تخصيص الجهات الرقابية العلاج الناجع لأمراض البيروقراطية

[email protected]

البيروقراطية نظرية إدارية تختص بالإدارة الحكومية التي تقدم الخدمات للشعب، وهذه النظرية وضعت على قواعد وأسس تناسب ثقافة من وضعوها وتم نقلها إلى بيئات ثقافية مختلفة, ما جعلها عائقا لا حافزا لتلك البيئات, حتى أصبحت البيروقراطية شتيمة, فإذا قلت لأحد إنك بيروقراطي فكأنما تقول له أنت معقد وفاشل وتقليدي وتؤخر العمل ولا تحترمه, فهل العيب في البيروقراطية أم في تطبيقها؟ وكيف لنا أن نجعلها حافزا لا حاجزا للتنمية؟
بداية يجب أن نقر بأن أمراض البيروقراطية في بلادنا كثيرة لأنها استزرعت في بيئتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية دون أي تعديلات, ما جعلها تنمو حتى أصبحت شجرة كبيرة ولكن بثمار مريضة وغير ناضجة, ومن هذه الأمراض التكاسل والتراخي وعدم احترام الوقت, والتعيين على أساس المحسوبيات لا على أساس القدرات, ومحاسبة المجتهد ومكافأة المتكاسل, والدفع بالطاقات نحو الفشل إلى غير ذلك من الأمراض المعوقة للتنمية التي تتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية بالسياسية بالثقافية بالاقتصادية بشكل لا يمكن تفكيكها بسهولة.
ويجب أن نقر بأن محصلة تلك الأمراض هو ما نراه من ضعف في الخدمات الأساسية (التعليم, العلاج, والإسكان) رغم الوفرة المالية, وعدم قدرتنا على استثمار تلك الأموال الكبيرة التي حبانا الله بها في تنويع مصادر الدخل بما يحمي البلاد من ذبذبة أسعار النفط المصدر الرئيس للدخل الوطني, الذي بات يشكل أكثر من 90 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. نعم أمراض البيروقراطية في بيئتنا أصبحت العائق الرئيس أمام الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص رغم كثرة تصريح الحكومة بعزمها على تحقيق ذلك, بل إن أمراض البيروقراطية تقف اليوم عائقا كبيرا أمام التخصيص الذي اعتمدته الحكومة كاستراتيجية لها في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد.
ولكي نخفف من آثار تلك الأمراض أعتقد أنه حان الوقت أن نبدأ في تفعيل عملية تقويم الخطط حيث يتم رصد الانحرافات مبكرا ومعالجتها, والتقويم يحتاج منا إلى تفعيل بناء المؤشرات وتطويرها لإيجاد مرجعية علمية تبين لنا الحالة التي نحن عليها فيما إذا كانت سليمة أو منحرفة ومدى الانحراف إن وجد. نعم حان الوقت لذلك خاصة أن التقويم القائم على المراقبة الدقيقة وغير المعوقة, الرقابة التي تعتمد على الأنظمة التقنية الحديثة ستؤدي إلى وضع الجهات الحكومية كافة تحت المجهر بشكل يعزز المنتج ويعري المتقاعس، ما يشكل حافزا وعقابا في اللحظة نفسها, حافزا للمنتج وعقابا للمتقاعس.
وفي ظني أن الوسائل الرقابية القائمة حاليا لا تستطيع بحال من الأحوال تحقيق الرقابة الفاعلة التي تؤسس لتقويم سليم, ونتيجة ضعف الرقابة الحالية حصل التسيب وهذه نتيجة طبيعية فمن لا يراقب لا يلتزم بحال من الأحوال, وعدم الالتزام بالنظام يعني فشل النظام في تحقيق أهدافه, وفشل النظام سيكون كارثة على الجميع دون شك, إذاً ما العمل؟
الحل موجود ومطبق في معظم الدول المتقدمة وفي بعض أجهزة الدول المجاورة, الحل ببساطة يقوم على تخصيص الرقابة حيث يتم تخصيص أعمال الرصد والضبط وتحتفظ الأجهزة الحكومية بحق الإحالة إلى الجهات القضائية أو لجان الفصل والتنفيذ, ومن ذلك ما قامت به إحدى الدول الخليجية المجاورة من تركيب كاميرات رصد وضبط لمخالفي السرعة ومتجاوزي إشارات المرور مما مكن المرور من ضبط حركة المرور وتخفيف الخطر, وفي اعتقادي أن هذا ممكن أن يطبق بآليات مختلفة إذا تم تخصيص مهام الرصد والضبط لدى وزارات: العمل, الصحة, التربية, التجارة, والبلديات وغيرها, وجميعها تشكو من ضعف القدرة على الرصد والضبط بالطاقات والإمكانات المتاحة له حاليا ما جعل المواطن يعاني معاناة شديدة من عدم الانضباط والالتزام بالأنظمة واللوائح.
وقد يقول البعض إن الدولة بتخصيصها الرصد والضبط تكون بذلك قد تخلت عن بعض سلطاتها, كما قد يقول قائل إن الجهات الخاصة قد تتعسف في عمليات الرصد والضبط لتحقيق المزيد من المكاسب, وأقول إن عمليتي الرصد والضبط يمكن التفويض بهما وسلطة الدولة ما زالت في يدها لأنها هي من تقوم بالإحالة والتنفيذ ولديها صلاحية العفو أو الصلح, كما أن الدولة بإمكانها أن تمنع التعسف من خلال وضع معايير دقيقة ورفيعة تؤكد صحة ما ترصده وتضبطه الشركات الخاصة المرخص لها بهذه العمليات.
ختاما أود أن أقول إن هذا العلاج في ظني سيكون محركا أساسيا للمعالجة من مجموعة من الأمراض البيروقراطية بشكل تلقائي, ذلك أنه يؤكد سلطة الدولة ويعزز هيبتها, والهيبة هي من تحفظ للناس حقوقها حيث تجعل كل من يفكر في التقاعس أو مخالفة النظام يعيد حساباته ألف مرة قبل أن يقدم على ذلك لعلمه الأكيد أن الدولة لديها من الإمكانات ما تمكنها من رصده وضبطته ومعاقبته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي