رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لماذا التكامل الاقتصادي مع دول مجلس التعاون؟

[email protected]

منذ قرابة 25 عاماً ومجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل المحور الأساسي للسياسات المالية والاقتصادية للمملكة, حيث جعلت المملكة التكامل الاقتصادي مع دول الخليج العربية في صلب أهدافها الاقتصادية. والسبب في ذلك يرجع إلى التجانس الاجتماعي الكبير بين فئات المجتمع الخليجي، إضافة إلى التشابه الكبير في هيكليات الاقتصاد الخليجي. إضافة إلى ذلك الدعم الكبير الذي وفرته القيادات الرشيدة في دول المجلس والتي كانت في كل وقت من الأوقات الداعم الحقيقي لعملية التنمية الاقتصادية. ومراحل التكامل الاقتصادي شاهدة على كثير من العقبات التي ذللتها وحسمت أمرها القيادات السياسية الرشيدة. ومع التقدم البطيء لعملية التكامل الاقتصادي ومع التضحيات الكبيرة التي قدمت، يجدر بنا التساؤل عن العائد الاقتصادي من عملية التكامل الاقتصادي مع دول الخليج؟ وهل دول الخليج هي الخيار الاقتصادي الأمثل لنا؟
ليس هناك شك أو مواربة في أهمية التكامل السياسي مع دول الخليج العربي وعلى التأكيد على المصير المشترك والأهداف المشتركة. لكن فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فإن المصالح الاقتصادية وحدها هي التي تحدد جدوى التكامل الاقتصادي من عدمه، مع الأخذ في الاعتبار أنه في حالات كثيرة تتقاطع المصالح السياسية مع المصالح الاقتصادية، وفي الآونة الأخيرة شهدت عملية التكامل الاقتصادي تغيرا في مواقف بعض الدول تجاه بعض القضايا، كقضية التفاوض الجماعي والوحدة النقدية, حيث خرجت كل من الإمارات والبحرين على عملية التفاوض الجماعي بالتفاوض بشكل فردي مع الولايات المتحدة على إقامة منطقة تجارة حرة بينهما. كما أعلنت عمان عدم استعدادها حالياً للوحدة النقدية مع دول المجلس، وأخيراً بدأ الحديث عن رغبة الكويت لاستبدال الدولار كمثبت مشترك لعملات دول المجلس بسلة من العملات، في رسالة أخرى على الخروج على الوحدة النقدية مع دول المجلس. ولست هنا بصدد مناقشة هذين الأمرين، التفاوض الجماعي والوحدة النقدية، ولكن ما يهمني هو خيارنا الاستراتيجي اقتصاديا، هل هو التكامل مع دول الخليج أم لا؟ هل هناك بدائل أخرى يمكن أن تحقق عوائد أكبر لاقتصادنا؟
إن الهدف الأساسي من عملية التكامل الاقتصادي بناء تكتل اقتصادي يؤدي إلى تعظيم وزيادة منافع الجميع. وإذا كانت الطريقة الأساسية في عملية التفاوض هي تقديم تنازلات في مجالات معينة مقابل الحصول على امتيازات معينة، فإن المحصلة النهائية لذلك يجب أن تكون إيجابية على الاقتصاد، وإلا فما الفائدة من الدخول في التكتل الاقتصادي؟ وبتصرف كل دولة داخل التكتل الاقتصادي على هذه الشاكلة يمكن أن تزداد العوائد الاقتصادية لمجموع التكتل الاقتصادي. والعوائد تتمثل إما في تحسن الميزان التجاري لمجموع التكتل، أو في زيادة فرص العمل وزيادة التوظف داخل بعض الدول، أو في زيادة القوة التفاوضية لأعضاء التكتل، أو يمكن أن تتمثل في تبادل التقنية بين أعضاء التكتل الاقتصادي. وقد تحصل إحدى الدول على واحدة أو أكثر من هذه المزايا اعتمادا على المزايا النسبية التي تتمتع بها. إذاَ عملية التقييم يجب أن تبنى على ما يمكن أن يقدمه التكتل الاقتصادي من عوائد للاقتصاد الوطني. والسوق السعودي للسلع والخدمات يمثل الوزن الأكبر في أسواق مجلس التعاون، لذلك فإن أي اتفاقيات لا تأخذ في الاعتبار وزن السوق السعودي في معادلة الأرباح والخسائر فإنها لن تكون مجدية اقتصاديا وسيكون لها أثر سلبي أكبر في اقتصادنا لذلك فإن عملية التقييم لمسيرة التكامل الاقتصادي وعملية المراجعة لها يجب أن تعتمد على ما تجنيه المملكة من عوائد على اقتصادنا الوطني. ومن هنا فإنني أرغب في استعراض بعض من النتائج والانعكاسات على اقتصادنا الوطني وبالتحديد على الميزان التجاري مع دول المجلس لأخذ فكرة عن المحصلة الناتجة عن اتفاقية تحرير التجارة المتضمنة إلغاء الرسوم الجمركية فيما بين دول مجلس التعاون وتكوين جدار جمركي موحد.
بالنظر إلى الميزان التجاري للمملكة مع دول الخليج خلال عامي 2004 و2005 سنجد أن العجز التجاري مع دول المجلس قد ارتفع من 1.4 مليار ريال في عام 2004 إلى 5.8 مليار ريال في عام 2005. والرابح الأكبر من هذا التغير البحرين حيث ارتفع العجز التجاري معها في عام 2005 إلى أكثر من سبعة مليارات ريال في مقابل 3.6 مليارات ريال في عام 2004، بنسبة تقارب 100 في المائة. وتليها في ذلك الإمارات في عجز تجاري بلغ 3.7 مليار ريال في عام 2005 مرتفعاً من 1.8 مليار ريال في عام 2004، بنسبة تقارب 100 في المائة مما يعني أن العجز التجاري مع هاتين الدولتين فقط تضاعف خلال سنة واحدة فقط.
هذا فيما يتعلق بميزان التجارة مع دول المجلس فقط. أما فيما يتعلق بالقطاع الصناعي فالآثار أكبر من ذلك بكثير, حيث أدت المزايا التي تكفلها اتفاقية التجارة الحرة مع دول المجلس إلى تقديم مزايا الدخول الحر إلى السوق السعودي، مما حدا بكثير من الصناعات إلى الانتقال إلى دول المجلس الأخرى للتمتع بمرونة أكثر في استقدام العمالة والاستفادة من الخدمات المقدمة مع عدم التأثير في حصتها في السوق السعودي. وبذلك خسر الاقتصاد، ليس فقط الاستثمارات في هذه المصانع، بل تعداها إلى خسائر في الوظائف وانعكاس سلبي على الميزان التجاري للمملكة بسبب أن هذه المصانع قد استفادت في الماضي بتكوين قاعدة سوقية في المملكة، وعند انتقالها لم تخسر هذه القاعدة بل حافظت عليها. ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب بل التأثير السلبي الكبير في سياسات السعودة، حيث يمثل خيار الانتقال للصناعات السعودية ورقة ضغط في مواجهة تطبيق سياسات السعودة.
وأخيراً فيما يتعلق بالتفاوض مع دول العالم الأخرى أصبح التكامل الاقتصادي يمثل عبئاً على المفاوض السعودي، حيث يفترض بالمفاوض السعودي عند التفاوض مع أي دولة أن يأخذ في الاعتبار الاتفاقيات مع دول مجلس التعاون، ومن ثم فإن أي اتفاقيات تصل إليها المملكة وتأخذ في الاعتبار الاتفاقيات مع دول المجلس ستمثل عائداً مجانياً لدول المجلس الأخرى، وفي الوقت نفسه تمثل عبئاً على المملكة بسبب أن المملكة، وفي سعيها للالتزام بالاتفاقيات مع دول المجلس ستضطر إلى تقديم تنازلات مع الطرف الآخر.
وعلى ذلك فإن المسألة تتعلق الآن بالاختيار بين عملية التكامل مع اقتصادات دول الخليج والتركيز على السعي للتكامل مع اقتصادات أكبر حجماً وأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي، وذات ميزات نسبية في مجال التقنية. إن اقتصادات دول الخليج لا تمثل سوقاً مغرياً للصناعات السعودية بل على العكس من ذلك فصناعاتها تتشابه إلى حد كبير مع الصناعات السعودية – الصناعات البتروكيماوية مثلاُ – مما يجعلها منافساً تجارياً للمملكة. لذلك فالمرحلة المقبلة تتطلب مراجعة لعملية التكامل الاقتصادي وتقييمها من خلال العوائد المتحققة منها، والنظر في خيار تكوين تكتلات مع دول كالهند أو الصين التي تمثل سوقاً كبيرة للصناعات السعودية، وفرصة كبيرة لتبادل التقنية، وإذا ما تم ذلك فحتماً ستكون اقتصادات دول الخليج الأخرى تابعة للاقتصاد السعودي وسائرة على شروطه كما ينبغي لها أن تكون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي