محفزات التطوير الإسكاني الشامل .. مسؤولية مَن؟!
في كلمة له في مؤتمر اليوروموني السعودي الأول للتمويل الإسكاني، وضع الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف آل مقرن أمين منطقة الرياض، إصبعه على الجرح الذي ينزف مالا وجهدا ووقتا ومشاكل لا حصر لها، وذلك عندما قال إن أحد المفاهيم العمرانية المقلقة للبلديات والمكلفة ماديا وإداريا على الدولة وعلى المواطن، هو ما يُعرف بالتطوير العمراني الإفرادي، والذي يمثل أكثر من 90 في المائة بينما يتضاءل التطوير المؤسساتي الشامل إلى حدود 3 في المائة.
ذلك بأن التطوير الإفرادي (والكلام لابن عياف) ينتهي إلى مبان بجودة متواضعة وأحياء متناثرة يتم التطوير فيها بصفة انتقائية، فقد تكتمل بعض المباني ولا نجد المدارس، وقد تجد الشوارع ولا تجد الخدمات التحتية، حيث لا يعلم سكان الحي ماذا سيحل بهم من الأراضي الفضاء على الشوارع الرئيسية، فما بين بنك ينقل معه الحركة المرورية ويؤزم المواقف إلى مستوصف خاص قد يخدم المدينة كلها، إلى محطة بنزين تبدأ صغيرة وتنتهي إلى مجمع للخدمات.
إذن ابن عياف يقول إن التطوير الإفرادي يشكل خطرا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية ما يجعله يؤكد أن المستقبل والتطور يفرض علينا الاتجاه إلى بديل آخر أفضل وأيسر وهو بديل التطوير الشامل باعتباره الركيزة الأساسية للتطوير الإسكاني الذي لا يمكن أن يكون ويتطور إلا بوجود مساكن عالية الجودة في أحياء شاملة التطوير، لتشكل تلك المنازل المتعاظمة القيمة بمرور الزمن قاعدة صلبة للتمويل الإسكاني طويل المدى الذي يصل في بعض الدول إلى أكثر من 25 سنة.
الأستاذ يوسف الشلاش رئيس مجلس إدارة شركة دار الأركان الراعي الرئيسي للمؤتمر والتي تعتبر أحد أكبر اللاعبين في السوق العقاري الإسكاني في المملكة العربية السعودية يقول إن ندرة شركات التطوير العقاري الإسكاني العملاقة القادرة على تطوير وحدات سكنية بكميات كبيرة ومتنوعة عالية الجودة يعود لشح آليات تمويل المشاريع الإسكانية إضافة لشح آليات تمويل الأفراد لشراء الوحدات السكنية التي تطورها شركات التطوير الإسكاني.
الماليون من جانبهم ألقوا باللائمة على العقاريين حيث أوضحوا أن معظم العاملين في السوق العقارية لا يمكن تصنيفهم كلاعبين كبار وإن كبر حجم استثماراتهم وذلك بسبب مواقفهم السلبية تجاه البيئة التي ينشطون بها، حيث الانكفاء على ممارسة أعمالهم الرئيسية والعزوف الواضح عن المساهمة في معالجة البيئة الاستثمارية من خلال تشخيص المشاكل واقتراح الحلول وتقديم النماذج الناجحة والتنسيق مع الشركات المثيلة للضغط على صناع ومتخذي القرار لإقرار مقترحاتهم وتطبيقها ومراجعتها دوريا لتطويرها بما يتناسب مع المتغيرات المتتالية.
بعض المتحدثين أرجعوا الكرة إلى ملعب الجهات المالية التمويلية لسلبيتها هي الأخرى في تنمية البيئة الاستثمارية التي تنشط بها إضافة لضعف خدماتها الاجتماعية رغم عظم أرباحها، حيث تميل هذه الجهات المالية للاستثمار في الأيسر دون رؤية بعيدة المدى للتحديات المستقبلية وضرورة إعداد السوق لصالحها من خلال بناء أسواقها باستثمار الفرص الحالية في ظل الندرة التنافسية للاستئثار بأكبر حصة من السوق حتى وإن اشتدت المنافسة كنتيجة طبيعية لدخول الكثير من البنوك الخارجية.
المهندس سعود القصير يقول إنه لا حل شاملا للقضية الإسكانية يحقق مصلحة جميع الأطراف ذوي الصلة بتلك القضية (حكومة، وشركات تطوير إسكاني، ومؤسسات مالية، ومواطنين مستفيدين، ومستثمرين كبار، وأصحاب مدخرات) سوى نظام الرهن العقاري الذي يوجد آلية واقعية تتعهد بتوفير بيئة من المصالح المادية المشتركة بين هؤلاء جميعا، مما يؤدي بالتبعية إلى تفعيل قوى السوق لتلعب دورها الحقيقي في موازنة المطلوب والمعروض من الوحدات السكنية عالية الجودة التي تشكل ـ كما في الدول المتقدمة ـ قاعدة صلبة وصمام آمان للاقتصاد الوطني كقيمة مضافة، كما أوضح ذلك الاقتصادي الكبير والمتخصص بالتمويل الإسكاني هرناندو ديسوتو.
الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية كشف عن تنظيمات جديدة قيد الإعداد لصالح السوق العقارية المحلية, خاصة فيما يتعلق بالجانب التمويلي حيث أفصح أن هذه التنظيمات تشمل, نظاماً للتمويل العقاري ونظاماً لشركات التمويل يحددان القواعد التي تحكم نشاط هذه الشركات، ونظام التأجير التمويلي، ونظام التنفيذ والرهن، إضافة إلى إجراءات لمعالجة الصعوبات الحالية في تسجيل الرهون وإتاحة الرقابة القضائية لقرارات التسجيل، إضافة إلى نظامين يرتبطان بالتمويل العقاري يجري العمل حاليا على إعدادهما، هما التقييم العقاري والسجلات الائتمانية.
الأستاذ يوسف يطالب بالسرعة، كما هو حال القطاع الخاص دائما حيث يعتبر الوقت هو المال، يرى أن استكمال البنية الأساسية اللازمة لعمل سوق التمويل العقاري عموما والإسكاني على وجه الخصوص أصبحت قضية لا تحتمل التأجيل ويجب ألا تمر بمرحلة التجربة والأخطاء وذلك بالاستفادة من مرئيات الكفاءات المحلية وتجارب الخبرات العالمية الناجحة.
الدكتور العساف وكأنه يجيب الشلاش يقول إن وزارته تجري دراسات بهدف التعرف على العوامل التي تعوق أو يمكن أن تؤدي إلى إعاقة التمويل العقاري في المملكة والتي تؤثر سلبا في تطوير وتنمية سوق فاعل للتمويل الإسكاني، بهدف إرساء إطار قانوني ومؤسسي يستجيب لاحتياجات السوق ويشجع الاستثمارات الخاصة ويوفر حماية فاعلة لمصالح وحقوق جميع الأطراف ذات العلاقة من ممولين ومطورين ومستهلكين.
هذا ملخص ما خرجت به من هذا المؤتمر الذي أظن أنه أسهم مساهمة كبيرة في فتح جميع ملفات التمويل الإسكاني من أجل تنمية قطاع إسكاني سليم يشكل قاعدة مالية صلبة لاقتصاد متنام، وما أود أن أقوله تعليقا على كل ذلك إننا لن نحصل على بيئة استثمارية محفزة لإنتاج كميات كبيرة من الوحدات السكنية متعاظمة القيمة ضمن فلسفة التطوير الشامل، إلا إذا بذل كل من هذه الجهات جهودا كبيرة ومنظمة تتكامل مع جهود جميع الأطراف ذوي الصلة بالقضية الإسكانية لتحقيق أهدافهم المحققة للمصلحة العامة، نعم على الجميع أن يتعاونوا ويبذلوا أقصى الجهود الممكنة وكأن كلا منهم هو المسؤول عن ملف الإسكان والتمويل الإسكاني، وهذا ما نتوقعه جميعا بعد أن رأينا حماستهم في هذا المؤتمر الذي نرجو أن يتكرر سنويا كما وعدنا المنظمون.