رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جوائز التفوق العلمي .. من أَولى الأعمال الخيرية

حضرت خلال الأسبوع الماضي حفل جائزة إبراهيم السلطان للتفوق العلمي في مدينة تمير في محافظة المجمعة في عامها العاشر، بدعوة كريمة من صاحب الجائزة في معية نخبة من المسؤولين، ورجال الأعمال والتعليم، وأهالي المحافظة يتقدمهم وزير التربية والتعليم، ونائبه لتعليم البنات، ومحافظ محافظة المجمعة، وقد كان بحق حفلا متميزا، إعدادا وحضورا وتنظيما وأداء، بما يفوق الإمكانات المتاحة لمثل هذه المراكز، بيد أنها بطموحها وهمة أبنائها قد تفوقت على كبريات المدن في إبراز أهمية التنافس الشريف في الإبداع والتفوق، وإبراز المواهب، وتفجير الطاقات والإمكانات الذهنية لدى الطلبة والطالبات، ليس من أجل الجائزة في فرعها المادي فحسب، بل من أجل التقدير المعنوي, وخلق جو من التسابق الخلاق والإبداع والتحصيل العلمي، فضلا عن إسهام مثل هذه الجوائز في زرع وإذكاء نزعة التحدي، والبروز والتفوق لدى الطلبة والطالبات منذ الصغر، حيث علمت أن الجائزة تبدأ مع المتفوقين من الصف الرابع الابتدائي إلى نهاية المرحلة الثانوية العامة، وهو الأمر الذي لا تقتصر فائدته على محيط الجائزة وأهدافها القريبة المنظورة، بل إن الطالب الذي يتعود على التشجيع والتقدير إزاء تفوقه في مراحل تعليمه الأولى، سيكون مطبوعا بحب التفوق في مراحل تعليمه الأخرى، ناهيك عن مراحل حياته بصفة عامة، والفائدة من ذلك، من ثم لا تقتصر على الطالب وأسرته، بل إن المستفيد الأول من ذلك كله هو الوطن، لأن هؤلاء المتفوقين سيكونون دعامة كبرى للبناء والتنمية في مختلف المجالات عندما يكبرون.
من هنا فإن الفوائد المباشرة وغير المباشرة من مثل هذه التظاهرات على الطلبة وأسرهم، وعلى المجتمع والدولة لا تكاد تحصى، وأتمنى لو قامت وزارة التربية والتعليم بحصر ورصد وتسجيل هذه الفوائد في مطبوعة تكون في متناول الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، ورجال وسيدات الأعمال والموسرين في المجتمع، لحفزهم على حب الخير والتنافس في البذل والعطاء من أجله، إذ إنه رغم المكاسب المتعاظمة في هذه الجوائز إلا أن الملاحظ أنها ظلت محدودة على مستوى المملكة، كما أعلم، وغالبا ما تتم بمبادرات فردية ممن منحهم الله بُعد التفكير، وحب الإسهام في مجال يعد من أولى وأنفع الأعمال الخيرية، ومع أنني لست أعلم ما إذا كانت هناك لوائح تنظم هذا التوجه وتدعو إليه، وتحببه إلى قلوب الراغبين القادرين، فإنها إن وجدت تكون غائبة عن أذهان الغالبية من الناس، ومن ثم يحسن نشرها وإبلاغها والتعريف بها، وإن لم توجد فإن واقع الأمة، ومقتضى الحال، ودواعي المصلحة العامة قد غدت ملحة في وجوب إعدادها.
الجميل في حفل هذه الجائزة هو اللفتة الإنسانية من القائمين على الحفل المتمثلة في تكريم المعلمين المتقاعدين من أبناء المركز اعترافا بفضلهم وما قدموه لبلدتهم ووطنهم من خدمات أسهمت في تخريج أجيال من المتعلمين الذين أصبحوا روافد لنهضة الأمة، ومسيرتها نحو التقدم، وإنني لواثق من أن وقع هذا التكريم في نفوس المعلمين، وتأثرهم به، ومشاعرهم نحوه، يفوق الوصف، لو أتيح لهم التعبير عنه، فضلا عن أنه سيحفز زملاءهم ممن لا يزالون في الخدمة على التفاني في البذل والعطاء، لشعورهم بأن ذلك سيكون موضع التقدير والعرفان عندما يكرمون بعد تقاعدهم.
الشيء الجميل الآخر هو ما صاحب الاحتفال من فعاليات تجلى فيها الإبداع وحب الوطن، يأتي في مقدمتها الأوبريت الوطني الذي يسجل لأبناء المنطقة، تأليفا وصياغة ولحناً وأداء، حيث تجاوب معه الحاضرون بكل أحاسيسهم، وانتابتهم مشاعر الزهو والفخر بالانتماء والولاء، والإجماع على ما لا يختلف أحد حوله، وهو حب الوطن. أما ما يميز هذه الجائزة، إضافة إلى ما ذكرت، فهو تميز صاحبها بنبذ روح التعصب للقبيلة والأسرة عندما سماها باسم بلدته، وجعلها شاملة لأبناء البلدة التي ينتمي إليها، بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية، وهو الأمر الذي يحمد لصاحب الجائزة، ولمن فعلها مثله.
أما الأمر الآخر الذي أضفى على حفل الجائزة طابع الوفاء، وعمّق في نفوس الطلبة والمعلمين والأهالي مشاعر التقدير، فهو تشجيع وزير التربية والتعليم لمثل هذه الجائزة بحضوره هو ومعاونوه, وتسليمه الدروع والجوائز للمتفوقين، وتخليد المناسبة معهم في صور تذكارية، ومثل هذا التشجيع سيدفع الكل ممن ينتسب إلى التربية والتعليم إلى التفاني في البذل والعطاء، والإخلاص فيهما، إذا شعروا بأن ذلك سيكون محل التشجيع والتكريم.
إنني مثلما دعوت إلى تنظيم كل ما يتعلق بأمر هذه الجوائز، وزيادة التعريف بها، وبفائدتها للطلبة والوطن والمتبرع نفسه، في كونها من أولى وأفضل الأعمال الخيرية، وفضلها يعم الوطن كله، أدعو كل القادرين، من باب الوفاء لوطنهم، والاعتراف بفضله عليهم، إلى المسارعة إلى تبني مثل هذه المشاريع، ودعمها وإعلانها، وألا تثنيهم عن ذلك قيمة الجائزة المادية، فأثرها المعنوي والنفسي يفوق الأثر المادي مهما كان كبيرا.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي