خواطر حول موسم الحج

[email protected]

أكرم ويكرم الله سبحانه وتعالى هذه البلاد حكومة وشعبا بخدمة الحرمين الشريفين ومشاعرها المقدسة الطاهرة ورعاية المسلمين وهم يأتون لأداء شعائرهم من حج وعمرة، وفي هذه الأيام المباركة ككل عام نستقبل وفود الحجيج القادمة من كل فج عميق بتوفير كل الإمكانات والخدمات لاستضافتهم بما يليق بهم كضيوف على الرحمن، واستقبال وتنظيم ومعيشة كل هذه الأعداد الغفيرة بكل تعدد ألوانها في العادات والثقافات وحتى المذاهب والعمل على تيسير أدائها لمناسكها بأقل قدر ممكن من المعاناة والمكابدة والتعب يحتاج فعلا إلى جهود استثنائية وقدرات تنظيمية وخدمية عالية المستوى ومصروفات باهظة وكبيرة، وهذا ما يتحقق ولله الحمد وفاء لتكريمه، عز وجل، لهذه البلاد برعاية وخدمة حرميه الشريفين ومشاعره المقدسة وحجيجه ومعتمريه والشكر في ذلك بعد شكر الله، سبحانه، هو لهذه الدولة، قيادة وشعبا، والأمينة على مقدسات الإسلام والقائمة بواجباتها الإسلامية تجاه كل المسلمين التي لا تطلب مقابلها ثناء من أحد ولا شكرا إلا من الله عز وجل وحده.
تجمع كل هذه الحشود الغفيرة المتعددة الثقافات والمستوى الحضاري في صعيد واحد ضيق وزمن موحد معلوم يؤدون الشعيرة نفسها وهم يتحركون معا لا شك بأنه يلقي عبئا كبيرا على الجهة التي تتولى تنظيمهم، ولم يعد الغريب ولا المستغرب أن تقع حوادث بعضها مميت، فمن الطبيعي أن تتولد من هذه الجموع الضخمة أخطاء وسلبيات تؤدي إلى شيء من ذلك، ومن تجارب السنوات الماضية، ثبت أن كل الحوادث ناتجة عن تصرفات خاطئة بعضها فردي وبعضها الآخر جماعي. ونذكر جميعا حادثة الدهس المريعة في حج العام الماضي عند الجمرات الذي تسبب فيه التدافع وتعاكس المسار بين الحجاج، فمهما عملت من احتياطات ووضعت من تنظيمها وخطط فإن الخطأ في التصرف من قبل حجيج بدافع العجلة مثلا متوقع، ومثل هذه الأخطاء ومهما كانت بسيطة تؤدي إلى وقوع كوارث ومصائب، ومع ذلك لم تأل الدولة السعودية جهدا من السعي الدائم والمستمر من أجل تطوير الخدمات في المشاعر المقدسة ووضع الحلول المسبقة والوقائية لأي سلبيات يتوقع حدوثها، لكن ذلك لا يمثل ضمانة أكيدة في ظل ضعف ما يمكن تسميته ثقافة الحج من الناحية الشرعية والحضارية، فالبعض لا يعلم بأن أداء شعيرة الحج تتطلب الهدوء والسكينة وليس دفع الآخرين وإزاحتهم بالمناكب الأعرض والأقوى، كما أنها تتطلب وعيا أكبر بالالتزام بالتنظيم الموضوع والتجاوب معه وهو ما يفتقده البعض الذي يعتقد أن كونه حاجا يعفيه من أي مسؤولية ويسمح له بأن يتصرف منفردا دون مراعاة مصلحة الجماعة، والغريب والمستغرب أنه حينما تحدث حوادث في الحج، تظهر بعض الأبواق الحاقدة والمتصيدة في المياه العكرة لتضع اللوم على المملكة متهمة إياها بالتقصير وعدم القدرة على إدارة شؤون الحج والحجيج، وهذه وعلى كل حال أصوات لم يعد يستمع إليها أحد والعالم كله يرى ويشهد ما تقدمه المملكة من جهد وخدمات يقل نظيرها وامتلاكها للخبرة والتجربة في إدارة شؤون الحج والحجيج بقدر كبير من التوفيق والنجاح لا يقلل منهما وقوع حوادث طبيعية مع هذا الحشد البشري المهول.
إن أردنا في واقع الأمر أن نعدد جهود المملكة في خدمة الحرمين الشريفين والحجيج وتأمين المشاعر المقدسة بكل الخدمات الكافية واللازمة فإن الحديث يطول، ويكفي أن نقول إن البلاد تقتطع من دخلها مبالغ تماثل موازنة دول تخصص لتطوير كل الأماكن الإسلامية المقدسة التي تشهد سنويا مشاريع عملاقة لتكون قادرة على استيعاب وخدمة تزايد أعداد الحجيج والمعتمرين، فالمشاعر المقدسة نفذت فيها هذا العام مشاريع كلفت الدولة السعودية 50 مليار ريال سعودي شملت خياما ضد الحريق وشبكات إطفاء إلكترونية وشبكة طرق عصرية وبنى تحتية عالية المستوى، وإلى جانب ذلك توفير أطقم بشرية مؤهلة ومدربة في جميع المرافق المختلفة من أمنية وصحية ومعيشية وتنظيمية، والمملكة وهي تفعل ذلك تفعله استشعارا منها بالمسؤولية الإسلامية الملقاة على عاتقها التي تتشرف وتسعد بها وغايتها مرضاة الله، سبحانه وتعالى، و شكره على أن من على هذه البلاد شعبا ودولة بخدمة الحرمين الشريفين ورعاية قاصديه من المسلمين من كل أنحاء العالم.
بقي أن أشير إلى جانب مهم مرتبط بالحج والعمرة وهو تحولهما إلى مصدر تجارة باتت رائجة منذ عقود ماضية كنتيجة من نتائج ما عرف بالصحوة الإسلامية بدءا من انطلاقة الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، ولا مندوحة ولا اعتراض على أن يتكسب الإنسان من موسم الحج ما دام يقدم خدمة للحجاج، ولكن يلاحظ ارتفاع أسعار الخدمات بما يفوق طاقة كثيرين، فحملات الحج على سبيل المثال التي تنظم لا تقل أسعارها عن الخمسة آلاف ريال للفرد الواحد، وأصبح هناك تميز للمواقع وهو ما يستغل بوضع فارق سعر حتى بتنا نسمع عن حج الخمسة نجوم وحج (اللوكندات)، وكان قبل ذلك يمكن لأي أسرة أو مجموعة الحصول على خيمة أو أكثر بمقابل إيجار رمزي من الدولة، أما اليوم فلا يمكن أداء الحج إلا عن طريق حملة أو اللجوء إلى الافتراش، كما يفعل كثير من حجاج المجاني، وهنا أتمنى لو تدرس آلية جديدة للحج تزاوج ما بين وجود حملات حج لمن يريد بتحديد أسعار معقولة وبين إعادة نظام تأجير خيم للجماعات مع التعاقد مع شركات تغذية توفر المعيشة للجميع حفاظا على أمان وسلامة المخيمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي