فقه العلاقات
حينما تقرأ في فقه التراتيب الشرعية بين الناس أو بين الناس والأشياء فإن ثمة رسالة فقهٍ واجبة يمكن أن تقرأ فيها "فقه العلاقات" التي تمثل صلة متنوعة يجب أن تكون "الشريعة والأخلاق" أخص الأسس في اعتبارها.
إن بناء العلاقات وتنظيمها يُعد من أكثر الأشياء صلة بالمقدمات الشرعية والحقوق الأخلاقية حتى يمكن أن تصنع دائرة العلاقات تحت مظلة الاعتدال والوسطية بعيداً عن تفرد الذوق المجرد والمصلحة الجامحة والعاطفة المتقلبة.
إن طبيعة الإنسان ومصلحته وعاطفته تتدخل في نظام علاقته مع الآخرين, وهذه حينما تشارك في التأثير باعتدال فهذا جزء من طبيعة الناس, إنما المشكل حينما تتفرد الطبيعة والمصلحة بقرار العلاقات بعيداً عن هدي الشريعة وأدب الأخلاق.
إن مصطلح "العلاقات" يعطي بذاته رسالة مطالبة للنفس بترتيب مدارك الفقه والوعي لتحصيل تطبيق صحيح لنظام العلاقات من حيث معرفة الأسباب المحركة للعلاقة والحقوق الواجبة في أثنائها والآثار المكتسبة كنتيجةٍ صحيحة, ونحن في ظل هدي الإسلام نقرأ في العلاقة هدياً تعبدياً لله سبحانه وتعالى مع حفظ لحقوق الناس.
إنك تقرأ في رسالة القرآن في الصلة بين الناس وطبقات هذه الصلة بدأ بمقام الوالدين والأولاد والزوجين في مثل قول الله تعالى: ?وبالوالدين إحساناً? وقوله: ?يوصيكم الله في أولادكم? إلى مفصّل أحكام ذلك, ثم مراتب الأقربين بالمعروف والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب إلى حقوق ابن السبيل وآحاد المسلمين, ثم ما للناس بعضهم على بعض وما يجب من الأخلاق مع كل ذي نفس منفوسة وكل ذي روح حتى يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيح: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».
إن صناعة العلاقات بمفهومها الشمولي باب واسع من الفقه يرسم تطبيق أخلاق الإسلام وعدالته, ويرفع النفس البشرية عن سفه الجهل والعدوان والأنانية التي لا يرى صاحبها في كلمة العلاقة غير مصلحة ساذجة لا تحمل علماً ولا أدباً, وقد أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
كل هذا في سياق فقه أدب التعامل وحقوق العلائق بين الناس التي يجب أن تُبنى تحت ميزان الشريعة وقواعد العدل والإحسان والإنصاف, مع صفاء في النفس يبعث فيها نية صالحة صادقة, والله قد أنزل الكتاب بالحق والميزان ليقوم الناس بالقسط, وهو الهادي.