فقه الخير
تقرأ في مدارس النظر جدلاُ في رسم الخير وماهيته وتجد في أروقة تلك المدارس والنظريات محاولات متعددة في رسم هذا المفهوم. ومن الحقائق الأولى في الحكم أنك لا تستطيع إعطاء حكم موحد الدرجة يطول تلك النظريات والمحاولات. لكننا في قراءة معنى الخير في الشريعة وحقائق الإسلام نجد رسما فاضلا يتعذر على محاولة أو نظرية بشرية أن تحافظ عليه وتحيط به، وتقرأ في نصوص الكتاب والسنة حديثاٌ كثيرا عن الخير ومقاماته وأنه أبواب من الفضل والإشراق بالصدق والبر والعدل. وهذا قدر من كمال الشريعة وتمام الحكمة المحمدية التي أوتيها الرسول عليه الصلاة والسلام وقد أوتي جوامع الكلم في الإبانة عنه، فضلا عن كلمات القرآن المنزل عليه. وتقرأ في قول الله سبحانه "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" فهذا السياق من كلام الله سبحانه فيه إبانة لنظام الصلة بين الإيمان وبركات الفتح الإلهي وهذه الصلة الحية هي انعكاس لمعنى الخير وماهيته في النفس البشرية بل وآثار ذلك في الأرض التي تتحرك فيها مواد من الشر والفساد كما في حقائق القرآن، وقول الله "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ......."، وتحت هذا فإن النفس المؤمنة مطالبة برعاية الخير ومادته والحركة به تحت فهم واسع لماهيته وآثاره يقوم به حفظ حق الله سبحانه بعبوديته، وحقوق الناس، وتعامل معتدل مع الحياة وحركتها. فإن حياة الإنسان في الأرض لم تكن مادة محضة من الخير أو مادة محضة من الشر. والإنسان فاعل في هذا وهذا وسنن الله الشرعية والكونية تفتح للنفس أبواب الخير.
ونواميس العدل والفطرة شاهدة في هذا. إننا ندرك أن تلك النظريات البشرية المحضة حين ترقى محاولتها في رسم ماهية الخير ونظامه لا تصل إلا إلى مفهوم مثالي لا يقبل الحركة والواقع، فضلا عن نقص حاد في التصور لأصول الخير الأولى المتمثلة في الدين وأثره في طمأنينة الإنسان وتكوين عدالته وانضباطه.
إن هدا الدين الخاتم دين الإسلام باب واسع من الفضل وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام أتم حكمة أوتيها نبي. وفي قواعد بناء النفس وصناعة الخير حتى في كلمات الإنسان يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح :(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) فترى هذه الصلة بين الإيمان والخير: فالخير حركة إيمان وأثر عنه.
والنفس المؤمنة نفس خيرية وهذا معنى أن عبادا لله كتب في سابق القدر أنهم من أهل السعادة كما في الأحاديث الصحاح من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الهادي.