خطر العمالة السائبة.. والمهزلة الفلبينية

لن آتي بجديد في هذا المقال، فالحديث عن مخاطر وجود نوعية من العمالة الأجنبية، وبالذات العمالة المتدنية كعمال النظافة وغيرها من الأعمال التي لا تحتاج إلى خبرة ولا مؤهل، على أمننا الاجتماعي على وجه الخصوص، حديث متواتر يعلو بين فينة وأخرى، خصوصا مع ما تكشفه الحملات الأمنية الناجحة والموفقة من بؤر للجريمة تكونها عصابات من هذه العمالة تمارس من خلالها كل الأعمال سيئة السمعة كالسرقة والسلب والتزوير والغش والدعارة وإلى ما غير ذلك، وإلى حد ارتكاب جرائم قتل أيضا، وهذا ما يدعو فعلا إلى وجود عمل جاد من أجل إعادة النظر في وجود مثل هذه العمالة في بلادنا، واستقدامها خاصة من الجنسيات التي اشتهرت بارتكاب كل هذه الأعمال وكل ما يخالف الأنظمة والقوانين.
المتخلفون من هذه العمالة سواء ممن يأتون بحجة الحج أو العمرة أو ممن يهربون من كفلائهم أو من يسرحه كفيله لتسقط رزقه في السوق بالعمل الحر – وبعضهم يطالبونهم بمبلغ مالي شهري وهذه سخرة محرمة شرعا – ممن نسميهم بالعمالة السائبة، يمثلون المكون الأساسي لهذه العصابات التي تعبث بأمننا وأماننا، وما يشجعهم على ممارسة الأعمال المنافية للقانون والأنظمة والأخلاق هو ضعف العقوبات الرادعة وعدم وجود إجراءات مكلفة تترتب على مثل هذه الأعمال، وينتج عن ذلك أن العامل من هؤلاء يجد سهولة في مغادرة البلاد بأمان وبلا محاسبة مهما كان الجرم أو كانت المخالفة التي ارتكبها ثم يعود مرة أخرى بعد أن يغير اسمه ومهنته ويزور جوازه، ولهذا فإن من يهرب من كفيله أو يتخلف ويعمل بطريقة غير نظامية لا يشعر بأنه يرتكب مخالفة تخفيه نتائجها حين يقبض عليه، فكل ما يحدث هو أن الواحد منهم وبعد أن يكون قد حقق مكاسب مالية وحولها إلى بلاده يقوم بتسليم نفسه للجوازات من دون خوف من أجل ترحيله إلى بلاده على حساب الدولة بصفته متخلفا، أو يقوم باستخراج جواز سفر بدل فاقد باسم جديد من سفارته أو قنصليته بسهولة وبعد دفع رسوم ورشوة.
المؤسف فعلا أن كثيرا من هذه العمالة السائبة والخطرة فهمت هذا التساهل معها على أنه تسيب أو عدم قدرة، وهو ما ليس بصحيح في تصوري، نعم الأسلوب بصفة عامة يوحي بأن هناك ضعفا في الإجراءات الأمنية والإدارية في التعامل مع حالات هذه العمالة كالهروب مثلا، إلا أن الحقيقة هي في الطيبة الزائدة والمبالغ فيها في التعامل مع هذه العمالة ومخالفتها، وهو ما يفرض علينا أن نغير في إجراءاتنا وتعاملنا مع هذه العمالة بما لا يكون فيه بالقطع إساءة إليها أو هضم حقوقها والتي يفرضها علينا ديننا وليس منظمات العمال والإنسان، ويحقق لنا في الوقت نفسه حفظ أمننا وعدم جعل بلادنا ساحة مشرعة لكل مزور ولص ومن لا يتورع عن عمل كل ما يخالف الأنظمة والأخلاق، وأول ما هو مطلوب هو السرعة في إنجاز وتطبيق نظام البصمة لكي يتم محاصرة عودة كل من هرب عن كفيله أو تخلف أو رحل لممارسته أعمال جرم عليها بتأشيرة أخرى، أيضا من الإجراءات المطلوبة أن يكون لنا موقف من جنسيات معينة عرف عن عمالتها الجريمة والمخالفات كالهرب والتزوير وغيرهما بأن يوقف الاستقدام منها أو توضع شروط شديدة لمنحها التأشيرة كالمطالبة بضمان رسمي من حكومة تلك الدولة بتحمل كافة ما يترتب على أي من رعاياها من غرامات مالية نظير إخلاله بأنظمة الإقامة، أو باشتراط إحضار ضمان بنكي بمبلغ يوازي سعر تذكرة سفر لبلاده وبقيمة تكليف الاستقدام تستخدم في تعويض المواطن في حالة الهرب على سبيل المثال، أيضا وهذا سبق أن اقترحته في مقال سباق، وهو أن تتم دراسة وضع العمالة الأجنبية من أجل القضاء على وجود هذه العمالة السائبة التي نراها مسرحة في شوارعنا وهي تمارس أعمالا مختلفة كغسل السيارات والشحاذة والبيع في الطرقات والتسكع في الميادين بحثا عن أي عمل، فهؤلاء متخلفون أو هاربون من كفلائهم أو مسرحون من قبل كفلائهم للتكسب منهم، وما يقومون به من أعمال ليست ضرورية ولا حاجة أساسية لها.
كل هذا الكلام معروف وليس فيه جديد كما ذكرت، ولهذا فنحن في أمس الحاجة إلى القيام بحملة واسعة تتضافر فيها جهود وزارة الداخلية مع وزارة العمل مع وعي المواطن لتنظيف بلدنا من هذه العمالة السائبة وما تمثله من خطورة أمنية وحياتية، خاصة أن كثيرا منها تكون بؤرا استيطانية مقفلة عليهم خصوصا في مدننا الكبيرة، وهذه البؤر هي التي تحتضن كل عصابات الجريمة وتؤويها بل وتفرخها، وما نلاحظه ونشاهده من هذه الجنسيات وهي تسرح وتمرح في شوارعنا مسببة القلق والخوف، هو نتيجة لذلك كله، إذ لم تعد الحلول الوقتية نافعة، فكل يوم تظهر لنا الصحف عمليات قبض على مئات المتخلفين والهاربين وكأننا نخرجهم من جعبة حاوٍ.

المهزلة الفلبينية
لأول وهلة أعتقد أن خبر الشروط الفلبينية لاستقدام عمالتها المنزلية مجرد نكتة أو إشاعات سمجة تريد الإساءة للشعب السعودي وللفلبين معا، إلا أن صدمت فعلا من صدق الخبر وأنه فعلا حقيقة وليس نكتة ولا إشاعة، وقد فكرت على خلفية ذلك فعلا بالبحث التاريخي عن جذور المدعو "قراقوش" إن كانت له أصول فلبينية أو أن ذريته هاجرت بعد وفاته إلى الفلبين ومنهم جاءت هذه السلالة التي فكرت وأصدرت مثل هذه القرارات الخنفشارية، ولم أجد حاجة إلى ذلك في نهاية الأمر مكتفيا بهذه القرارات التي كان سيخجل حتى السيد "قراقوش" الأصلي من إصدارها، وأنا أعتذر فعلا من هذه الهزلية في تناول الموضوع، فلا أعتقد أنه يستحق أن يناقش بجدية أو يعلق عليه بموضوعية، فإن الموضوعية في الطلب من المستقدم بأن يقدم صورته وزوجته وأبناءه ورسم توضيحي للمنزل!!
الرد المنطقي وفي حده الأدنى هو في وقف الاستقدام بكامله من هذه الدول، وإذا فكرنا في رفعه لا نفعل إلا بعد أن تقدم حكومة الفلبين اعتذارها الرسمي للشعب السعودي الذي أساءت إليه بهذه القرارات، وتعهد رسمي لحكومتنا بعدم ارتكاب مثل هذه الحماقات مستقبلا، وأجزم بأنه لن يوجد سعودي واحد سيفكر بالاستقدام تحت هذه الشروط القراقوشية، وربما حتى ولو ألغيت، فالإساءة حدثت والمواطن السعودي حريص على كرامته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي