تعليق على تقرير بيكر - هاميلتون(1 من 3) هل تجبر معادلة النفط الدولية الأمريكيين على توحيد العراق؟
حاول تقرير بيكر- هاميلتون الحصول على إجماع اللجنة المكلفة بدراسة الوضع في العراق وإرضاء جميع أطرافها، فخرج التقرير عاماً ومشوهاً ومبتوراً لدرجة أنه أغضب جميع الفئات، العدوة والصديقة. على الرغم من أن عدداً من الهيئات والكتاب والمحللين تناولوا التقرير بالتحليل والنقد، إلا أن تغطية وتحليل موضوع النفط العراقي ودوره في أسواق النفط العالمية لم تلق العناية الكافية، سواء من كتبة التقرير أو من الذين علقوا على التقرير.
أهمل التقريرأموراً مهمة، وفشل في التركيز على أهم النقاط الأساسية المتعلقة بمستقبل العراق والنفط العراقي. وفيما يلي بعض النقاط الرئيسة:
1. حالة حقول النفط العراقية: تجاهل التقرير أثر الحروب والمقاطعة الاقتصادية في الوضع الحالي لحقول النفط العراقية. كما تجاهل التقرير المشكلات الفنية التي تعانيها آبار النفط العراقية، التي تشكل أكبر عقبة أمام أي حكومة لتطوير حقول النفط العراقية، بما في ذلك الحكومة الأمريكية. يخطئ البعض عندما يعتبرون أن المشكلة الرئيسة في قطاع النفط العراقي هي الانفلات الأمني. المشكلة الرئيسة فنية بحتة لدرجة أن استقرار العراق غداً لن يسهم كثيراً في استقرار الصادرات أو زيادة الإنتاج. تجاوزت أغلب الحقول العراقية فترة الكهولة، في وقت أصبحت معداتها قديمة، وأنابيبها اهترأت وعلاها الصدأ.
2 ـ الفساد الإداري: على الرغم من ذكر التقرير الفساد الإداري في قطاع النفط، إلا أنه يبدو أنه ذكر لرفع العتب فقط ولم يتعرض للتفاصيل، رغم أن عدداً من الصحف العالمية تناولت هذا الموضوع بالتفصيل. ونتيجة لذلك تجاهل التقرير موضوع تهريب النفط العراقي، الذي أصبح مصدر ثراء لعدد من الناس في العراق والدول المجاورة. قد يكون تجاهل الفساد الإداري مقصوداً لأن الأمريكيين، ابتداء من شركة إنرون في هيوستن وانتهاء بشركة هاليبيرتون في البصرة، أصبحوا أساتذة في الفساد الإداري.
3 ـ سوء الإدارة: تجاهل التقرير موضوع سوء الإدارة في القطاع النفطي، وهو أمر منفصل عن موضوع الفساد الإداري. فسوء الإدارة يؤدي إلى مشكلات كثيرة أهمها: ارتفاع التكاليف، انخفاض الكفاءة، انعدام وجود رؤية مستقبلية، وتعطيل فرص التنمية. كما تجاهل التقرير بعض أهم الأمور حساسية في العراق: عدم توافر المحروقات، واستيراد البنزين، وانتشار السوق السوداء للمحروقات في أنحاء العراق كافة. لقد تجاهل التقرير هذه الأمور المهمة، مع أن لها دوراً كبيراً في الإسهام في تحقيق نوع من الاستقرار الداخلي وتخفيف العنف الذي يشهده العراق على مر الساعة.
4 ـ الحقول النفطية المشتركة: تجاهل التقرير موضوع الحقول النفطية المشتركة بين العراق والكويت، وبين العراق وإيران. إذا كان هدف التقرير هو تقديم "وصفة" لخروج أمريكا من المأزق العراقي فإنه يجب أن يتضمن المشكلات المحتملة ويقدم اقتراحات لحلها. علينا ألا نذهب بعيداً لإثبات أهمية هذه النقطة لأن السبب المعلن للغزو العراقي للكويت حسب وجهة نظر الحكومة العراقية في ذلك الوقت هو "سرقة" الكويتيين النفط العراقي من الحقل المشترك بينهما". لذلك لا يمكن تجاهل دور الحقول المشتركة في تأزم الوضع في المنطقة. بما أن التقرير أكد ضرورة توفير جو ملائم لاستثمار شركات النفط العالمية في الحقول العراقية، فإنه من الواضح أهمية التركيز على وجود حل للحقول المشتركة لأن الشركات الأجنبية لن تستثمر في حقول متنازع عليها. لقد شجع التقرير الحكومة الأمريكية على فتح فرص الاستثمار أمام شركات النفط الدولية، ولكنه لم يركز على الأمور المهمة التي تعرقل هذا الاستثمار.
5 ـ الخطط البديلة في حالة الفشل: قد يكون ما أهمله التقرير أهم مما ذكر في التقرير. فمن المتوقع أن يقدم تقرير كهذا تحليلاً لوضع أسواق الطاقة العالمية إذا فشلت السياسات الأمريكية في العراق، وتحولت العراق إلى دويلات متناحرة، وأن يقدم توصيات بشأن التعامل مع هذه المستجدات. لكن التقرير اكتفى بجمل مقتضبة مفادها أن انتشار الحروب الأهلية والدينية قد يمتد إلى الدول المجاورة ويخفض إمدادات النفط ويرفع أسعار النفط بشكل كبير. في هذا السياق، تجاهل التقرير دور الدول العربية والإسلامية في حل الأزمة العراقية.
6 نوعية الخبراء: على الرغم من أن كتاب التقرير استعانوا بعدد كبير من الخبراء في المجالات المختلفة، إلا أنه من الواضح أن تعريف "الخبير" بالعرف العام يختلف عما تعتبره اللجنة التي كتبت التقرير "خبيراً". فعلى سبيل المثال، تعتبر اللجنة أن الكاتب توماس فريدمان خبيراً في الشؤون العراقية لذلك استعانت بـ "خبراته" في كتابة التقرير! ونتج عن استخدام هؤلاء "الخبراء" أخطاء عديدة منها أن التقرير أشار إلى أن العراق يحتوي على ثاني أكبر احتياطيات للنفط في العالم مع أن البيانات، بما في ذلك بيانات وزارة الطاقة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية تشير إلى أن العراق يحتل المركز الرابع في الاحتياطيات النفطية في العالم بعد السعودية وكندا وإيران.
7 ـ دور توزيع مصادر الدخل في الاستقرار: لم يتطرق التقرير إلى مستقبل العراق ومدى اعتماده على النفط. هناك أدلة دامغة تشير إلى أن نهضة ونمو العراق واستقراره على المدى الطويل تتطلب تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على صادرات النفط كمصدر أساسي للإنفاق. إن تأكيد التقرير ضرورة تطوير قطاع النفط العراقي وزيادة الطاقة الإنتاجية وإهماله أثر تنويع مصادر الدخل على استقرار العراق على المدى الطويل يعكس الرؤية قصيرة المدى للتقرير، وآخر شيء يريده العالم هو استمرار الحكومة الأمريكية في تبني الرؤى القصيرة المدى. (يتبع في الحلقة المقبلة)