رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اغتيال صدام والفوضى الأمريكية الخلاقة

[email protected]

ليس من شك أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان سيدان لقاء ما ارتكبه من جرائم وفظائع بحق شعبه لو حوكم أمام محكمة عادلة نزيهة، إلا أنه في ذلك ليس نشازاً بين زعماء العالم الثالث على الإطلاق. والتوجيه المفضوح من قبل سلطات الاحتلال في مسرحية محاكمته الهزلية بتسريع موعد الحكم عليه ليصدر قبل موعد الانتخابات الأمريكية النصفية، في محاولة لدعم مرشحي الحزب الجمهوري في ظل تراجع الدعم الشعبي لحربها في العراق، يظهر أن إعدامه لا يعدو كونه عملية اغتيال بغطاء قضائي زائف. وقد حاولت هذه الإدارة المتطرفة الاستخفاف بالعقول كالعادة فادعت أن موعد وطريقة إعدام الرئيس العراقي السابق شأن يخص الحكومة العراقية، وأنها بذلت جهودا حثيثة لوقف إعدامه إلا أن الحكومة العراقية "ذات السيادة" أصرت على إعدامه يوم العيد بهذه الطريقة الهمجية المشينة، وهو أمر ينافي الواقع تماما، فالرئيس العراقي السابق كان في عُهدة القوات الأمريكية حتى قبل ساعة فقط من إعدامه، ما يجعل الإدارة الأمريكية هي من حدد موعد الإعدام والطريقة التي سينفذ بها عندما سلمت أسير حرب إلى عصابة عنف وانتقام طائفي.
ما يؤكد أن كل ما شهده العراق حتى الآن كان مخططا له مسبقا ومنسجما تماما مع الأهداف الأمريكية في العراق والمنطقة العربية، وهو جزء من مشروع عصابة المتطرفين الجدد الذي أسموه "الفوضى الخلاقة"، الذي يستهدف إثارة الفوضى العارمة في العالمين العربي والإسلامي وترك شعوبها تتناحر مستغلة أي تناقضات مذهبية أو عرقية لتنفيذ هذا المخطط الإجرامي الحاقد، ما يسمح بإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة وفق المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وأي نظام حكم مهما كان كانت درجة استقراره سينهار لا محالة عند إسقاطه بقوة عسكرية خارجية وحل مؤسساته الرسمية، وستدخل البلاد في صراعات تتفاقم وتشتد وطأتها يوما بعد آخر حتى يتم تدمير كل مكتسباته ومقدراته. وهي نتيجة حتمية مؤكدة لما قامت به الولايات المتحدة في العراق لا يعقل أن تكون خافية عليها مع كل ما تملكه من أجهزة استخبارية ومراكز دراسات استراتيجية. وما اعتبره الكثيرون خطأ استراتيجيا أمريكيا عندما قامت سلطات الاحتلال بحل الجيش العراقي حال سقوط بغداد، يتضح الآن أنه لم يكن خطأ البتة بل خطط له بعناية واستهدف كل ما نتج عنه تماما، يفضحه الإصرار الأمريكي لاحقا على وضع دستور طائفي، وتقسيم المراكز المهمة في الدولة على هذا الأساس، وتوظيف كل تناقض طائفي وعرقي لبث مزيد من الفرقة، والاستغلال البشع المفضوح للطائفية بهدف تدمير العراق وجره إلى فتن مذهبية وعرقية لا نهاية لها. ومن الواضح أن هذه الإدارة تسعى لإدخالنا في دوامة عنف طائفي تستنفذ كل طاقاتنا البشرية والمالية والعسكرية ما يسمح بهيمنة كاملة للكيان الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط وتُمكن الولايات المتحدة من السيطرة على حقول النفط مع تفاقم حدة الصراع بحجة حمايتها من التدمير والتسبب في انهيار الاقتصاد العالمي، يعينها على تنفيذ هذا المخطط الإجرامي عصابة طائفية حمقاء حاقدة أضناها التسكع والتشرد في شوارع العواصم الأوروبية وأزقة طهران وقم، متلهفة للوصول إلى حكم العراق لنهب ثرواته وسرقة شعبه. ولتحقيق هذا الهدف ليس لديها مانع من أن تُستغل وتُستخدم من قبل متطرفي واشنطن لبث العنف والفرقة وتدمير العراق.
والفوضى الأمريكية الخلاقة ليست حصرا على العراق بل سياسة واضحة للولايات المتحدة في كامل المنطقة العربية، ونجدها خلف كل أزمة يعاني منها بلد عربي أو إسلامي. وفي فلسطين يجري دفع (فتح) بكل قوة للنكوص والتراجع عن قبول استحقاقات الانتخابات الفلسطينية والدخول في مواجهة مع "حماس" وتتم محاصرة الشعب الفلسطيني وتجويعه لجره لفتنة داخلية تلهيه عن صراعه الحقيقي ويستثنى من هذا الحصار تزويد (فتح) بالأسلحة سعيا لتأجيج نار الفتنة. وفي لبنان سعت الولايات المتحدة بكل حماس وحرص لاستصدار قرار يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان ونزع سلاح حزب الله ثم أتبعته بقرار المحكمة الدولية وأخيرا بعدوان إسرائيلي مدمر، في محاولة لخلق جو مناسب لعودة الصراع المسلح بين فرقاء هم أكثر من جاهزين لذلك. والإدارة الأمريكية مصممة على عدم السماح لشعوب الدول التي تدخل ضمن هذه الفوضى الخلاقة أن تخرج منها، حتى لو سئم الناس وأصبحوا مستعدين لدعم من يوقف هذه الفوضى. وعندما بدأت المحاكم الإسلامية في استعادة الأمن والاستقرار في الصومال، ادعت الولايات المتحدة وجود روابط بين المحاكم وتنظيم القاعدة ودعمت مجرمي الحرب السابقين في الصومال ومدتهم بالمال والسلاح لمواجهة المحاكم، وعندما فشل هذا المشروع، أغرت النظام الإثيوبي باحتلال الصومال لتضمن استمرار بقاء هذا البلد المنكوب في نطاق الفوضى الخلاقة.
هذا الموقف العدائي من كل ما هو عربي ومسلم ليس مستغربا من قبل هذه الإدارة المتطرفة، والمستغرب فعلا هو الموقف العربي السلبي إزاء ما يحاك لبلداننا وبقاؤنا دون حراك. وهو موقف يذكرنا بمواقف عديدة في تاريخنا العربي والإسلامي، حيث كانت الدويلات الإسلامية تتقاعس وأحيانا تتواطأ مع الغرباء ضد دول إسلامية أخرى ظنا منها أنها تحمي نفسها بذلك، والنتيجة كانت دوما استهدافها هي الأخرى حال فراغ الغرباء من ابتلاع غيرها. والولايات المتحدة التي لا تستطيع البقاء دون عدو خارجي يوحدها اتخذت قرارا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أن يكون العرب والمسلمون، شاءوا أم أبوا، عدوا جديدا لها، ومن الواضح أن ذلك يشكل الآن حجر الزاوية في سياساتها الدولية. ما يعني أن الدول العربية مطالبة أن تكون يقظة لما يحاك في الخفاء لأوطانها ضمن المشروع الأمريكي لإثارة الفوضى في العالمين العربي والإسلامي وأن تسعى بكل حزم لإفشاله في العراق من خلال دعم القوى الوطنية الساعية لإنهاء الاحتلال وضمان وحدة العراق ووأد فتنته الطائفية، وإقناع العقلاء في إيران ـ إن وجدوا ـ أن أي مشروع طائفي في العراق لن يكتب له النجاح وسيجر المنطقة إلى صراع شامل مدمر يحقق الأهداف الأمريكية في المنطقة، مسؤوليتنا جميعا العمل على وأده وإفشاله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي