متى نرى الحلول المتكاملة والشاملة للاقتصاد الوطني؟
عندما نسمع عن أية مشكلة اقتصادية أو جزئية في قطاع ما في معظم دول العالم المتقدم نجد أن تلك المشكلة لها ارتباطها المباشر أو أحيانا غير المباشر بالقطاعات الأخرى وبالأوضاع الاجتماعية والسياسية وحركة الأسواق. فعندما ترتفع سوق العقار نجد أن سعر الفائدة يتحرك ويتأثر. وعندما تزداد معدلات البطالة أو الفقر أو التضخم نجد أن الاقتصاد العام يتأثر. كما أن ارتفاع سوق الأسهم أو انخفاضه يؤثر أيضا. بينما نحن في اقتصادنا لا نرى أي نوع من الارتباط أو التأثير بين قطاعاتنا الاقتصادية. ونترقب شهرياَ احتمال تغير سعر الفائدة كرد فعل للتحكم في تلك التأثيرات. حتى ارتفاع أسعار النفط يؤثر على اقتصادات جميع الدول، بينما اقتصادنا قد يتراجع جراء ذلك. شركات خاسرة في سوق الأسهم ومع ذلك ترتفع أسعار أسهمها. أسواق العالم لها مؤشرات وأساسيات اقتصادية واضحة ومعلنه شهرياَ وأسبوعيا مثل معدلات التضخم والبطالة وثقة المستهلكين في السوق معدل الناتج القومي (ربع سنوي) وتصاريح البناء ومعامل أسعار المنتجين ومبيعات التجزئة. بينما نحن لا نرى تلك المعدلات ولو وجدت فإنها ليس لها أي تأثير على الاقتصاد وحركة الأسواق. وقد يكون أهم الأسباب أن تلك الاقتصاديات لديها نظام ضرائبي مربوط بمراكز معلوماتية وأرقام بطاقة الهوية لكل مواطن أو منشأة تربط جميع المعلومات عنه سواء الدخل أو الحسابات البنكية أو الصادرات والواردات أو ما يتسلمه من الضمان الصحي أو الاجتماعي. وهذه المعلومات يمكن فحصها وإعادة تشكيلها لكشف أي تلاعب أو تضارب.
هل نحن نعيش اقتصادا غير مترابط ومبعثر الأشلاء. وكل جزئية فيه ليس لها ارتباط بالآخر مما يوحي بأننا أمام اقتصاد حي ولكنه مصاب بالشلل أو يزحف زحفاَ. ويعتمد تشريعات ولكن ليس لديه القوة التنفيذية لتطبيقها. مثل الازدواجية في تنفيذ العقوبات على بعض المقترضين وبواسطة كروت الشراء من البنوك وعدم تسديدهم ديونهم، والذين يلجأون إلى الشرع بحجة أن ذلك نوع من التعامل غير الشرعي. أو عدم حماية المستثمر في العقار بعدم تنفيذ الحكم في إخراج المستأجر. أو تأخير القضاة بعض القضايا لسنوات. والأمثلة كثيرة.
أرى أننا في حاجة ماسة لنوع من التخطيط الاستراتيجي والتنسيقي لوضع نظام وطني شامل ودستور متكامل الحلقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يكون هو العمود الفقري لجميع الأنظمة والقرارات ويضمن ترابط تلك الأنظمة وردها على بعضها بعضا هو إحدى السمات المفقودة لدينا. وهو مفهوم له أهميته في تشخيص المشكلة ومدى التوفير المتضاعف والمتشعب للدولة والمواطنين. فالتخطيط لإيجاد النظام الشامل هو سلسلة من الأنشطة والخطوات التي تسير وفق برامج زمنية اقتصادية واجتماعية وسياسية مترابطة مع قاعدة معلومات مترابطة وموحدة بهدف الحصول على تكامل اقتصادي مربوط بشقيقتيه الأخريين الاجتماعية والسياسية بهدف بناء اقتصاد ومجتمع حضاري متناسب مع المعطيات الوطنية وتقاليد المجتمع وطموحاته السياسية. وهو علم متشعب ومترابط ويزعم كل أنه يعرفه بينما لا يفهمه إلا القليل. بل إن الكثير من المسؤولين يجهلون مفهوم التخطيط ويخلطون بين مفاهيم التخطيط وأنواعه المختلفة. فهناك فرق كبير بين التخطيط الوطني (القومي والمحلي) National Planning وتخطيط المناطق Regional Planning والتخطيط العمراني Urban Planning. فالأول وهو رسم سياسات مستقبليه مبنية على أسس ومتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية وخارجية ومبنية على احتمالات وتوقعات مستقبلية ومحاولة التنبؤ بالتأثيرات المستقبلية وكيفية تجنبها للنهوض بالناتج القومي. وهذا ما تقوم به وزارة التخطيط مثل إصدار الخطط الخمسية. بينما التخطيط للمناطق والعمراني يرتبطان بالعمران والبيئة الحضرية وهو مبني على متغيرات التخطيط الوطني المحلية وهو ما تقوم به وزارة الشؤون البلدية والقروية مثل مخططات المدن والنطاق العمراني.
وهو نظام مرتبط بمفهوم التخطيط الشامل والمتكامل، إضافة إلى دوره وأهميته كنظام للدولة فهو أداة لتحديد نقاط الضعف والعيوب وكشف بعض المشاكل الظاهرة التي تقبع وتختبئ في مواقع لا نراها. فعلى سبيل المثال مشكلة الاختناقات المرورية نعتقد أنها مشكلة المرور أو وزارة النقل أو الأمانة. بينما قد يكون الحل لدى وزارة التربية والتعليم. وأن ما يعانيه الجميع من مشاكل ازدحامات المرور إضافة إلى إرهاقه وتكلفته لميزانية العديد من الجهات الحكومية مثل المرور والنقل والأمانة والصحة. ويعاني منه المواطنون بسبب الحوادث والخسائر البشرية والتلوث البيئي. فلو جمعنا تلك الميزانيات من كل جهة حكومية وأعطيناها وزارة التربية والتعليم وصرفنا جزءا منها على المشكلة الحقيقية وهي تقاعس وزارة التربية والتعليم في العقود الماضية في التوفير غير المصيب لميزانيات التعليم بدلاَ من الرفع من مستوى المعلمين ومباني المدارس الحكومية العامة داخل الأحياء كماً وكيفاً. وبحيث يمكنها منافسة المدارس الخاصة أو على الأقل أن يكون هناك مستوى مغريا يشجع سكان الحي لتسجيل أبنائهم في مدارس الحي. وبذلك سيقوم الطلاب والمعلمات بالمشي إلى المدارس القريبة من منازلهم داخل الحي. أو على الأقل سيكون بمقدور الأب أن ينزلهم على طريقه للعمل إذا كانوا في الحي نفسه. بدلاً من مزاحمة الآخرين في ساعات الذروة صباحاً وظهراً لتوصيل أبنائهم إلى مدارس خاصة في أحياء بعيدة لخف جزء كبير من الازدحامات والحوادث المرورية التي أيضا تكبد المرور ووزارة الصحة تجهيزات مكلفة لمعالجة المصابين ومشاكل التلوث البيئي. إضافة إلى أن هذا الحل له تبعيات إيجابية لا تحصر أهمها التوفير في الإنفاق القومي بتقليص الاعتماد على السائقين ومشاكل تلك العمالة ومصروفاتها وأمراضها على المجتمع. وتقليل استيراد السيارات وتخفيف نسبة الحوادث والوفيات والتلوث. كما أن الإنفاق في التعليم والصحة له فوائده غير المرئية حالياَ ولكنها مثمرة مستقبلياَ لبناء جيل المستقبل.
لذلك فإن وجود نظام شامل سيساعد على كشف تلك الثغرات وهي كثيرة وتشمل ازدواجية تقديم الخدمات الطبية بين وزارة الدفاع ووزارة الصحة أو ازدواجية تقديم الدراسات الجامعية بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل ممثلة في التعليم الفني.
وإيجاد مثل هذا النظام يكون مربوطا بأحد الأنظمة المتكاملة التي تربط حلقاته مثل نظام الضرائب (نظام إسلامي مركب من الزكاة والأوقاف والخراج والرسوم) الذي يشكل أهم الأنظمة التي توفر معظم المعلومات عن المواطن والشركات والدخل العام ومنها تشتق جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد يكون العائق لمثل هذه الحلول هو مركزية وزارة المالية التي حتما سيعالجها النظام الشامل فنحن دخلنا اتفاقية التجارة العالمية التي ستجبرنا على ذلك شئنا أم أبينا. فلماذا لا نهيئ أنفسنا لذلك.