجز العددي في المستويات والتخصصات. إن قلة عدد الملتحقين بالتمريض كمهنة ليس بمشكلة حديثة أو فريدة من نوعها، وإنما هي مشكلة عالمية, ففي كل دولة نجد أن هناك أسبابا عدة وراء هذه المشكلة إلا أن غيرنا يبادرون بمعالجة المشاكل وبأسلوب مختلف, بينما نحن نكاد نكون مجمدين حول المكاتب نُنظِّر أو نستخدم أي أرقام لإثبات أننا نعتمد على الاحصائيات، وفي كل مرة نكرر التوقيع على أفضل التوصيات لتظل حبرا على ورق.
من واقع خبرة سابقة أستطيع القول إن الأرقام مهمة جدا, إلا أن هناك عوامل يجب ألا ينظر إليها كأنها شؤون عادية. من أهم هذه العوامل: (1) النظرة الاجتماعية الرافضة أو المتخوفة من امتهان المرأة للتمريض, (2) عدم توجه القطاعات المختلفة إلى توحيد الاستراتيجيات وتنفيذ الخطط بناء على دراسات علمية سواء في المستويات الفنية والمهنية المطلوبة أو تحديد العدد من الجنسين أو جودة الأداء, أو توزيع التخصصات ... إلخ, (3) إغفال إبراز دور التمريض في خدمة المجتمع وتنميته باتباع الأساليب الحديثة, واستمرار اتباع الأساليب التقليدية عاما بعد آخر دونما أن نقف لوهلة بغرض المراجعة، (4) وجود خيارات تنافسية أخرى محفزة أكثر بالذات للمرأة، (5) اختلال مستويات تطوير مهنة التمريض بين القطاعات بشكل لا يمكن إغفاله حيث يظهر في الإمكانات البشرية وتجهيز المرافق التعليمية ومرافق التدريب المختلفة، (6) عدم الميل لسماع أصوات الممرضات والممرضين للتعرف على ماهية المشاكل التي يواجهونها, بل يستمر بعض المسؤولين في تحويل العشرات سنويا إلى إداريين أو إداريات بدون تردد, (7) عدم متابعة وضع المهنة في سوق العمل لمعرفة ما إذا كانت فعلا تتيح الفرص لتنمية المعارف والمهارات والقدرات ومن ثم توفر الفرص الوظيفية المتميزة كوسائل جذب لهذه المهنة.
السؤال العملي هو: هل هناك أمل في تعديل الوضع وتحقيق ما نصبو اليه؟ الاجابة: نعم, ولكن لا بد من طموح جامح ورغبة أكيدة لتقصير المسافات والشروع في الحلول مباشرة. أما الآلية التي يمكن بها تنفيذ ذلك فسأعرض مقترحا في المقالة المقبلة آمل فيه الخير بإذن الله.