طفرة مقبلة للذرة الشامية لتلبية ارتفاع الطلب على الإيثانول

طفرة مقبلة للذرة الشامية لتلبية ارتفاع الطلب على الإيثانول

في أواخر التسعينيات من القرن الماضي تم الكشف عن رصد بعض مركبات الإيثر الرافعة لرقم الأوكتان في العديد من مصادر المياه في أماكن متفرقة من الولايات المتحدة، وهنا يجب الذكر أن لهذه المركبات طعم ورائحة قويتين، إذ إن أجزاء بسيطة منها (15 إلى 20 جزءا من البليون) قادرة على تغيير طعم الماء ورائحته ما يجعله غير صالح للشرب. كما يجب التنبيه هنا أن هذه المركبات تعتبر من أصعب مركبات الجازولين تفككاً بفعل العوامل الطبيعية أو الأحياء الدقيقة، ما يعني استقراره في الماء لمدة طويلة.
تسرب هذه المركبات من الجازولين قد يكون بانسكاب الجازولين من محطات الوقود، وهذا التسرب يكون على السطح، وأيضاً قد يوجد بعض الشروخ في خزانات الجازولين ما يساعد هذه المركبات شديدة الذائبية في الماء من الانتقال من خزانات الجازولين إلى مصادر المياه الجوفية.
وبيّنت دراسة جيولوجية أعدت عام 2001 في الولايات المتحدة، أن 5 في المائة من العينات المأخوذة من أماكن مختلفة من الولايات المتحدة قد أثبتت وجود هذه المركبات فيها، على أنه فقط 1 في المائة من 5 في المائة وجد فيه أكثر من 20 جزءا من البليون.
أي أن معظم مركبات الإيثر الرافعة لرقم الأوكتان الذي تم رصده هو ذو قيمة ضئيلة للغاية وقد لا تشكل تهديداً مباشراً للإنسان، مع العلم أن هذه المركبات لم تعتبر إلى الآن مادة مسرطنة ولم تثبت البحوث الطبية نوع الضرر الذي يمكن أن تلحقه بصحة الإنسان.
والطريف في الأمر أنها تستخدم في علاج بعض المشكلات الصحية لدى الإنسان مثل علاج حصيات الجال وبتركيز أكبر ممن وجدت فيه في بعض المياه الجوفية، وهذا ما يؤكد ما سبق قوله إن مشكلة رافعات الأوكتان معقدة وتكاد تملك عدة وجوه وأقنعة، حيث من الصعوبة الإقرار بوجه واحد.
طبعاً كاليفورنيا من أولى المناطق التي حظرت استعمال هذه المركبات في الجازولين، حيث أعلنت الولاية أن هذه المواد قد لوّثت نحو 71 في المائة من مياه سانتا مونيكا، إضافة إلى تسربها إلى العديد من البحيرات والمياه الجوفية، وتسربها للبحيرات قد يفهم، وذلك باستخدام قوارب الجازولين المحتوي على نحو 10 في المائة من مركبات الإيثر، فمن الطبيعي أن يحدث تسرب خاصة من القوارب القديمة، فبدأت إجراءات الحظر من عام 1999 إلى أن تم حظره نهائياً وقطعياً في 1 كانون الثاني يناير 2004 (كانت كاليفورنيا تستهلك أكثر من 30 في المائة من الاستهلاك الأمريكي من هذه المواد) وقد استغرق هذا الحظر من عام 1999 إلى 2004 لصعوبة استبدال مركبات الإيثر الرافعة لرقم الأوكتان بين ليلةٍ وضحاها، وحتى لا تتزعزع أسواق الجازولين، وإن كان هذا قد يدل على أن هذه المشكلة ليست مشكلة كبيرة، أي أنها لا تهدد حياة الإنسان، إذ إنها لو كانت كذلك لتم الحظر في حينها وساعتها ولكن كاليفورنيا أخذت وقتها حتى يتم التغير بطريقة سهلة وسلسة، وبعد كاليفورنيا تبعتها عدة ولايات إلى أن وصل عددهم إلى 25 ولاية وسارت اليابان في هذا المضمار فحظرت استعمال مركبات الإيثر في الجازولين بحلول 2008، وعندئذٍ بدأ ظهور الإيثانول كبديل طبيعي وحيوي لمركبات الإيثر، والحجة في هذا أن الإيثانول ينتج من حبوب الذرة في أمريكا (ومن قصب السكر في البرازيل)، أي أنه منتج طبيعي ومتجدد فبعد كل فترة زمنية هناك محصول جديد للذرة وإنتاج جديد للإيثانول.
ولا يفوتنا أن ننبه أن الإيثانول يحتوي على الأوكسجين، أي أنه يمكن اعتباره مادة أوكسجينات (يملك من الأوكسجين ضعف ما تملكه مادة MTBE)، إضافة إلى أنه يملك رقم أوكتان عال نسبياً يصل إلى 115.
إذن من وجهة نظر علمية بحتة يمكن استخدام الإيثانول كخليط للجازولين لرفع الأوكتان ولإتمام عملية الاحتراق في المحركات، وهاتان الخاصيتان هما المطلوبتان لتلبية قانون الهواء النظيف الأمريكي.
كل هذا شكل هدية لمعظم الولايات الأمريكية التي فكرت في حظر استعمال مركبات الإيثر في الجازولين، وخاصةً تلك التي تقع في الوسط الغربي الأمريكي، حيث تزدهر صناعة الذرة، ما يعني أن طفرة في الطلب على الذرة قادمة لتلبي صعود الطلب على الإيثانول ليحل محل مركبات الإيثر. والطريف في الأمر أيضا أن بعض هذه الولايات سارع إلى حظر هذه المركبات دون أن يكون يستخدمه أصلاً.
ولربط صناعة الإيثانول بقرار حظر مركبات الإيثر، نرى مثلاً أن هذا الجدل بدأ في كاليفورنيا عام 1999 وبحلول 2002 تم افتتاح أكثر من 25 مصنعا للإيثانول غير التوسعات الكبيرة في المصانع الموجودة أصلاً، ما زاد إنتاج الإيثانول ليصل إلى مليار جالون سنويا.
ويرى المراقبون أن إنتاج الإيثانول قد زاد 60 في المائة بين عامي 2002 و2005 في الولايات المتحدة بشكل عام، وفي الوقت ذاته بدأ اضمحلال صناعة واستهلاك مركبات الإيثر في الولايات المتحدة. وأدى هذا التغير الاستراتيجي إلى خسارة كثير من الشركات العالمية التي تصدر مركبات الإيثر للولايات المتحدة، وهذا أيضاً أدى إلى ظهور بعض الحساسيات بين مزارعي الذرة وصنّاع مركبات الإيثر في أمريكا وكندا، وكل يدافع عن منتجه، حتى أن شركة كندية رفعت قضية على ولاية كاليفورنيا تتهمها بالتسبب في خسارتها الكبيرة دون أساس علمي وصلب، حيث ترى هذه الشركة أن حظر مركبات الإيثر في كاليفورنيا قد تم على أساس دراسة لجامعة في كاليفورنيا والتي قام بها بعض الطلاب مع أساتذتهم والتي كانت الشرارة الأولى لهذا الجدل حول هذه المركبات، وبناءً عليه فإن هذه الشركة الكندية ترى أن هذا لم يكن كافياً للقيام بهذا القرار الكبير والاستراتيجي، وهو التحول إلى الإيثانول. وكان على المسؤولين في كاليفورنيا تفقد خزانات الوقود والتأكد من استخدام مواد تمنع من تسرب مركبات الإيثر بدلاً من حظرها الكامل، هذا عدا أن البحوث العلمية لم تثبت مدى خطورتها كمادة سامة أو مسرطنة، حيث إن كثيرا من المنظمات الصحية العالمية ترفض إدراجها في قائمة المسرطنات.
وهنا يرى البعض أن قرار والي كاليفورنيا السابق بحظر مركبات الإيثر واستعمال الإيثانول بديلا كان يهدف إلى استرضاء شريحة كبيرة من مزارعي الذرة الذين يشكلون قوة انتخابية كبيرة. وبعد الحظر بدأ خلط 900 مليون جالون من الإيثانول مع 15 مليار جالون من الجازولين سنويا. والطريف في الموضوع أنه فقط 1 في المائة من هذا الإيثانول (خمسة إلى عشرة ملايين جالون) تأتي من مزارع كاليفورنيا، الذين يرون أن هناك منتجات أخرى أكثر ربحية من زراعة الذرة، فازدهرت مزارع الوسط الغربي الأمريكي فقامت بإمداد الذرة المطلوبة لمصانع الإيثانول في كاليفورنيا، وبالتالي يفهم موقف ولايات الوسط الغربي الأمريكي من مركبات الإيثر والإيثانول.

الأكثر قراءة