العدو من ورائكم والفتنة أمامكم

[email protected]

يقال إن مسؤولا أوروبيا سأل رئيس وزراء العدو الصهيوني "أولمرت" عما ستكون عليه ردة الفعل تجاه فوز حركة حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الذي سيمكنها من تشكيل حكومة فلسطينية، رد "أولمرت" ببرود وهدوء قائلا ما معناه: أبدا سنتركهم لمدة عام وسيتكفلون بأنفسهم نيابة عنا..!! وهذا ما جرى بكل أسف ابتداء من الخلاف السياسي على تشكيل الحكومة وانتهاء بالاقتتال المسلح المروع في شوارع غزة.
ما قاله "أولمرت" ليس نبوءة بقدر ما هو قراءة دقيقة لواقع فلسطيني تأكد أنه لا يحتمل ممارسة ترف الديمقراطية، فالاقتتال الفلسطيني المأساوي هو نتيجة لهذا الترف غير المحمل في جو يصطبغ بروح المقاومة، مقاومة القتل والاعتقال والتجويع و الحصار والتهجير حتى باتت المقاومة جزءا أساسيا من حياة المواطن الفلسطيني اليومية كرد فعل على الممارسات الإسرائيلية العدوانية المستمرة، أيضا هذا الترف الديمقراطي يتطلب ثقافة القبول بثنائية الحكم والمعارضة والأكثرية والأقلية، ولكن هذه الثنائية لم تكن متوافرة لكي يتم التعايش من خلالها مع تغير المواقع ما بين حكم ومعارضة وأكثرية وأقلية بسبب غياب أدبيات وممارسة اختلاف وجهات النظر بإيجابية في ثقافتنا السياسية العربية بصفة عامة، وضمن إطار الرأي والرأي الآخر، فالخلاف يؤخذ بحذر مريب يقود إلى وصف الطرف الآخر بالعمالة وربما الخيانة أيضا، والواقع الفلسطيني الذي أفرزته نتائج ذلك الترف الديمقراطي عبر عن ذلك أبلغ تعبير، فمنظمة فتح لم تستوعب أو تقبل في واقع الأمر بنتائج العملية الديمقراطية وتصرفت بناء على ذلك وكأن السلطة سلبت منها سلبا، فجاء رد فعلها كما يصفه البعض "انتقاميا" من خلال ترك حماس وحيدة في ساحة لم تتعود عليها وتتمرس فيها، وحركة حماس انتشت بالانتصار الديمقراطي دون أن تكون مهيأة للانتقال السريع من فكر المقاومة إلى برجماتية السياسة والسلطة، فمارست السلطة بروح المقاومة وهو ما أفقدها القدرة على الحركة وشل صلاحياتها كحكومة، أسهمت منظمة فتح بشكل واضح فيه، وكرد فعل طبيعي كان الخلاف ومن ثم الصدام المسلح. والغريب أن الفلسطينيين لم يتعلموا ديمقراطية عدوهم وروح التعايش السياسي داخله على الرغم من أن حدة الاختلاف بين أحزابه وتوجهاتها أكثر وأعمق حدة مما هو بين فتح وحماس.
هذا على صعيد التحليل السياسي الواقعي للأزمة الفلسطينية الدموية بكل أسف، ولكن التحليل الأكثر واقعية هو أن الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني عكس حالة مريعة في تجاوز كل الخطوط الحمراء، ومنها الاقتتال الذي أفقد المقاومة السياسية والعسكرية روحها الأسطورية وعذريتها النضالية والجهادية وقامتها المهيبة في تاريخ النضال الإنساني، وإذا كان يقال إن الثورات كثيرا ما تأكل أبناءها، فالحالة الفلسطينية ليس من الدقة وصفها فقط بالثورة بقدر ما هي أيضا مقاومة، والمقاومة أكثر سموا وطهرا لكونها تعبر عن روح الشعب بكامله، ومن هنا كان للاقتتال الفلسطيني أثر صادم ومحبط لكل عربي ومسلم ولكل إنسان يؤمن بالحريات والحقوق ويرفض الاستبداد ومنطق الاحتلال، والاستيلاء، وأكثر ما في الاقتتال من صدمة وإحباط هو أن البندقية الفلسطينية تحولت من صدر العدو إلى صدر الشقيق والشريك في المقاومة.
فلأول مرة منذ انطلاق الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال واغتصاب الوطن وإذابة الهوية توجه فوهة بندقية الثورة للاتجاه الخطأ.. بل لارتكاب الخطيئة المحرمة.. ولأول مرة تفقد بندقية النضال شرفها لتتحول من رمز للصمود إلى أداء قتل بشع.. ولأول مرة يراق الدم الفلسطيني هدرا بعد أن كانت كل قطرة منه تشكل إكليل غار على جبين كل فلسطيني وكل عربي ومسلم، كل ذلك حدث في لحظات غياب للوعي والبصر والبصيرة لف الجميع، غياب قاد لأن يصبح الدم الفلسطيني مستباحا ورخيصا يراق على أرصفة غزة بلا قداسة ولا قيمة وكأنه مجرد مياه اسنة، يصبح ثمنا لصراع بائس على سلطة هشة باهتة لا تملك من السلطة غير اسمها، صراع رسم بشاعة تراجيديا فلسطينية اختلط فيها عبث البحث عن بطولات، حيث لا بطولات بمأساة شعب يدفع وحده ثمن الاحتلال ويدفع أيضا ثمن خناقات الأشقاء، وكل منهم يقول إنه يناضل من أجل القضية..!!
اليوم وقد سال الدم الفلسطيني باليد الفلسطينية أصبح من أوجب الواجبات على الإخوة الفلسطينيين أن يكون لقاؤهم واجتماعهم في مكة المكرمة بدعوة ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اجتماعا ليس هدفه عقد تسويات، فخطر هذه الفتنة أكبر مما يظن، بل لتصفية الخلافات تصفية جذرية لقطع الطريق عن الفتنة الملعونة، وعلى القادة الفلسطينيين أن يستشعروا أمانتهم ومسؤوليتهم على تاريخ وحاضر نضال فلسطيني سطر أروع الملاحم البطولية، عليهم ألا يضيعوه في التكالب على سلطة يعرفون هم حجمها ووزنها وحدودها، وأن يكونوا أوفياء للشهداء ورمزهم الأكبر محمد الدرة والأبرز ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين، رحمهم الله، وكل الشهداء الذين دفعوا أرواحهم وبذلوا دماؤهم تمسكا بالأرض والقضية.
أيها الفلسطينيون تذكروا وأنتم في بيت الله الحرام أن العدو بدباباته ومدرعاته من خلفكم والفتنة بدسايسها من أمامكم ولا طريق ثالثا بينهما.. فماذا أنتم مختارون..؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي