رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دور القطاع الخاص في التنمية المستدامة (2 من 2)

[email protected]

كنا قد ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي مقدمة عن دور القطاع الخاص في التنمية، وذكرنا بعض التجارب والأمثلة للشراكة بين القطاع الخاص والعام، وكذلك ذكرنا أسباب عزوف القطاع الخاص عن المشاركة الفعلية عن العملية التنموية واستدامتها, وتوقفنا عند مدى حاجة الدولة إلى الدعم المادي من القطاع الخاص؟
إن العامل المادي يعتبر من المعوقات النظرية في بناء الشراكة إلا أنه لا ينطبق على المملكة في الوقت الحالي، فالدولة في ظل الزخم الاقتصادي تستطيع المساهمة في تأسيس منشآت التنمية المستدامة لفترة محدودة وبعد استقرار تلك المنشآت تترك هذا الدور كاملاً للقطاع الخاص، والهدف هنا هو لتأكيد دور الدولة في ترسيخ مبدأ الشراكة في ظل مناخ اقتصادي صحي وضمان الاستدامة حتى بعد انسحاب الدولة من تلك المنشآت.
إن حاجة التنمية إلى القطاع الخاص في المملكة في هذا الوقت بالتحديد ليست حاجة مادية بحتة، ليست حاجة إلى أموال القطاع الخاص فقط، بل إن حاجة التنمية للقطاع الخاص هي الحاجة إلى مفردات القطاع الخاص في العمل وإلى تنمية الاستثمارات بما يتناسب مع معطيات المرحلة وفرص النجاح. إن الحاجة للقطاع الخاص في التنمية تكمن في آليات العمل التي يتبعها القطاع والتي ترتكز على النتائج وليس على الجهود.
إن مساهمة القطاع الخاص ورجال الأعمال فيما يخص التنمية المستدامة في بلد مثل المملكة لا تمثل بأي حال من الأحوال القيمة الاقتصادية لتلك الشركات، وكذلك لا تمثل أي قيمة مقارنة بعوائد تلك الشركات أو قدراتها على البذل والتطوير، وهنا يجب أن نبتعد عن جلد الذات وألا نضع اللوم فقط على القطاع الخاص في تخلفه الجزئي عن المساهمة في التنمية، فكما ذكرنا على بعض المعوقات التي تعترض طريق التنمية المستدامة وذكرنا منها جزءا كبيرا يتعلق بالتشريعات الحكومية التي تمثلها الوزارات المختلفة والتي بلا شك تعتبر خط الدفاع الأول عن اتهام القطاع الخاص بالتخلف عن ركب التنمية، فإن قطاعات الدولة ذات العلاقة بالتنمية وعلى رأسها وزارة الاقتصاد والتخطيط يجب أن تلعب دورا في حث القطاع الخاص السعودي على لعب دور أكبر في هذه التنمية، وكذلك ألا نكتفي بالدراسات والخطط التي يكون مكانها النهائي الرفوف التي لم ينفض غبارها لسنوات طويلة وانتهت الكثير من الدراسات لتكون حبيسة المكاتب والمستودعات وكأنها من مخطوطات القرون الماضية.
إن صندوق الفقر الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين وتمثله وزارة الشؤون الاجتماعية يمثل فرصة رائعة لتطبيق مفهوم الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين الخاص والعام بما يعود بالنفع على المجتمع ككل. إن الشراكة تستطيع أن تحول صندوق الفقر إلى "مصرف الملك عبد الله للتنمية"، بحيث يكون نواة للعمل المؤسساتي الاحترافي عن طريق حث البنوك المحلية للعمل جنبا إلى جنب مع توجهات وزارة الشؤون الاجتماعية فيما يخص صندوق الفقر لتحويله إلى مؤسسة إنمائية تضمن الاستدامة للعطاء وكذلك تسهم في خلق مناخ جديد لدعم المحتاجين ليدعموا أنفسهم ويدعموا الاقتصاد والوطن، فالحاجة اليوم إلى البعد عن العطاء المرحلي إلى العطاء المستدام، وحين نقول المستدام فإن ذلك يعني الاستدامة في العمل على جميع النواحي ومنها توسيع الطبقة الوسطى في المجتمع بنقلهم من مرحلة الحاجة إلى مرحلة الإنتاج والمشاركة في البناء.
إن الحاجة إلى دفع البنوك المحلية إلى لعب دور محوري في عملية التنمية في ظل ما تنعم به من مقدرات وأرباح سببها الوحيد هو المواطن السعودي، يجعل من موضوع مساهمتها في التنمية هو أمر محسوم وحيوي وهي التي نعمت وما زالت تنعم بالكثير على حساب المجتمع، واليوم يجب أن تشارك البنوك في العملية التنموية وأن تستقبل مبادرات الشراكة برحابة صدر. نحن نعلم أن هناك إرادة واتجاها واضحا على أن هناك جهودا كبيرة تقوم بها الحكومة للتنمية وبحاجة كبيرة إلى خبرات القطاع الخاص لتطوير الأفكار وتحويلها إلى واقع ربحي يعود على الجميع بالنفع وكذلك وجود جهات أهلية عديدة تقوم بمبادرات مهمة للتنمية المستدامة ومنها صندوق المئوية الذي يعنى بإيجاد ودعم فرص استثمارية للشباب السعودي مروراً بالغرف التجارية في مناطق المملكة المختلفة التي تعمل على مبادرات تخدم توجه التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك فإن لدينا تجارب ناجحة في استدامة العطاء بما يعود على الاقتصاد بالقيمة المضافة من خلال بنك التنمية الصناعي على مستوى الشركات، ولدينا مساهمة المملكة في البنك الإسلامي للتنمية في سبيل دعم المشاريع الخيرية الإنمائية في الدول الإسلامية.
إن توحيد تلك الجهود وترسيخ مفهوم التنمية المستدامة تحت مظلة حكومية تقود مبادرة كبيرة مثل "مصرف الملك عبد الله للتنمية" هي بلا شك تعليق للجرس ودعم لكل الجهود الفردية التي قد تتعب أو تكل أو تفتقد للدعم المادي مما يجعلنا قد نخسر فرصة ذهبية لبناء صروح من العمل المشترك يجعل مستقبل المملكة الاقتصادي والاجتماعي مشرقا ويعطي التفاؤل باستمرار الزخم الاقتصادي.
ختاماً، إن المعوقات التي ذكرناها في ثنايا هذا الطرح، هي معوقات يسهل التغلب عليها متى ما وجدت الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم. وهنا دعوة للعمل الجماعي التكاملي بين الدولة والقطاع الخاص لتنمية مستدامة سنفخر بها خلال المدى المتوسط والطويل.
قليل مستمر خير من كثير منقطع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي