محسّنات احتراق البنزين .. من قمة الازدهار إلى تلوث المياه!
يتم إنتاج الجازولين في المصافي وذلك بتكرير الخام الذي يتكون بدوره من عشرات الآلاف من المركبات الكيماوية ذات الخواص الفيزيائية المختلفة. وتعتبر درجة الغليان المختلفة للمشتقات النفطية من أهم هذه الخواص.
ويمثل إنتاج ما يسمى النافثا، التي تنتج من برج التقطير الجوي، حيث تغلي مركباتها بين 50 و200 درجة مئوية، الخطوة الأولى في إنتاج الجازولين، وهنالك أيضا أبراج التقطير الفراغي التي تنتج المزيد من النافثا.
ومن الجدير بالذكر أن كمية النافثا المستخرجة من الزيت الخام بواسطة أبراج التقطير تعتمد اعتمادا كليا على نوع الزيت الخام المستخدم. ويعرض الجدول بعض أنواع الخام السعودي وكميات الكبريت، إضافة إلى نسبة النافثا الناتجة عن تقطير كل نوع.
ومن الواضح أنه كلما خف الخام علت جودته (الكثير من النافثا والقليل من الكبريت) وبالتالي زاد ثمنه. وكما هو مبين في الجدول فإن للنافثا المنتج من هذه العمليات الأولية رقم أوكتان قليل جداً (أقل من 40) الأمر الذي لا يخوله لكي يصبح وقوداً جيداً للسيارات، وبالتالي لا بد من معالجته لرفع رقم الأوكتان إلى حدود 90، وعادةً ما تتم معالجة النافثا الثقيلة عن طريق عمليات التهذيب Reforming، حيث يحول جزء كبير منه إلى عطريات ذات رقم أوكتان عال، مع العلم أن عمليات التهذيب هذه باهظة التكلفة.
وفى المصافي الحديثة يتم إنتاج أنواع أخرى من الجازولين بواسطة عمليات التكسير وعمليات الأزمرة والأكللة، ويتم خلط هذه الأنواع المختلفة من الجازولين والنافثا الخفيفة والنافثا المهذبة في مكان واحد ليتكون ما يسمى الجازولين (عادة ما يتكون من مركبات تحتوي ما بين أربع ذرات إلى 12 ذرة كربون)، هذا السائل الاستراتيجي المكون من خليط من الهيدركربونات المختلفة المنتجة من عمليات معقدة وبسيطة بحسب حداثة المصفاة.
من أبرز عيوب هذا الجازولين المنتج من المصافي ما يلي:
أولاً: قلة رقم الأوكتان، مما يسبب اضطرابا في عمل محرك السيارة. ومعلوم أنه بزيادة رقم الأوكتان يتحسن أداء المحرك وتقل الخلخلة فيه.
ثانياً: أن محرك السيارات قد لا يحرق هذا الجازولين كلياً وإنما جزئيا، ومن المفيد الإشارة إلى أن الاحتراق الكلي ينتج ثاني أكسيد الكربون، بينما الاحتراق الجزئي ينتج عنه أول أكسيد الكربون الضار لصحة الإنسان ولبيئته، إذ إن وجود مركب أول أكسيد الكربون في الجو مع ضوء الشمس والحرارة (خصوصاً في الصيف) ينتج عنه تكوين مركب الأوزون المسؤول عن ثقب الغلاف الجوي.
نخلص من ذلك إلى أن الاحتراق الجزئي لمحرك السيارات ذو أثر شديد الضرر. ويجب منعه بشتى الوسائل لما يسببه من التلوث الجوي، إضافة إلى اضطراب عمل المحرك.
في هذا السياق وجد أن إضافة بعض المواد المحتوية على عنصر الأوكسجين (أوكسجينات) للجازولين يمكن أن يؤدى إلى إتمام عملية الاحتراق فيخفف إنتاج أول أكسيد الكربون. وقد تبين أيضا أن لهذه الأوكسجينات رقم أوكتان عاليا، ما جعل خلطها مع الجازولين سبباً لرفع رقم الأوكتان بشكل عام، الأمر الذي من شأنه أن يجعل محرك السيارة يعمل بانتظام ودون اضطراب، وعندئذ يمكن القول إن إضافة الأوكسجينات للجازولين أدى إلى رفع رقم الأوكتان وحسن احتراقه، أي زادت جودة الجازولين وخصائصه.
وفى السياق نفسه تعتبر مركبات الإيثر (أهمها مادة MTBE) والكحوليات (أهمها مادة الإيثانول) من أهم الأوكسجينات التي تخلط مع الجازولين بنسب مختلفة. ويتم الحصول على مادة MTBE عادة بتفاعل الميثانول والأيزو بيوتين (ما يعنى أن هذه المادة تصنع من مواد أحفورية غير متجددة من غاز طبيعي وغازات أخرى) وبدأ استخدامه في الولايات المتحدة عام 1979م بشكل محدود كرافع للأوكتان بدل الرصاص المثير للجدل في تلك الأيام. وأما الكحوليات أو الإيثانول تحديدا فتنتج من النباتات (كالذرة وقصب السكر) أي أنها تصنع من نباتات حيوية ومتجددة ما يجعلها في وضع أفضل من وضع مركبات الإيثر. وتشهد صناعة الإيثانول في الوقت الحالى ازدهاراً، وتعتبر البرازيل والولايات المتحدة والصين وبعض دول أوروبا الغربية دولا رائدة في تصنيعه.
وفي عام 1990م أقرّ الكونجرس الأمريكي قوانين الهواء النظيف التي تطلب بشكل مباشر إضافة الأوكسجينات للجازولين للتقليل من انبعاث الملوثات، وخاصة أول أكسيد الكربون وأكسيدات النيتروجين. وحدد هذا القانون نسبة الأوكسجين بما لا يقل عن 2 في المائة من مكونات الجازولين، أي ما يعادل نحو 11 في المائة من مركبات الإيثر (أهمها MTBE) أو 6 في المائة إيثانول.
إذاً للاستجابة للقوانين الأمريكية بشأن تنظيم خواص الجازولين RFG لا بد من خلطه بأحد هذه الأوكسجينات لينتج ما يعرف بـ RFG أو الجازولين المعدّل، وبدأ صناع الجازولين في الولايات المتحدة استخدام مركبات الإيثر أولا، وقاموا بخلط ما نسبته بين 10 و15 في المائة من هذه المركبات في الجازولين، وعندئذٍ حدثت نهضة وقفزه في صناعة مركبات الإيثر، وأصبح معظم الميثانول يستعمل في صناعة MTBE. فمثلاً زاد إنتاج الولايات المتحدة من هذه المادة بشكل غير مسبوق، ففي عام 1990 انتجت أمريكا نحو 83 ألف برميل MTBE، يومياً وزاد هذا الإنتاج 100 في المائة عام 1994م ليصل إلى أكثر من 160 ألف برميل يومياً. وفي عام 1999م قفز الطلب الأمريكي من MTBE ليصل إلى نحو 300 ألف برميل يومياً.
وبناءً على الطلب العالي والعالمي على هذه المادة، تم استثمار الملايين من الدولارات لتصنيعها في كندا والخليج العربي وأوروبا وكثير من بقاع العالم، وازدهرت هذه الصناعة بسبب حاجة العالم لهذه المادة التي من شأنها تقليل انبعاث الملوثات من عوادم السيارات.
وأيضاً يجب ألا ننسى أن MTBE تشكل ما نسبته بين 10 و15 في المائة من الجازولين إذ من شأنها تخفيف تركيزه، وبالتالي تأثير المواد الضارة للصحة والبيئة الموجودة أصلاً في الجازولين كالبنزين العطري والكبريت على سبيل المثال.
وتساعد نسبة MTBE الكبيرة في الجازولين على سد النقص في هذه السلعة الاستراتيجية في الأسواق العالمية، كما أن MTBE تمتلك رقم أوكتان عاليا يقدر بـ 110، حيث تعتبر قادرة على رفع رقم الأوكتان لكل الجازولين.
وهناك أسباب أخرى جعلت صنّاع الجازولين يفضلون استعمال MTBE كمادة أوكسجينات فضلاً عن المواد الأخرى مثل الإيثانول، ومن هذه الأسباب أن خلط مادة MTBE مع الجازولين يعتبر عملية سهلة وسلسة واقتصادية إلى درجة عالية جداً. وفي خضم ازدهار صناعة MTBE وازدياد الطلب العالمي عليه سنة بعد سنة، ظهرت مشكلة تلوث مياه كاليفورنيا به، وبدأ فصل وحقبة جديدة لهذه المادة.
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران