نظرة مستقبلية لمدينة الرياض عام 2020

إذا صدقت الدراسات والنظريات وتجارب العديد من مدن العالم التي سبقتنا في التطور فإننا نتوقع أن نرى مدينة الرياض على المستوى العمراني مدينة حديثة عمرانياً وخرسانياً في بعض أجزائها وبخاصة الشمال الذي ستتطاول فيه الأبراج العمرانية، بينما ستكون هناك تشوهات عمرانية في جنوب وجنوب شرقي المدينة. وعلى المستوى الحضاري فإننا سنرى مجتمعات مختلفة السمات ويسيطر على المدينة مشكلات التفكك الاجتماعي حيث لا يرى الأخ أخاه ولا يعرف الجار جاره وتبرز مشكلات التوسع العمراني المعروفة من الازدحامات المميتة والثلوث البيئي والبصري والسمعي والجريمة والرذيلة والإرهاب بأنواعه. وستعجز السلطات آنذاك عن التحكم فيها. إضافة إلى مشكلات عدم القدرة على توفير البنية التحتية ومتطلبات الحياة الأساسية من خدمات المياه والكهرباء.
وما سيستجد نذير يؤكد ما سبقتنا إليه تجارب غيرنا بأن نمو المدن فوق طاقاتها أو ما تملكه من مقومات يعتبر من أكبر وأبرز المشكلات التي تواجه المدن الكبرى في العالم. وهذه الظاهرة معروفة ليست جديدة، بل إنها إحدى قواعد علم الاجتماع التي أكدها العالم الفرنسي وأب علم الاجتماع دوركهايم (1850) في نظريته لكيفية تماسك المجتمع، حيث يرى أن مجتمعات المدن تمر بنوعين من المجتمعات. النوع الأول هو المجتمعات الميكانيكية: وهي المرحلة الأولى حيث يعيش الناس ببساطة لمرحلة ما قبل المجتمع الصناعي حيث يربطهم ببعضهم البعض التجانس والتساوي والقيم الاجتماعية وصلة الرحم (المجتمع القروي). والنوع الثاني هو المجتمعات العضوية وهي مجتمعات المدن وهي معقدة تمثل عصر الصناعة وتكون مبنية على الاحتراف المهني والاختلافات بين الناس والطبقيات وتجزئة أنواع العمالة واعتماد كل منهم على مهنة ووظيفة الآخر أو الاعتماد المشترك ويحكمها القانون والشرطة والقيود والأنظمة الاجتماعية والمدنية التي إذا خالفها سيعاقبه المجتمع. وأن الناس تتجمع ليس على مبدأ التساوي بل على اختلاف المهن والأنشطة التخصصية. وأوجد نوع ثالث آخر هو الشواذ الذين لا يجدون موقعهم في ذلك المجتمع لعدم قدرتهم على التمشي مع الأنظمة الصارمة والتكبيلات التي تفرضها قيود المجتمع وتؤدي بهم إلى التذمر وعدم الرضا بالوضع والأنظمة. فتلجأ إلى كسر القانون، والجريمة أو الانتحار. وإن كثرة هذه الحالات تؤدي إلى القلق الاقتصادي والاجتماعي وتقود تلك المجتمعات إلى دهاليز الجريمة المنظمة والعصابات والقلاقل والحروب.
وتلى ذلك هبراماس في ألمانيا منذ 100 عام بنظريته عن المجتمع الصغير عندما يتحول إلى مجتمع كبير وكيف أن الأخلاقيات والضوابط تتغير وتكثر الانعزالية والأمراض الاجتماعية والنفسية. وينتهي الدور الكبير للقرية والأقارب في حل المشكلات العائلية حتى تصل إلى ما نراه اليوم من الرجوع إلى الشرطة والقضاء. حتى إن احترام الشباب للكبار من العائلة ينتهي في المدن.
ولعل هذه الأحداث تكون شاهداً بأننا إذا كنا عاجزين عن السيطرة عليها الآن فما ستكون حالتنا بعد التضخم والنمو الفاحش والذي حتماَ سيفقد الدولة عملية السيطرة على الجريمة، كما أنه يؤدي إلى تفكك المجتمع وكثرة الفساد الاجتماعي وقلة فرص العيش وتفشي البطالة والجريمة إلى حدود لا تمكن رجال الأمن من السيطرة على مجريات الأمور، والأمثلة والتجارب على ذلك دولياً كثيرة. والخلاصة التي نأخذها من تجارب الدول التي سبقتنا أن هذه الأحداث لا تنتهي بهذه السهولة وأن النمو السكاني المتزايد تنمو معه نسب كبيرة من الشواذ الاجتماعية والنفسية والتي تؤدي إلى أمراض نفسية واجتماعية وشذوذ وهوس فكري كثيرة. فلو انتهت أعمال الإرهاب التي نعيشها الآن، فإنها جزء لا ينتهي هذه الأحداث الإرهابية المستقبلية والتي تولدها مشكلات النمو السكاني الكبير فوق طاقة المدينة.
ومن هذا المنطلق دأبت تلك الدول إلى إيجاد واستحداث حلول ونظريات تخطيطية مناسبة للحد من نمو المدن العشوائي ومن هذه النظريات تأتي نظرية "مناطق النمو العكسي" Polarization Reversal و"بؤرات النمو خارج المدن" GROWT‎H POLE THEORY وأبرز مثال طبق لها في العاصمة البرازيلية مدينة برازيليا ومدن الحدائق حول لندن. وهذه النظريات قد لا تناسب مجتمعنا وإنما تساعد على تدارك النمو قبل أن يخرج الأمر من أيدينا، وأن نحاول أن نستفيد ولو بقليل من تاريخ وتجارب المدن التي سبقتنا وتورطت في هذا المجال.
هناك علاقة وثيقة بين تضخم المدن وزيادة معدلات وأنواع الجريمة لدرجة لا تمكن من السيطرة على الأمن. وهناك علاقة أكبر بين تخطيط المدن والحد من خطورة الأعمال الإرهابية. حيث إن تخطيط الأحياء بطريقة تقلل من المنافذ يساعد على عملية السيطرة والمحاصرة للأحياء بسهولة. وقد اتضح ذلك في الأحداث الإرهابية الأخيرة. كما أن تخطيط وتصميم بعض المباني والوزارات المهمة بحيث تكون في مواقع مخصصة ومعزولة في تجمعات ومحاطة بمساحات تصل إلى 100 متر لتفصلها عن الطرق المحيطة بها، يساعد على حمايتها من الأعمال الإرهابية وحل ما نراه اليوم من تشويه وإعاقة للطرق والمدينة.
وأحد الحلول هو أن يتم من الآن الحد من تضخم المدن الكبرى والتحول إلى المدن التخصصية فقط، إدارية أو صناعية أو مالية أو سياحية وبحدود ملائمة للنمو تتناسب مع مقوماتها ويجب ألا تتعداها، وأن تملك بعض المقومات الاقتصادية أو الطبيعية الدائمة التي تؤمن احتياجات سكانها على مر العصور.
وأحد أهم الحلول هو نقل بعض الاقتصاديات التي تنمو عليها الخدمات، مثل نقل مقر "سابك" إلى مدينة الجبيل أو ينبع ونقل بعض الجامعات مثل جامعة الإمام محمد بن سعود إلى القصيم، وكذلك نقل بعض أجهزة وزارة الدفاع والحرس الوطني إلى شمال المملكة وجنوبها. نقل مثل هذه الأنشطة الاقتصادية يؤدي إلى نقل موظفيها والعاملين في الخدمات التي توجدها من بقالات ومغاسل وبنوك ومحطات... إلخ.
إن النمو الحضري والسكاني من أهم المشكلات التي تواجه الشعوب ويجب أن نحاول التحكم فيه قبل أن يلتهمنا. فالنمو يحتاج إلى مقومات وتكاليف أبدية تضمن العيش الشريف للأجيال المقبلة. لذلك فإن ما نسمعه عن نمو مدينة الرياض سكانياً والذي نعرف أنه سيتضاعف قريباً يجب أن يتواكب مع مقومات المدينة وما يمكن أن تقدمه مستقبلاً من ثروات مائية وزراعية واقتصادية لسكانها على المدى البعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي