رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لكي نعيد للعملاء كرامتهم ..

[email protected]

فيما يمر القطاع الخاص في الدول المتقدمة بمرحلة إسعاد العميل ما زال القطاع الخاص لدينا لم يتجاوز مرحلة إهانة العميل، نعم ما زال معظم القائمين والعاملين في مؤسسات القطاع الخاص أيا كان مستواها ينظرون للعميل على أنه ضحية يجب استغلالها قدر الإمكان وتحقيق أعلى العائدات المالية من جيوبها بأدنى جودة وأسوأ معاملة ما دام أن هذا العميل لا حول ولا قوة له.
وانعدام الحول والقوة الذي زاد طمع مؤسسات القطاع الخاص بهذا العميل المسكين ناتج طبيعي لضعف أجهزة حماية المستهلك التي تقدم الأعذار أكثر من الأفعال، ولضعف قوى المنافسة الناتجة عن الروح الحمائية التي تنعم بها بعض المؤسسات المحتكرة وشبه المحتكرة لبعض السلع والخدمات، مما جعلها لا تخشى منافسا يدفعها نحو إرضاء أو إسعاد العميل لجذبه بتقديم الخدمات والمنتجات بأعلى جودة وبأقل الأسعار الممكنة.
وللعلم فإن الروح الحمائية الداعمة للاحتكار بجميع صوره بقصد أو بغير قصد أشد خطرا على العملاء من ضعف أجهزة الرقابة، ذلك أن الروح الحمائية تحيد قوى السوق الحقيقية المحفزة للمزيد من الابتكار والإبداع بما يعود على العملاء بما هو أفضل سواء على مستوى الجودة أو على مستوى السعر، نعم تحيدها لصالح قوة الاحتكار التي تؤدي إلى التقاعس والاستبداد، التقاعس عن الابتكار والتطوير والاستبداد في فرض الشروط التعسفية لكي يحصل العملاء على المنتجات أو الخدمات، وما مثال التطور في علاقة شركة الاتصالات السعودية مع عملائها بعد دخول شركة اتحاد اتصالات الإماراتية إلا دليل صارخ على ذلك، حيث بات العميل يحصل على خدمات أفضل وأكثر بأسعار أقل والقادم أحلى بدخول المزيد من الشركات في هذا المجال دون أدنى شك، بعد أن كان العميل يعاني الأمرين لكي يحصل على خدمات متواضعة بأسعار عالية.
ما الذي دفعني لكتابة ذلك؟ بالتأكيد السبب لا يتعلق بموقفي من رجال الأعمال، فأنا أكثر المؤيدين لتشجيع رجال الأعمال وحثهم على الاستثمار في البلاد بتوفير البيئة الاستثمارية السليمة، البيئة التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم التجارية في ظل منافسة عادلة وفي ظل تشريعات واضحة ومعلومات شفافة متكاملة وإجراءات تنفيذية مختصرة وسريعة، وبالتأكيد فإن دعمهم من خلال حمايتهم من المنافسة لا يشكل أي صورة من صور الدعم الإيجابي، ذلك لأنه دعم على حساب المستفيدين من الخدمة (العملاء) وهذا ما لا يرضاه عاقل، فالدولة تعمل على تحقيق المصالح المشتركة للأطراف كافة دون تغليب مصلحة طرف على آخر، فالكل أبناء البلاد رجال أعمال وعملاء.
إن ما دفعني لكتابة ذلك ما أراه من معاناة شديدة يعانيها المواطن والمقيم من رداءة الخدمات والسلع والاستغلال الفاحش للعملاء بشكل أصبح ممجوجا ومستهجنا وبشكل لا يمكن السكوت عنه، والأدهى والأمر إن رداءة الخدمات وصلت لقطاعات تتعلق بصحة وسلامة الإنسان وحياته كما هو حاصل الآن في الكثير من المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة التي لا ترى في المريض إنسانا يعاني مرضا لجأ إليها لكي ترحمه من وطأته فإذا به يقع تحت وطأة جشعها وافتقداها لأبسط المبادئ الأخلاقية، فهي مؤسسات لا تنظر إلا لمؤشر واحد فقط وهو مؤشر الإيرادات مقابل المصروفات دون النظر لعدد الوفيات والحالات التي ساءت حالتها المرضية أو خرجت دون فائدة تذكر، وأكاد أجزم بأنه لا يوجد أي مستشفى كلف نفسه أو كلف طرف ثالث للتأكد من مدى رضاء العملاء الذين توافدوا عليه بحثا عن العلاج.
أحد الأصدقاء يملك سيارة فاخرة تصل قيمتها نحو نصف مليون ريال يقول إنه يعاني الأمرين من الوكيل الذي لا يرى فيه وفي العملاء أمثاله إلا ضحايا يجب سلخها حتى العظام ذلك بأنهم أثرياء لديهم الكثير من المال بدليل شرائهم لهذا النوع الفاخر من السيارات، ويضيف صديقي هذا وهو يحذر الجميع من شراء سيارة مشابهة من هذا الوكيل الجشع بأنه اضطر إلى ترك سيارته لدى الوكيل لأكثر من ثلاثة أسابيع من أجل عطل بسيط جدا يحتاج إلى قطعة غيار استغرق وصولها من دولة مجاورة أكثر من أسبوعين!!!، فإذا كان هذا هو حال التعامل مع الأثرياء فما هو حال التعامل مع متوسطي ومحدودي الدخل، بالتأكيد الوضع أكثر سوءا.
ما هو الحل لنعيد للعميل كرامته أو حتى جزءا من كرامته؟ يقول لي أحد الأصدقاء إنه وبعد أن نكص وكيل إحدى السيارات في التقيد بالتزاماته تجاه صيانة السيارة التي اشتراها بأنه اضطر إلى إرسال شكوى إلى الشركة المصنعة خارج البلاد من خلال موقعها على الشبكة العنكبوتية، مما جعل الوكيل يعتذر ويقدم الخدمة المطلوبة كما ينبغي غصبا لا أدبا، وهذا يعني أنه بإمكاننا الضغط على مؤسسات القطاع الخاص لاحترام العميل من خلال تثقيف المستهلك بالجهات التي يمكن اللجوء إليها والتي تهتم برضاه وسعادته، كونه المصدر الرئيسي لدخلها، كما تشير بعض تلك الشركات في شعاراتها بقولها عملاؤنا أغلى أصولنا، نعم علينا تعريف المستهلك بهذه الشركات التي تعتني بسمعتها التي يمثلها الوكيل، وبالتالي فهي لا ترضى أن يتهاون أو يتقاعس ذلك الوكيل تجاه تعزيز تلك السمعة بإهانة العميل بأي صورة كانت.
الحل الثاني في اعتقادي يتمثل في ضرورة الإسراع بمعالجة جميع أشكال وصور الاحتكار، وحتى شبه الاحتكار كما هو حاصل في قطاع البنوك مثلا، حيث الطلب على الخدمات البنكية يحتاج إلى أضعاف تلك البنوك، كما تجب إعادة النظر بنظام الوكيل، حيث يجب حث الشركات المصنعة والمقدمة للسلع والخدمات على التعاون مع أعداد كبيرة من الموزعين من أجل إشعال فتيل المنافسة الشريفة بينهم والتي تصب في مصلحة المستهلك بشكل مباشر وفي مصلحتهم دون شك بشكل غير مباشر، وفتح القطاعات كافة التي تعاني من الاحتكار عموما لتلعب قوى السوق دورها الإيجابي في دفع المؤسسات الخاصة للمنافسة الشريفة المحفزة لتحسين الجودة وتخفيض الأسعار.
والحل الثالث يكون بتفعيل أجهزة حماية المستهلك بإيجاد آليات مراقبة جديدة وفعالة تتناسب مع الواقع لا مع الخيال، آليات تعتمد على تحريك قوى السوق، ولنا في شركة جنرال موترز مثال رائع، حيث كلفت هذه الشركة طرفا ثالثا يقوم بمتابعة الوكلاء للتأكد من تطبيق الأنظمة المعيارية لتقديم الخدمات للمستهلك بالصورة المطلوبة، حيث يقوم هذا الطرف بالاتصال بكل عميل يطلب أي خدمة من الوكيل لتتأكد من أنه حصل على المنتج أو الخدمة المطلوبة بالشكل المعياري المعتمد، وفي ظني أن أجهزة حماية المستهلك بإمكانها فرض هذا النوع من التقييم والمتابعة بعد أن تعتمد شركات تقوم بتقديم هذه الخدمة حسب المعايير العالمية، كما أنه بإمكان أجهزة حماية المستهلك الاستعانة بشركات القطاع الخاص ـ كما أوضحت في مقالة سابقة ـ من أجل القيام بعمليات الرصد والضبط التي عجزت الجهات الرقابية عن القيام بها كما يجب، بسبب قلة الموظفين وضعف التجهيزات واتساع الأسواق، لتتفرغ هذه الأجهزة لتطبيق النظام حيال المؤسسات المخالفة ليشعر الجميع أن مخالفة النظام واستغلال المستهلك لا يمكن أن يمرا دون عقاب.
ختاما، أرجو من القائمين على القطاع الخاص في بلادنا المبادرة بتحسين التعامل مع العميل قبل اكتمال قواعد المنافسة الشديدة ليشعر العميل بأنها قامت بدورها بقناعة لا بخناعة بسبب ضغط المنافسة الناشئة عن دخول المنافس الأجنبي، وإذا فعلت ذلك فستنال ولاءه واستمراريته بالتعامل معها وإلا فسترون المواطن يقف في طوابير أمام الشركات الجديدة ليس حبا بالجديد وإنما هربا ممن عامله كضحية بدلا من عميل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي