جماز السحيمي.. كلمة حق لتاريخ هذا الرجل
"الرجال" لا يولدون "رجالا" وإنما يصُنعون أو يصنعوا أنفسهم ويسجلونها كعلامة مميزة في تاريخ الأمم، وهي (أي الرجولة) أمر يحتاج إلى جهود جبارة للوصول إليها وتحتاج إلى عدد غير قليل من السنوات والعقود لتسجيل تلك الإنجازات ومعرفة مواقفها. وقد وفق الله هذه البلاد بعدد كبير من هؤلاء الرجال الذين صنعوا التاريخ منذ عهد مؤسس المملكة وقائد رجالها وإلى عهد أبنائه من بعده ومن عملوا معهم على تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز حتى وصلنا إلى ما نحن عليه ولا يزال الطريق طويلا لتحقيق المزيد من الإنجازات بأيدي أبناء وبنات هذه الجزيرة إن شاء الله وذلك من خلال تضافر الجهود والحوار والنقد البناء.
ومناسبة الحديث هنا هي كلمة حق كان لا بد أن نقولها بعد ذهاب الضباب وانقشاع الغمامة عن الأعين والأنفس فيما يخص سوق المال. وحتى نحسن الظن فإن ما حدث من تداعيات سوق المال منذ بداية رحلة الصعود الصاروخي والهبوط الاضطراري هو أشبة بمرحلة المراهقة للشباب والفتيات والذين يرفضون أن يسمعوا أو يتفهموا حرص آبائهم عليهم ويظل الشك في كل شيء سيد الموقف حتى يجربوا بأنفسهم ومن ثم يتخطى هذا المراهق أو تلك المراهقة المرحلة ليعود إلى رشده ويؤمن أن حرص آبائه علية كان صحيحا وحقيقيا وأن خبرتهم ومعرفتهم كان يجب أن يكون لها دور. وعليه لنقل إن كل ما حدث منذ 2004م وحتى نهاية 2006م كانت مرحلة مراهقة لسوق مال ناشئة بكل مكوناتها وعناصرها يجب أن نتعلم منها.
لم يكن سهلا على أحد أن يشاهد ما حدث في سوق المال منذ 25 شباط (فبراير) 2005م، ولكن الموجة كانت أعتى من أن يسمع أحد كلام عاقل أو "راشد". الإغراء كان بمستوى يفوق إغراء حواء لآدم. والآن وقد أصيب الجميع بنوع من حالة التخدير حيث خسر الجميع إلا فئة قليلة استأثرت بالكعكة كلها وذهبت في حال سبيلها. ولم يسألوا أو يكترثوا بما حل بالسواد الأعظم من المستثمرون من كارثة أتت على الأخضر واليابس. رغم أن هذا السواد الأعظم دافع وبشراسة غير معهودة عنهم (الهوامير) عندما بدأت هيئة سوق المال محاولة الضرب بيد من حديد على يد العابثين بسوق المال غشا وتدليسا. وكان السواد الأعظم هم المحامون عن هؤلاء الهوامير بطريقة غريبة وعجيبة وذلك إلى درجة أدت ببعض الأقلام إلى قول مثل ما قال مالك في الخمر ولكن بعكسه دون علم ودراية.
وطبيعي عندما يصيح الهوامير وتعلوا أصواتهم أن تختفي أصوات الحكماء والغيورين. وبكل أسف وصلت الأمور إلى أسوأ من ذلك في المساس بكثير من الجوانب الإنسانية للقائمين على سوق المال في ذلك الوقت. وهي أمور لم يكن أحد يتمنى أن نصلها أو يصل إليها تفكيرنا حتى لو ارتكبت الأخطاء، فما بالك إذا كان السبب في فهم المتلقي وليس في صانع القرار كما صُورت الأمور مع سبق الإصرار والترصد من قبل بعض المستفيدين من الوضع القائم في ذلك الوقت وبالتالي يرفضون إصلاح السوق.
وكما قلت في البداية أعتقد أن الوقت حان لمراجعة ما حدث ورد الاعتبار لمن يستحقه، فقد انقشع الغبار وتم بحمد الله إكمال قيادة المركب من قبل الدكتور عبد الرحمن التويجري بشكل ناجح وحكيم أوصلنا معها إلى حالة من الاستقرار. والهدف من تلك المراجعة المساعدة على معرفة أسباب ما حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟ ومعرفة كيفية التعاطي مستقبلا بشكل أفضل في قضايا الإصلاح التي نحتاج إليها في معظم جوانب حياتنا وليست في سوق المال.
نقول إن معالي الأستاذ عبد الرحمن التويجري هو خير خلف لخير سلف وهو أمر لا يحتاج إلى شهادة مثلي. وهو لا يزال يعطى وطنه بكل صدق أفضل ما عنده من علم ومعرفة. ونقول إنه حان الوقت لتقدير جهود سلفه معالي الأستاذ جماز السحيمي ذات التاريخ الطويل في خدمة وطنه بكل إخلاص وتفان، سواء عند بدايته في صندوق التنمية الصناعي أو عندما عمل في مؤسسة النقد لأكثر من 20 سنة متواصلة كانت بصماته واضحة في التقدم الذي شهده القطاع البنكي في تلك الفترة والتي بدأنا نقطف ثمارها اليوم. ومن يعرف حال القطاع البنكي في بداية الثمانينيات مقارنة بحالها الآن يستطيع معرفة الجهود المبذولة خلال الـ 20 عاما الماضية. ويكفي أن أشير إلى جهد واحد فقط وهو نسبة الكفاءات البشرية في القطاع البنكي التي أصبحت تتجاوز 75 في المائة رغم أنه من القطاعات التي تتطلب مهارات خاصة وجهودا كبيرة في إنجاز العمل وهو ما أثبت كفاءة الشباب السعودي وقدرة على العطاء إذا أعطوا الفرصة والثقة مع التدريب الجيد. وهي نسبة لم يصلها أي قطاع آخر في المملكة. وقد تحققت تلك النسبة حتى قبل خطط معالي الدكتور غازي القصيبي ووزارة العمل للسعودة، فضلا عن تطوير التقنية والتي تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة. ويكفي أن نعرف أن المملكة الدولة الشرق أوسطية الوحيدة العضو في لجنة بازل الدولية والمعنية بالقطاع البنكي حول العالم. ثم مرورا بعمله كرئيس لهيئة سوق المال لمدة تزيد على السنتين، كانت حافلة بالكثير من التحديات والظروف التي لم تكن إلا محصلة للثقافة الاستثمارية والشعبية وطريقة تعاملنا مع الإصلاح التي تتسم بالكثير في السطحية من قبل المجتمع بكل أسف. وما ذكرت إلا غيض من فيض إسهامات ذلك الرجل والتي أعرفها عن قرب. فشكرا أبا سلمان على كل الجهود وتأكد أن من يعرفونك يقدرون كل تلك الجهود.