رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


صفع امرأة بربع مليار ريال

كم من النساء في عالمنا العربي سوف يشعرن بأعراض الذبحة الصدرية أو القهر قبل أن يسيل لعابهن وهن يقرأن عن "هيثر ميلس" التي تلقت ما يقارب ربع مليار ريال (49 مليون يورو) ترضية لها وتعويضاً عن صفعة أو لطمة عابرة حتى والطلاق قد صار حتما مقضيا؟
كم هو البون شاسع بين العرب والأعراب الذين يوصيهم دينهم بنسائهم خيرا "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وتحضهم مأثوراتهم على الشهامة والمروءة ومع ذلك تعاني العديد من نسائهم العسف والعنف وهضم الحقوق فيما نظيراتهن في العالم المتقدم يجدن من قوانين بلدانهن ما يذود عنهن جبروت الرجل ونزواته، كم ذا عجزت مطلقات العرب والأغراب عن تحصيل حتى النفقة الشرعية لهن مثلا؟ وكم ذا وجدن أنفسهن إما متسولات في الشوارع أو في دور الرعاية والمبرات الخيرية إن حالفهن الحظ إذا لم تتلقفهن بيوت الأهل ليتجرعن فيها الغصص كحد الموس.
محظوظة هي السيدة "هيثر ميلس" بكل المقاييس فقد خرجت بربع مليار ريال وبيتين فاخرين في "بيفرلي هيلز" أغلى أحياء مدينة لوس أنجلوس، حي المشاهير والأثرياء، إنها ثروة لو وزعت على عربيات وأعرابيات عالمنا العربي مِمن أجحف في حقهن أزواجهن بالضرب والركل والقسوة لكانت بلسماً لجراح غائرة في وجدان أعداد غفيرة يملأن قرى ومدناً بحالها، غير أن ما يحدث لهن يتعدى العنف إلى السطو والسلب حتى للقرط الزهيد في الأذن أو الخاتم اليتيم في الخنصر.
فارق فلكي بين "هيثر ميلس" وأخواتها وبين عربياتنا وأعرابياتنا. غير أنه فارق من نوع الكوميدياء السوداء، (ضحك كالبكاء) كما قال جدنا المتنبي، خصوصا والصحف والفضائيات تبث أخبارا كثيرة نستغربها مثل: الدعاوى التي تقيمها بعض الزوجات في أوروبا وأمريكا على أزواجهن بزعم إرغامهن على المعاشرة ساعة يشاؤون، هذا (الإرغام) تسميه قوانينهم اغتصابا فيما يكاد هذا النوع من الاغتصاب شأنا لا يستدعي الاحتجاج في عالمنا العربي مع أن القرآن الكريم يؤكد في أكثر من آية سمو العلاقة العاطفية بين الزوجين.. قال تعالى: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، كما ترك فينا نبي الهدى، صلى الله عليه وسلم، وصيته {لا تقعوا على نسائكم كما تقع البهيمة}.
السيدة "هيثر ميلس" في منتصف عمرها، كانت زوجة رجل كان وما زال في واجهة المجد والشهرة، هو "بول مكارتني" صاحب التاريخ ذائع الصيت في غناء "الروك آند رول"، بدأ حياته مع فرقة "البيتلز" (جان لينون، رينجوستار، جورج هاريسون) كان رابعهم وظل بعدهم بفرقته The Egg وهو لذا ثري جدا وقد يكون ما حصلت عليه مجرد جزء من ثروته، لكنه مع ذلك جزء هائل سوف يجبر حتما كسر قلبها،(!!) إنما كم من أزواج العربيات والأعرابيات باذخو الثراء لكنهم يطردونهن من بيوتهم وليس عليهن من (حطام الدنيا!!) إلا الشيلة والمقطع؟!
لا تقولوا إن المحاكم ستُنصفها لأن دون المحاكم: شيم الأهل والأقارب والعيب والعادات والأعراف وطغيان التخلف وفوقها محاباة الرجال للرجال!!
ومع أن مفردات حقوق المرأة في الشريعة وقاموس الأخلاق الحميدة تتلألأ كالجواهر والألماس إلا أن العلة تكمن دائما في تلك المسافة بين النصوص والتفسير، بين المقدمات والإجراءات، بين مزاجية التدبير وضميرية وعقلانية ونزاهة التطبيق، ومن هنا ينهض العقوق بين العرب والعربيات وبين العربان والأعرابيات.
ولأننا أمة نفكر ونكتب ونتحدث ونخطط وننفذ نيابة عن المرأة فسوف تحاول كل امرأة في عالمنا العربي أن تقرأ خبر السيدة "هيثر ميلس" على أنه نوع من الأساطير أو أنه من الدسائس الخبيثة التي يبثها الغرب لتضليلنا. وهن طبعا لا يفعلن ذلك لغباء مستحكم فيهن، كما تحب ثقافة الرجل أن تصمهن به وإنما يفعلنه بوعي ثاقب وهن يتمثلن قول جدتنا بلسان جدنا امرئ القيس: (ويلي عليك وويلي منك يا رجل!!)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي