معدل استهلاك الفرد السعودي للبنزين أعلى عالميا 13 مرة .. ما المبرر؟
يستمر الحديث عن وقود السيارات، الذي يعد بلا منازع أهم منتج يخرج من مصافي تكرير النفط في الوقت الراهن بسبب الزيادة الهائلة في أعداد السيارات في العالم، وتوقع استمرار ازدياد الطلب العالمي عليه في المستقبل القريب. من أجل ذلك أصبح إنتاج الجازولين هو قلب صناعة التكرير في معظم دول العالم، فمثلاً نجد أن نصف الخام المكرر في الولايات المتحدة يستعمل لإنتاج الجازولين (كل برميل خام ينتج عنه نصف برميل جازولين)، وهذا يدل على تطور التقنيات الخاصة بإنتاج الجازولين في مصافي أمريكا. فإذا قارنا هذا الرقم بالوضع في المملكة نجد أن المملكة تستهلك كل الجازولين المنتج في المصافي الوطنية، أي نحو 300 ألف برميل يومياً من الجازولين.
ونعلم أن مصافينا الوطنية في كل من رأس تنورة، ينبع، رابغ، الرياض، وجدة، تكرر يومياً ما مقداره 1.4 مليون برميل من الخام، أي أن كل برميل خام ينتج عنه 21 في المائة فقط جازولين. هذا من جهة الكفاءة والفعالية، ومن جهة أخرى نحن مدعوون لاقتناء (وخاصة في المصافي المزمع إقامتها في المملكة) كل التقنيات التي من شأنها إنتاج الوقود النظيف من عمليات حديثة لنزع الكبريت بفاعلية وقدرة كبيرة (رغم أنها باهظة الثمن)، وكذلك امتلاك عمليات الأزمرة Isomerization والأكللة Alkylation، والتي من شأنها إنتاج جازولين خال تماماً من الكبريت وغيره من الملوثات البيئية.
ويجب أن ندرك أن صناعة التكرير في تطور دائم، الأمر الذي يدعونا إلى التأمل والتفكير ورصد مبالغ أكبر لتحديث صناعة التكرير لدينا (خاصة أن عائدات بيع النفط الخام في أحسن حالاتها)، لتوائم تغيرات العصر وتستغل كل تقنية حديثة للاستفادة من كل قطرة من البرميل الخام.
لا يمكن التحدث عن تحديث صناعة التكرير دون التعرض للاستهلاك المحلي والعالمي لمادة الجازولين. استهلك العالم عام 2005 م ما مقداره نحو 21 مليون برميل يومياً، وكما هو معلوم أن عدد سكان العالم يقارب 6.4 مليار نسمة، أي أن المعدل العالمي لاستهلاك الجازولين يصل إلى نحو 0.33 برميل يومياً لكل 100 شخص.
وتعتبر الولايات المتحدة بلا منازع الأعلى استهلاكاً، ويصل استهلاكها وحدها إلى نحو 43 في المائة من الاستهلاك العالمي للجازولين، رغم أن نسبة عدد سكانها لسكان العالم أقل من 5 في المائة، وظهرت أخيرا فيها صيحات مدوية تنادي بالتقليل من استهلاك وقود السيارات خوفاً من الآثار الاقتصادية والبيئية السلبية للاستهلاك الكبير وغير المسؤول.
وهناك جدل دائم بشأن الضرائب المفروضة على الجازولين وزيادتها كعامل مهم لكبح الإقبال المتنامي على استهلاكه، ويرجع بعض المحللين الأمريكيين زيادة استهلاكهم للجازولين إلى أسعار الجازولين المنخفضة في أمريكا مقارنة بأوروبا الغربية واليابان.
وبالنسبة للاستهلاك الصيني فيقدر بنحو 5 في المائة من الاستهلاك العالمي، رغم أن نسبة عدد سكانها لسكان العالم أكثر من 20 في المائة. ومن المتوقع أن يزداد الاستهلاك اليومي للصين بنحو نصف مليون برميل يوميا بحلول 2010، ليصل إلى أكثر من مليون ونصف مليون برميل يوميا، بداعي النمو الهائل للاقتصاد الصيني.
الجدير بالذكر أن هناك توجها صينيا جادا لخلط الجازولين بالإيثانول المنتج من الذرة لإنتاج ما يعرف بـ "الجازو ـ هول"، أي الجازولين المخلوط بالكحول.
وأما استراتيجية إيران مع الجازولين فهي محيرة، حيث نما عدد السكان فيها من 40 مليونا عام 1980م إلى 68 مليونا عام 2006، فرافق ذلك نمو هائل في استهلاكها للجازولين دون زيادة مماثلة في قدرة إيران التكريرية، وخاصة المصافي التحويلية الحديثة، الأمر الذي جعل إيران ثاني أكبر مستورد للجازولين في العالم، حيث استوردت العام الماضي نحو 170 ألف برميل يوميا، أي نحو 40 في المائة من استهلاكها، وتم دفع ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنوياً قيمة شراء هذا الجازولين، مع العلم أن إيران من أكبر الدول المنتجة للزيت الخام (رابع أكبر منتج للنفط في العالم)، حيث إنها أنتجت نحو 4.2 مليون برميل يومياً عام 2005، وصدرت منه نحو 65 في المائة.
وبالتأكيد فإن الوضع الإيراني سيزداد صعوبة فيما لو زادت الهوة السعرية بين الخام الايراني والجازولين، وهو شيء متوقع مع ازدياد الطلب العالمي على الجازولين دون زيادات مهمة في الطاقة التكريرية العالمية.
أما في المملكة، فيشير الجدول إلى أن معدل استهلاك الفرد فيها يعد من الأعلى عالميا، وأكثر من دول رئيسة كبرى في العالم (مثل ألمانيا، اليابان، وكوريا الجنوبية).
والحقيقة أن الاستهلاك السعودي للجازولين هائل وغير مبرر وأعلى من معدل الاستهلاك العالمي بأربعة أضعاف وأكثر من معدل استهلاك الفرد المصري والتركي والصيني بأكثر من 13 مرة، وقد يصبح هذا الاستهلاك ونموه المتزايد في المستقبل مشكلة ما لم نسارع إلى تداركها.
ويبدو أن الناس في المملكة يقضون أوقاتا طويلة خلف المقود، ما يعنى المزيد من استهلاك الجازولين. ولعل مساحة المملكة الشاسعة والتوسع العمراني الكبير في المدن من أسباب هذا الاستهلاك فمثلا المسافة بين شمال الرياض وجنوبها تعتبر مسافة كبيرة وتحتاج إلى الكثير من الوقود، إضافة إلى أن عدم وجود قبول شعبي لوسائل النقل الجماعية لا يساعد على التقليل من استهلاك الجازولين في المملكة. وقد يكون قد آن الأوان للتخطيط لإنشاء شبكة قطارات حديثة ذات أنفاق في المدن السعودية الكبيرة لتخفيف الازدحام واستهلاك الوقود.
وأعتقد جازماً أن الوقت قد حان لإطلاق حملات التوعية من أجل لفت انتباه المواطنين إلى حجم الأعباء الاقتصادية الهائلة التي تتحملها الدولة لتوفير مادة الجازولين الاستراتيجية بأبخس الأثمان، وأن الاستهلاك غير المسؤول له عواقب بيئية واقتصادية، لذلك فإن ترشيد استهلاك الجازولين فيه الخير الكثير للوطن والمواطن.
<p align="center"><img title="" height="334" alt="" src="/picarchive/EQT_P26_21012007_2ED10006.jpg" width="363"></p>