العملة الخليجية الذراع القوية لاقتصادات الخليج
في ظل التطورات والمتغيرات الاقتصادية العالمية المتسارعة التي تجتاح الأوساط الاقتصادية إقليميا وعالمياً. مما يلقى بظلاله، لا محالة، على البيئة الاقتصادية العربية عموماً، والخليجية بصفة خاصة، بات من المحتم على دول مجلس التعاون الخليجي كتكتل سياسي واقتصادي أن تسعى جاهدة لاتخاذ التدابير الإجرائية والعملية التي تحقق أهداف هذا الاتحاد، وعلى رأسها موضوع التكامل الاقتصادي الذي يجعل هذا التكتل مرتكزاً على المصالح الاقتصادية المتبادلة التي تأخذ في اعتبارها متطلبات العولمة والانفتاح المصاحبة للتغيرات الاقتصادية العالمية. لقد كان قيام كيان اقتصادي وسياسي متكامل، على غرار الاتحاد الأوروبي مثلاً، حلماً راود مواطني الخليج العربي في كافة الدول الأعضاء في مجلس التعاون منذ ميلاده في الثمانينيات من القرن الماضي. وقد بات تحقيق هذا الحلم أحد التحديات التي تفرضها التطورات السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية، مما يحتم على دول المجلس اختصار المراحل الزمنية والإسراع بتحقيق وحدتها السياسية والاقتصادية.
وضمن هذا الإطار تمثل العملة الخليجية الموحدة إحدى الركائز الأساسية لوضع هذه الطموحات والتطلعات موضع التنفيذ والانطلاق نحو إقامة وحدة نقدية خليجية وسوق خليجية مشتركة تتيح سهولة انتقال رؤوس الأموال ما بين دول المجلس، بهدف إقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة، خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك العديد من المزايا والمقومات الفريدة التي تجعل من تكتلها النقدي مثالاً يحتذى به مثل تشابه طبيعة اقتصاداتها وامتداد موقعها الجغرافي، إضافة إلى بُعدها الثقافي والحضاري المتمثل في وحدة التاريخ والدين واللغة. وإذا أخذنا التجربة الأوروبية في الاعتبار فإننا نجد أنها قد أمضت نحو نصف قرن منذ بزوغ فكرة الاتحاد الأوروبي عقب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1946م إلى أن تمخضت عن قيام معاهدة ماسترخت بمباركة 15 دولة أوروبية ودخولها حيز التنفيذ في تشرين الثاني (نوفمبر) 1993م لتشكل اللبنة الرئيسية في قيام العملة الأوروبية الموحدة ( اليورو)، التي اقتضى التوصل إلى بدء طرحها في الأسواق في كانون الثاني (يناير) 2002م المرور بعدة مراحل تجاوزت السنوات العشر (1990 - 2002م). وقياساً على ذلك نجد أن التجربة الخليجية التي استهلت انطلاقتها في بداية الثمانينيات لم تتأخر كثيراً في مسيرة استكمال مشروعها السياسي والاقتصادي. فبالرغم من التعثر والمعوقات التي صاحبت التجربة الوليدة، يمكن القول إن هنالك العديد من الإنجازات التي تحققت خلال هذه الفترة الزمنية الوجيزة. ويبدو طبيعياً أن يستغرق مشروع كهذا وقتاً أكثر في الدراسة والبحث قبل وضعه موضع التنفيذ.
هنا تتباين الآراء ووجهات النظر بين من يرون أن الوقت قد حان في ظل التحديات الراهنة التي تواجه دول المجلس بأن يتم إقرار موضوع الوحدة النقدية في شكله النهائي وبين ما يراه بعض المعارضين، أو المتحفظين، الذين يرون أن دول المجلس ما زالت غير مؤهلة للدخول في وحدة نقدية يترتب عليها الكثير من التبعات والخطوات المحفوفة بالمخاطر. وإذا ما أمعنا النظر في هذه الآراء المتباينة، لا بد أن ندرك من خلال قراءة سريعة للوضع الراهن أن ما حققته دول مجلس التعاون في مجال أهداف الاتفاقية الاقتصادية يفوق ما حققته أوروبا، من حيث المقياس الزمني، خاصة فيما يتعلق بالتشريعات والآليات التي تخدم الأداء الاقتصادي والاستقرار المالي والنقدي في دول المجلس التي تتمتع بطبيعة ومقومات غاية في الخصوصية لا يمكن اختزالها في قوالب أو صيغ جاهزة أو معدة سلفاً. ويرى المؤيدون للإسراع بقيام العملة الخليجية الموحدة أن من شأن قيام تلك العملة أن تقلل كثيراً من تكلفة الواردات سواء من دول الاتحاد الأوروبي أو من الدول الأخرى، حيث ستوفر العملة الموحدة دفعة قوية للاقتصادات الخليجية مجتمعة، مما يحسن من موقف كل من المستوردين والمصدرين الخليجيين في الأسواق الخارجية، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية. أما على صعيد المنطقة فستسهم العملة الموحدة بسهولة وحرية انتقال رؤوس الأموال ما بين دول المجلس مما ينجم عنه زيادة الناتج الوطني لدول المجلس وخفض معدلات البطالة والتضخم، وبالتالي رفع المستوى المعيشي لمواطني دول المجلس. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن كافة العملات الخليجية مرتبطة أساساً بالدولار، عدا العملة الكويتية المرتبطة بسلة عملات يشكل الدولار نسبة أكبر فيها، إضافة إلى موافقة الكويت على اعتماد الدولار كمثبت مشترك للعملة الخليجية الموحدة، فإن ذلك يعطي مؤشراً إيجابياً على سهولة ومرونة الانتقال نحو مرحلة التطبيق العملي.
ومن خلال استعراض بعض الآراء التي يطرحها المحافظون أو المتخوفون من فشل التجربة، والتي لاحظت بصفة عامة، أنها يغلب عليها طابع الغوص في التفاصيل توطئة للخروج ببعض المحاذير التي تشكك في إمكانية نجاح التجربة من خلال طرحهم العقبات التي يمكن أن تواجهها؛ أود أن أشير إلى أن المخاوف لا تصنع حياة الأمم والشعوب بقدر ما يصنعها التفاؤل بغدٍ مشرق يعود عليها جميعاً بالنفع والفائدة. كما أن وجود المخاوف والتحديات يعتبر أمراً طبيعياً يمكن أن يواجه أي تجربة ناشئة. صحيح أنه عند الإقدام على أي عمل يتعلق بحياة الشعوب لا بد من طرح أسئلة مهمة وصريحة يكون الهدف منها هو إنارة الطريق وليس وضع العراقيل أمام التجربة. وأود أن أذكر هؤلاء وأولئك بأن بلوغ الهدف الأسمى نحو قيام تكتل اقتصادي وسياسي يكسب دول المجلس مكانة على الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية يقتضي منا بذل المزيد من التضحيات وتقديم التنازلات التي تضع المصلحة العامة لشعوب المنطقة كافة فوق كل اعتبار. أما محاولة طرح بعض الآراء والتساؤلات مثل رفض دول أوروبية - كبريطانيا والسويد والدنمارك - الانضمام إلى اليورو، فهو أمر لا يقدم ولا يؤخر كثيراً في هذه المرحلة باعتبار أن التجربة الأوروبية شقت وما زالت تشق طريقها بنجاح رغم إحجام هذه الدول.
أخيراً أود الترحيب والإشادة بالقرارات التي اتخذتها لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول المجلس في اجتماعها الـ 40 المنعقد أخيرا في أبو ظبي، والتي تم بموجبها الاتفاق على حسم العديد من النقاط المهمة مثل معايير الاتحاد النقدي، تقارب الأداء الاقتصادي، معدلات التضخم، أسعار الفائدة، احتياطيات النقد الأجنبي، ونسب العجز السنوي إلى الناتج المحلي لكل دولة. كما أن من المؤشرات الباعثة على التفاؤل ما صدر من تصريحات عن هذا الاجتماع مفادها الاتفاق على الخطوط العريضة للاتحاد النقدي والعملة الموحدة وترك التفاصيل لمزيد من البحث، مع التأكيد على قرار اللجنة القاضي بتكليف فريق عمل من دوائر الخزانة وإصدار العملة في البنوك الخليجية المركزية لدراسة مواصفات العملة الموحدة، اسمها وفئاتها توطئة لإطلاقها قبل عام 2010م حسب الجدول الزمني. كما أن مناقشة اللجنة لضرورة إنشاء مركز إحصائي موحد لدول المجلس، طبقاً للدراسة المقرر إعدادها بواسطة البنك المركزي الأوروبي، يصب في خانة ضرورة التعلم ممن سبقونا في هذا المضمار. وأود أن أضيف إلى ذلك أن الضرورة تقتضي إشراك القانونيين من أبناء الخليج في أمر كهذا بغية إكسابهم التجربة من خلال الممارسة العملية، خاصة أن جل هذه الدراسة يتركز على وضع التشريعات والنظم المؤسسية للسلطة النقدية، بوصفهم يشكلون النواة للكادر المستقبلي المنوط به الاضطلاع بالمهام التشريعية والقانونية لهذا الاتحاد النقدي المزمع خلال مرحلة هو أحوج ما يكون فيها إلى بناء قاعدة تشريعية وقانونية صلبة قوامها أبناء منطقة الخليج العربي.
المحامي