رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل نحول مرمى النفايات إلى متنزه أم العكس؟ (1/2)

[email protected]

إن مجرد التفكير في إيجاد متنزهات على مستوى المدينة أو حتى على مستوى المملكة يعتبر ظاهرة صحية وخطوة حضارية تعكس اهتمام الدولة بالمواطن وإصحاح بيئته التي يعيش فيها من خلال زيادة الرئات التي يتنفس بها ورفع معدلات جودة الهواء النقي أمام زيادة نسب التلوث الناشئة من المسببات المختلفة في هذا العصر. وإذا ما اكتظت المدينة وأصبح عسيرا أن تتنفس من خلال رئاتها الداخلية فقد يكون في سحب السكان للأطراف (المناطق الريفية أو أطراف المدن) تغيير لنمط الحركة اليومية وإيجاد متنفس جديد يعنى بإخراج المقيم في المدينة من الضغوط النفسية التي يعايشها فيها يوميا. ولكن ما يثير التساؤلات هو أن يتحول مرمى النفايات إلى متنزه, فقد يكون التوجه مقبولا نظريا, إلا أنه نفسيا وعمليا وعلى أرض الواقع يحتاج إلى جهود كبيرة لإقناعنا بانعدام الحلول إلا من التوجه نحو هذه الخطوة وبهذه الكيفية. لقد تناقلت الصحف بل عرضت بعض القنوات الفضائية يوم السبت 4/11/1427هـ الموافق 25/11/2006م أن الأمانة في مدينة جدة تنوي تحويل مرمى النفايات إلى متنزه عائلي بعد انتقالهم إلى مرمى جديد. واستطرادا في الخبر ذكر أن المسؤولين في الأمانة كانوا يتجولون في الموقع تمهيدا لأن يكون الموقع جاهزا بعد أربعة أشهر. في الواقع لا نعلم إن كان هذا المشروع مثل غيره تم من دون سابق إعداد جيد وتخطيط شمولي, إلا أننا نعلم أنه لم يتم إثراء التوجه نحو هذه المشاريع بطرحها المسبق للنقاش والتعرف على آراء سكان المنطقة أو القريبين منها أو إدلاء أهل الاختصاص وذوي الخبرة والمفكرين بمرئياتهم للإفادة منها, ولضمان عدم تعثر المشروع في أي مرحلة خلال تنفيذه أو العزوف عن ارتياده بعد الانتهاء منه. لقد لاحظْت أن قرارا مثل هذا تم التوجه له في عدة مناطق أخرى مثل الرياض والقصيم وحائل وها هي منطقة مكة المكرمة, ولكن لا تتوافر أي إحصائيات أو معلومات أو مرئيات عن نتائج التوجه لمثل هذه المشاريع، وهل تم فعلا تحويلها إلى مساحات خضراء تسر الناظرين أو أماكن ترفيهية يمكن للأُسر أن تقضي فيها وقتا للترويح عن النفس وتَقبّله المواطن فحافظ عليه أم عزف عنه وأهمله لأي سبب كان؟
كخلفية علمية, فالنفايات أنواع وما يهمنا منها هنا هو الممرض أو المعدي, ففي معظم المدن توجد مكبات غير نظامية, وما احتوى على المخلفات الطبية ينبئ بخطورة كبيرة على مستوى الصحة والبيئة. فالنفايات الطبية مثلا من المشاكل الخطيرة التي يترتب عليها أضرار بيئية وصحية تصاحبها حتى بعد التخلص منها بالطرق التقليدية المعروفة. وهي إما أن تكون معدية وهي التي يُحتمل أن تنقل مسببات الأمراض المعدية مثل البكتريا أو الفيروسات أو الفطريات أو الطفيليات, أو أن تكون كيماوية وهي صلبة أو سائلة أو غازية خطرة أو غير خطرة, أو أن تكون سامة. كما توجد أيضا نفايات الأدوية والعقاقير واللقاحات والأمصال وقواريرها المستخدمة. أما النفايات غير الطبية مثل مخلفات الصرف الصحي والمنظفات الكيميائية, فهي تسبب على سبيل المثال تلوث الماء بالعديد من الملوثات المختلفة مثل الجراثيم أو المسببات المرضية المذكورة سابقا, وتزيد نسب بعض العناصر المعدنية مثل: الرصاص والزئبق والكلور التي تعد من أهم المشكلات التي تواجه المتخصصين في مجال البيئة، ذلك لأنها ذات أضرار صحية بالغة على صحة الإنسان, وقد تفاقمت هذه المشكلة للتطور السريع في المجال الصناعي. كما أن هناك نفايات حادة تشمل هذه الفئة من النفايات المواد ذات الحواف الصلبة والحادة والتي لو كان بينها زجاج فقد تتسبب في حرائق، الأمر الذي يغيب عن عامة الناس. أما من ناحية التربة فقد سجلت مخاطر كالانهيارات نتيجة تحلل التربة وعدم ثباتها, واحتمال انبعاث غازات وروائح من الموقع, ووجود فراغات بين طبقات الطمر تؤدي إلى تحلل بعض هذه النفايات مما ينتج عنها تسرب مياه قد تكون بؤرا مناسبة لتوالد البعوض. ناهيك عن الناحية الجمالية فبما أنه لوحظ في وسط الحدائق وبعض متنزهات المدن بعض الرجيع والخرد القديمة ملقاة بطريقة عشوائية تعكس منظرا غير حضاري, وفي جدة تتوافد الفئران لمنطقة كورنيش البحر بشكل يمنعنا من الاقتراب من تلك المنطقة فكيف بمنطقة برية وبعيدة عن المدينة مثل التي نتحدث عنها؟!
في الواقع لا توجد إحصائية سابقة عن الأضرار والمشاكل البيئية في المناطق التي تحولت إلى متنزهات بعد أن كانت مرمى نفايات, كما لم أطلع على خطة وآلية تنفيذية لكيفية تلافي المخاطر لو ظهرت فيما بعد. أملنا في الجهات المسؤولة عن البرنامج مثل وزارة الصحة المسؤولة صحيا, والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة المسؤولة عن ترخيص شركات نقل ومعالجة النفايات الطبية، والأمانة المسؤولة عن إصدار وتنفيذ العقوبات. والدفاع المدني المسؤول عن التعامل مع الحرائق والانفجارات والتسربات الكيميائية, ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية المسؤولة عن النفايات المشعة والتخلص منها ومراقبة المنشآت المستخدمة لها, أن ينسقوا فيما بينهم لإصدار نشرة بيئية عن وضع مثل هذه المشاريع ومستقبل هذه المناطق ومن ثم مناقشة المشروع في الغرفة التجارية في المنطقة أو عبر ندوات خاصة تعقد في الصحف المحلية يدعى لها مختلف المختصين والكتاب والمفكرين لإثراء الموضوع بالحوار. في تتمة الحديث سأستعرض أهم الموجهات والمحاذير التي ستوضح للقطاعين العام والخاص كيف يفكر المواطن حيال هذه المشاريع. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي