رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأكاديميون الاقتصاديون .. غائبون أم مغيبون؟

[email protected]

تلعب أقسام الاقتصاد في الجامعات ممثلة بأعضاء هيئة التدريس والباحثين بها دوراً أساسياً في صياغة المستقبل الاقتصادي للدولة. حيث تعد المصدر الثري للأفكار الجديدة والمكان الغني بتداول الأفكار وتجاذبها بين الأكاديميين من جهة وبين الممارسين الاقتصاديين من جهة أخرى. وتاريخياً لعبت الأقسام الاقتصادية في الجامعات الأمريكية دوراً أساسياً في صياغة السياسة الاقتصادية الأمريكية وفي تشكيلها عبر مراحل مختلفة من الزمن. ففيما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة لعبت هذه الأقسام الاقتصادية دوراً كبيراً في مواجهة المد الشيوعي المستعر في ذلك الوقت ببنائها نظرية اقتصادية أكثر تكاملاً وأكثر قدرة على استفراغ إمكانيات البشر. وتميزت أقسام في جامعات معينة بتبنيها مدرسة اقتصادية معينة كمدرسة شيكاغو أو ما يسمى بمدرسة التوقعات الرشيدة المنبثقة من جامعة شيكاغو. وكان الاقتصاديون وما يزالون ينتقلون من جامعة إلى أخرى نظراً لتبنيها أفكاراً اقتصادية أقرب إلى قناعاتهم مما شكل تمايزاً للإنتاج العلمي في كل من جامعات كهارفاد وستنافورد وبرينستون وإم آي تي وغيرها. ولعل الجدل الذي حدث إبان ترشيح بيرنانكي الأستاذ السابق في جامعة برينستون لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي بسبب أفكاره المتعلقة باستهداف معدل للتضخم، يعطي صورة عن مدى إمكانية أن يكون للأكاديمي تأثير في السياسة الاقتصادية على أرض الواقع وليس فقط في الجوانب النظرية أو التعليمية فقط. الأمر الذي أريد أن أؤكد عليه أن أساتذة الاقتصاد في الجامعات الأمريكية كان لهم، ولا يزال، دور بارز في تشكيل السياسة الاقتصادية الأمريكية ولم يكونوا أبداً بمعزل عنها. بل تعدى ذلك التأثير الجانب الاقتصادي إلى الجانب السياسي من خلال تبني مرشحي انتخابات الرئاسة أفكار الاقتصاديين في برامجهم الانتخابية. السؤال الذي أود طرحه هنا إلى أي مدى يلعب الأكاديميون الاقتصاديون في الجامعات السعودية دوراً في تشكيل السياسة الاقتصادية السعودية؟ وهل هم فعلاً موجودون على خريطة الاقتصاد السعودي؟ أو بمعنى آخر هل هم جزء من المعادلة الاقتصادية؟
الحقيقة أن الأكاديميين الاقتصاديين - باستثناء القليل منهم - في الجامعات السعودية إما غائبين وإما مغيبين عن واقع الحال الاقتصادي السعودي. فالتمايز الفكري بين أقسام الاقتصاد في الجامعات السعودية قد يكون معدوماً أو غير واضح على الأقل. وهذا التمايز لا يتم إلا من خلال فتح قنوات النقاش والبحث والتفاعل الرسمية وغير الرسمية بين هذه الأقسام. وهذا يتم من خلال إقامة الندوات غير الرسمية كمناقشة أوراق العمل أو من خلال المؤتمرات البحثية البحتة أو من خلال الطرح الإعلامي الهادف. والملاحظ أن المهمة الرئيسية لهذه الأقسام ترتكز على مهمة التعليم الجامعي فقط، بينما تمثل عملية الإنتاج الفكري الاقتصادي فيها نسبة بسيطة فقط. وإن كان هناك إنتاج علمي فسيكون مكانه فقط صفحات الدوريات العلمية ولهدف الحصول على الدرجة العلمية فقط. وليس المكان هنا لإلقاء اللوم على أعضاء التدريس بأقسام الاقتصاد أو على المؤسسات الاقتصادية المختلفة ولكن الهدف هو معرفة ما السبب في هذا الغياب أو التغييب القسري عن القرار الاقتصادي. ولماذا يغيب النقد الأكاديمي للسياسة الاقتصادية التي تتبناها المؤسسات الاقتصادية.
إننا في هذا الوقت بالذات الذي نشهد فيه تشكل مرحلة جديدة للاقتصاد السعودي نحتاج أكثر من أي وقت مضى لتضافر جهود الأكاديميين مع المهنيين الاقتصاديين في عملية رسم ملامح السياسة الاقتصادية وفي النقد البناء الهادف إلى تطوير ممارسة السياسات الاقتصادية في مجالات كالصحة، العمل، الأسواق المالية، التمويل العام، السياسات النقدية والمالية وغيرها. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن للاقتصاديين لعب دور رئيسي في رسم الخطط التنموية وتقييم الكفاءة في تطبيقها. كذلك يمكنهم لعب الدور الأكبر في عملية التقييم لجدوى الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة. والأهم من ذلك رسم الخطوط العريضة أو الشخصية المميزة للاقتصاد السعودي، لكن الواقع يدل على أنهم غائبون أو مغيبون عن القضايا المعاصرة التي تمس الاقتصاد كقضية التقلبات الكبيرة في سوق المال السعودي أو قضية العملة الخليجية الموحدة أو قضية السعودة. كل هذا يحدث وكأنهم فعلاً غير موجودين، وقد لا يعني ذلك عدم وجود طرح متميز لهم فجامعاتنا تغص بالكثير من الأكاديميين المتميزين في مجالاتهم، بل قد يعني أن المؤسسات الاقتصادية المختلفة تتجاهل هذا الطرح ولا ترغب في تبنيه أو لا تحاول فتح قنوات الحوار معهم. المهم أن هناك تأثيرا مفقودا للأكاديميين الاقتصاديين في القرار الاقتصادي العام.
إن للأكاديمي الاقتصادي دوراً أهم من عملية التعليم الجامعي فقط، وهي المشاركة في صياغة الواقع الاقتصادي اليومي، ومن المهم أن تتاح له الفرصة للمشاركة بما يحمله من خبرة بحثية وخلفية نظرية في صياغة هذا الواقع. كما يجب أن يكون للأكاديميين الاقتصاديين إنتاج فكري متميز يتناسب مع المرحلة الاقتصادية الحالية ويمكن للمؤسسات الاقتصادية ممثلة في القائمين على إدارتها تبني هذه الأفكار أو هذه التوجهات. ولكيلا نبخس الأكاديميين حقهم فأشير إلى الدور البارز الذي لعبه قسم المحاسبة في جامعة الملك سعود في تطوير مهنة المحاسبة في المملكة وفي رسم الخطوط الأساسية لهذه المهنة وهذا دليل على أن يكون للأكاديميين ـ إذا أرادوا وإذا أعطوا الفرصة ـ بصمة مؤثرة في الواقع الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي