سلوكيات وازدواجية اجتماعية لا تبشر بتكاملنا الاجتماعي
غريب هو هذا النوع من النفاق والازدواجية الاجتماعية لدى البعض منا فهم تراهم عند الانصراف من محاضرة أو مناسبة ما يتجمهرون عند باب الخروج أو الدخول ويُلِّحون (تفضل أنت لا تفضل أنت) أو يصرون على السماح وإعطاء الفرصة مجاملة للآخرين للدخول أو الخروج أولا. صورة جميلة ولكن تتبع ذلك صورة مناقضة حيث ترى المجموعة نفسها بعد لحظات وعند أقرب إشارة مرور تتحاسد وتتضارب أو تتسابق ويدخل بعضهم على مسار غيره للخروج أولا. هذا المشهد يتكرر كثيراَ فهل هو نوع من النفاق أو المرض الاجتماعي؟ السؤال سيجيب عليه علماء الاجتماع.
الصورة أو المشهد التالي هو مجموعة من المواطنين المسلمين الذين أوصوا بالجار حتى سابع جار وأنه قد يورثه، بينما نجد أن مدننا قد تكون الوحيدة في العالم التي تجد فيها الأسوار والسواتر العالية فيها لمنع أو فض الاشتباك. فكيف كان الصحابة يعيشون في خيام وعشاش دون أسوار؟ وكان إيمانهم بمبدأ غض النظر عن محارم إخوانهم هو ديدنهم، وهل هذه الظاهرة حديثة علينا وسببها تضخم المدن وفقدان الثقة بالجار؟
وتتوالى المشاهد لترى الناس حتى في بر وصحراء الله الواسعة يتباعدون مئات الأمتار خوفاَ من أن يكشفهم أو يراهم الآخرون.
ونرى الناس يشتكون من مشاكل المرور والحوادث بينما يقوم البعض بإعطاء السيارات لأبنائهم الطائشين ليعيثوا في الأرض فساداَ ويقتلوا العوائل وكبار السن على الطرقات ويعاكسوا ويضايقوا خلق الله إضافة إلى ما يسببونه من ازدحامات واختناقات مرورية. وفيك الخصم والحكم!
ونجد بعض الآباء يفتخرون بالمعاصي وبتمويل وإعطاء مصاريف لأبنائهم للسفر للخارج والسماح لهم ببعض أنواع الفساد بينما لا يسمحون لبناتهم حتى بالخروج إلى الشارع أو أقاربهم. فهل الدين حكم على البنات فقط؟ ومتى كان هناك هذا النوع من التفرقة في الدين بين الرجال والنساء والازدواجية بين الزوج والزوجة؟ فالزوج يسمح لنفسه بالسفر وارتكاب بعض المعاصي ويتوقع وينتظر من زوجته ألا تسير على الدرب نفسه؟ تناقضات اجتماعية كبيرة ونفاق وازدواجية في السلوكيات تدعو للتساؤل عن مدى جاهزيتنا للتلاحم الاجتماعي والتكاتف للوصول إلى المدينة الفاضلة.
يلجأ الكثير منا للسفر إلى دول خارج المملكة هروبا من تلك البيئة ولكننا نفاجأ بأن تلك الدول سواء عربية أو أجنبية لا تختلف فيما لديها من مناطق ومراكز سياحية أو ترفيهية سواءَ من مبان أو أسواق أو فنادق عما تزخر به مدن المملكة. ولكن الشيء الوحيد الذي نفتقده هو تعاملنا واحترامنا وحبنا كمواطنين لبعضنا البعض ولإخواننا من الدول الصديقة وافتقادنا لاحترامنا للأنظمة والقوانين. وحبنا للتدخل في حريات وخصوصيات الآخرين!َ وكأننا أوصياء عليهم؟ هل نسينا الآية الكريمة "ومن شر حاسد إذا حسد"؟ وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن ، فإن الظن اكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
ولماذا نهرب ونختبئ أو ننعزل عن بعضنا ونكره أن يرانا أو يقترب منا إخواننا حتى في صحراء الله الواسعة تجدنا لا نتحمل أن يحل أحد حولنا. بينما نجد هؤلاء المواطنين أنفسهم خارج المملكة يتمسكون بالنظام ويحترمون ويتزاحمون لمخالطة غيرهم فسبحان الله!
ثم تتكرر المشاهد حتى تصل إلى براميل النفايات التي يقوم كل برميها وأبعادها عن باب بيته ويزاحم بها جاره. أو من يبني بيتاَ يكلف الملايين ويدفع رواتب الخدم والسائقين ولكنه يبخل على جيرانه بتنظيف الرصيف أمام بيته أو ينتظر الدولة لتنفيذه. ونرى الفقير الذي يعترض على أقل الرسوم يجهز لزواج أبنائه قصور احتفالات ولائم وإسراف لا يعكس واقعة.
الكثيرون منا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم وأنهم يتفوقون على غيرهم وبغرور "ارفع رأسك أنت سعودي غيرك ينقص وأنت تزود". فمتى نتغير ونصلح هذا الخلل الذي يكلفنا الكثير من البلايين من المدخرات التي تهاجر إلى الخارج؟ ومتى نقدر أهمية احتواء هذه الأموال لتدور داخل الوطن ولننتفع بها في القضاء على البطالة والفقر؟ فالله لا يصلح قوماً حتى يصلحوا ما بأنفسهم.
التوعية باحترام الآخرين وحب بعضنا البعض وعدم التدخل في حرياتهم الشرعية واحترام الأنظمة هو مظهر حضاري ينبع من ديننا الحنيف وتعاليم الشريعة وهو دافع كبير للتحول إلى السياحة الداخلية وللتعايش داخل الأحياء السكنية والتي تعتبر شريانا اقتصاديا مهما. إننا نفتقد وجود الروابط الاجتماعية بيننا كسعوديين ونحاول أن نختبئ أو ننعزل عن الآخرين بدلاَ من التلاحم والتقارب وحب بعضنا البعض. وهذا التلاحم لن يعيش دون دور الإنسان الواعي لخلق الأجواء المثالية.
إن أفضل نعمة من بها على المواطن هي نعمة الوعي الديني والحضاري والإحساس بالمسؤولية، وهي تختلف عن التعليم. والانطباع الخاطئ أن كل متعلم أو حاصل على شهادات علمية عليا يعتبر واعياً في سلوكياته مع إخوانه وأبناء جلدته ومجتمعه. لقد أصبح بعض مواطنينا ضحية لتركات التخطيط والاستعمار الأجنبي الذي طمس شخصية كل منهم خلال العقود الماضية. وهي فترة عانى منها المواطن وسلب منه كل شيء حتى الأخلاقيات التعاملية الحضارية بينه وبين إخوانه وعائلته، وأصبح بقايا إنسان لم ينفعه حتى تحصيله العلمي سواء في عدم احترام صلة الرحم أو الآخرين وحقوقهم أو أنظمة المرور والتهور الذي يسبب خسائر بشرية هائلة أو عدم التعاون في خلق روح التكامل الاجتماعي. وما زالت بعض العصبيات مخدوعة في أمرها، فكل مجموعة بيئية مهما بلغت من التخلف أو الجهل تعتقد أنها أفضل وأسمى من جيرانها وهذا هو عين التخلف الحضاري والديني. فمتى يعي المواطن تقدير النعم التي حباه الله إياها بدلاً من النفاق الاجتماعي والإسراف والبذخ الذي يخالف تعاليم ديننا الحنيف؟ هذه الخصائص هي أساس الدين المعاملة فماذا تركنا لإخواننا المسلمين في أنحاء العالم الذين نعتقد إننا أفضل منهم؟ وماذا اعددنا لتوعية المواطن للتحول من الحضارة الأسمنتية إلى المدنية وأسلوب التعامل الحضري مع البناء والمدينة والنسيج العمراني والاجتماعي للمدينة وللإسهام في عملية التخطيط وإحساسه بالمسؤولية في العملية الإحصائية. وأن نخلق روح التآلف فيما بيننا للتعايش سوية في الحي الواحد وإسدال الروح الاجتماعية بين أسرنا للتعارف والتقابل في حدائق الحي والساحات العامة في المدينة بدلاً من رفع الأسوار وبناء السواتر فيما بيننا. آمل ألا أكون مخطئاَ في تصوري هذا قدر ما آمل أن تختفي هذه الظواهر والسلوكيات.