أفضل قرارات 2006: توحيد فترة التداول ودوام البنوك.
ودعنا العام المالي 2006 بكل أفراحه وأتراحه وبكل أيامه ولياليه، التي أعتقد أنها كانت حافلة بالكثير فيما يخص الشأن الاقتصادي للمملكة على وجه التحديد. وقد شهد هذا العام الاهتمام العام لجميع المواطنين بسوق الأسهم، الذي كان قاسيا جدا إلى الدرجة التي يصعب معها تحديد الآثار التي تركها وسوف يتركها على الكثير من المستثمرين الذي ظنوا، وإن كان بعض الظن إثم، أن سوق المال سوف يكون هو بوابة العبور إلى عالم الثروة. وهو بالفعل كان ولكن لعدد محدود جدا منهم ممن عرف "كيف تورد الإبل" ومن "أين تؤكل الكتف"!!! وها نحن نبدأ بالخير والبركة إن شاء الله العام المالي 2007.
وقد حدث الكثير من التغيرات على المستوى الاقتصادي وسوق الأسهم بشكل خاص في عام 2006م. كانت أولى الشرارات التي فَجرت الكثير ولا تزال في 2006م التراجع الحاد الذي حدث في 26 شباط (فبراير) منه. ولم يكن أحد بعيدا عن النقد فيما حدث منذ ذلك التاريخ وردات الفعل ومحاولات السيطرة التي جرت على ما حدث وتقليل الخسائر قدر المستطاع. وقد حدثني بعض المسؤولين حول هذا الموضوع وقال إنه لا فائدة من محاولات الترقيع ولا بد من التركيز على التطوير الاستراتيجي للسوق وهو الأمر الذي سوف يأخذ وقته. وهو استخلاص حقيقي ومنطقي، فأسواق المال لا تهدأ بالمسكنات أو حبات "البنادول" ولكن بالتنظيم الذي يتناسب مع طبيعة وحقيقة كل سوق، ويجب عدم تكرار تجارب الآخرين، إلا بعد ربطها بحقيقة وتركيبة وعقلية المستثمر داخل السوق السعودية على وجه التحديد.
ومن خلال العديد من المحاولات لرأب الصدع وتحجيم المشكلة صدر العديد من القرارات وبذلت جهود كبيرة في هذا الخصوص التي لم تكن لتصدر بهذه السرعة لولا الحالة التي يعيشها سوق المال بعد دخول ما يزيد على أربعة ملايين مستثمر سعودي وهو عدد لم يبلغه السوق منذ تأسيسه في عام 1985م. ومن ثم شاهدنا عددا من القرارات ذات الطابع الاستراتيجي ومنها إصدار لوائح حوكمة الشركات ولائحة الأشخاص المرخص لهم ولائحة تنظيم صناديق الاستثمار العقاري، ولوائح عديدة أخرى آخرها لائحة صناديق الاستثمار وكذلك إعطاء التراخيص لعدد كبير من الوسطاء الماليين ومنها معاقبة العديد من المخالفين ومنها محاسبة الشركات على مستويات الإفصاح والشفافية والعديد العديد منها في سبيل تطوير السوق وتحويله من الصورة الذي هو عليها الآن إلى سوق مالي أكثر تنظيما وأكثر شفافية ومحاسبة بهدف الوصول إلى سوق مالي ذي كفاءة عالية Efficient Market.
ولكن إذا ما أردنا تصنيف تلك القرارات من ناحية التأثير والأهمية الاستراتيجية على المديين المتوسط والطويل وعلى حجم التأثير في القطاعات الاقتصادية الأخرى كافة، ومن ناحية تصحيح مسار السوق فإن وجهات النظر سوف تختلف باختلاف الخلفيات والتصورات التي لدى كل شخص عن أسواق المال وطبيعة الاقتصاد الذي تعمل فيه تلك الأسواق، مع التأكيد أن جميع القرارات التي صدرت وسوف تصدر هي ذات أهمية بلا شك. ولكنها وجهة نظر شخصية، وقد يختلف الكثيرون مع تلك النظرة ولكني واثق أنهم بعد مرور زمن سوف يدركون أهمية وطبيعة هذا القرار وتأثيره التراكمي على العديد من جوانب حياتنا الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية وليس سوق المال فقط، وأنا هنا لا أبالغ بكل صدق.
إن قرار توحيد فترة التداول الذي صدر من قبل هيئة سوق المال مشكورة خلال شهر رمضان المبارك (26 سبتمبر 2006م) وطبق مباشرة بعد العيد (28 أكتوبر 2006م)، كان من أفضل القرارات و"أذكاها" والتي سوف نشاهد تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تباعا. حيث إن ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية كان بكل صراحة جانب سلبي على الاقتصاد وعلى الجوانب الاجتماعية لحياة الجميع سواء كانوا مستثمرين أو مسؤولين أو موظفين، فأول تبعات القرار أنه سوف يكتشف المستثمر الفرد في نهاية المطاف أنه لا يحتاج إلى متابعة الشاشة لأربع ساعات ونصف الساعة، كما كان يحدث عندما كان لدينا فترتا تداول لمدة ساعتين لكل واحدة. طبعا إضافة إلى ما كان يحدث خلال فترة الاستراحة ما بين فترتي التداول من إشاعات وتنظيم صفوف وترتيب أوراق وتغير خطط، وهو ما ساعد على التذبذب وبالذات بعد التراجع الحاد منذ 26 (فبراير).
ويرتبط بهذا القرار قرار مؤسسة النقد مشكورة أيضا والذي صدر وطبق في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الحالي بتوحيد فترة دوام البنوك من التاسعة والنصف صباحا وحتى الرابعة والنصف عصرا. وهي أي البنوك التي كانت تعاني كموظفين من فترة الدوامين. وكانت من الناحية الاقتصادية بيئة طاردة للموظفين والراغبين العمل ولم تكن بيئة جذب. وقد سبق لي العمل عندما كنت طالبا في الجامعة في فترة الصيف في أحد المصارف لمدة شهرين تقريبا. وكانت بالنسبة لي تجربة مميزة، إلا أن ما كان يعكرها هو الانقطاع التام الذي عشته عن المجتمع بسبب فترة الدوام التي تبدأ صباحا إلى الظهر ثم فترة نوم ومن ثم تبدأ الفترة الثانية عصراً إلى ما بعد العشاء تقريباً، وفي أحيان إلى فترات أطول من ذلك بسبب الأعمال المكتبية بعد إقفال الفروع. مما يسبب إرهاقا بدنيا ونفسيا للشخص أي كان عمله وفي أي مستوى وظيفي كان.
أتصور أن توحيد فترة التداول وكذلك توحيد فترة دوام المؤسسات المالية هي من القرارات التي سوف تساعد على تنظيم السوق والاقتصاد السعودي عموماً، والذي بكل صراحة يعيش حالة استنزاف واضحة للموارد والقدرات الاقتصادية، وتدمير واضح للعلاقات الأسرية والاجتماعية. وتكاليف أمنية بسبب طول ساعات العمل فيه. وأتمنى أن يمتد هذا القرار على باقي النشاطات التجارية التي يعتبر استمرار عملها في كثير من الحالات إلى منتصف الليل أحد أهم معوقات السعودية وأحد أهم عوامل هدم العلاقات الأسرية والاهتمام بالأسرة وتنشئة الأبناء من خلال قرب الوالدين لهم في ساعة معنية من نهاية يوم عمل إلى بداية يوم عمل جديد.
في الكثير من الدول نجد أن هناك حدودا قصوى للعمل لتلك الأسباب ولأسباب الاستنزاف الواضح لكل البني التحتية في أي اقتصاد مثل الكهرباء والطرق. وحتى بالنسبة للصيانة، حيث إن توحيد فترات العمل بهذا الشكل سوف يساعد اقتصاديا على إجراء أعمال الصيانة في أوقات متأخرة. وكذلك الأعمال اللوجستية التي تحتاج إليها الشركات والمحلات التجارية. حيث نشاهدها الآن تتم في أوقات العمل مما يربك الزبائن وأصحاب المحلات وحتى الطرق وحركة النقل المروري التي بكل أسف جميع دول العالم لديها تنظيم واضح في وقت دخول الشاحنات وعمليات التمويل والنقل إلى المدن، إلا عندنا نشاهد في كل صباح الشاحنات تزاحم الطلاب والموظفين إلى ومن أعمالهم رغم وجود اللوحات المرورية التي تحدد أوقات معينة لتلك الشاحنات!!! فشكرا لهيئة سوق المال ولمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) ونقول المطلوب أكثر والتوقعات أعلى، وأعان الله الجميع.