رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كسب قناعة المواطن مهم لضمان نجاح خطة تطوير البريد

لم أشأ أن أكتب عن خدمات البريد الجديدة من قبل، رغم ما كتب حولها من ملاحظات، وما أسمعه في المجتمع من شكاوى حول تعقيدات الخدمات الجديدة والرسوم الباهظة المطلوبة، وقد فضلت الانتظار حتى تتبلور آفاق الخدمة، وتتضح معالمها، وتظهر ردة فعل الجمهور حولها، رغم إيماني الشديد بأهمية التغيير والتطوير في أساليب العمل الإداري وإجراءاته، ولا سيما ما يتصل منها بحياة الناس وأعمالهم ومصالحهم، كخدمات البريد التي ظلت منزوية ومتخلفة عن أوجه التطوير التي طالت بعض جوانب العمل الإداري في المملكة، ولم تنل أي نصيب منها. الأمر الذي جعل هذا البلد، الذي يستضيف ما يفوق ثمانية ملايين وافد أجنبي تشكل الرسائل البريدية منعطفا مهما في حياتهم للتواصل مع ذويهم والاطمئنان عليهم بما يسهم في هدوئهم وزيادة استقرارهم، وبالتالي تحسين إنتاجهم، جعله، أي هذا البلد، ينفرد بصفات تَسم الخدمة البريدية فيه بالقصور والتخلف حتى عن أقل البلدان التي تأتي منها هذه العمالة تطورا، وكان من مظاهر تلك السمات ما يلي:
ـ إن المملكة تعد البلد الوحيد الذي لا يقوم فيه مرفق البريد بإيصال الرسائل، وأن على كافة السكان الاشتراك في صناديق بريد تكلفهم أجورا إضافية خلاف الأجور التي تدفع على الرسائل، وفق اتفاقيات منظمة البريد العالمية.
ـ إن الاختناقات التي عانى منها الناس في الحصول على صناديق البريد، وانتظارهم مددا طويلة للحصول عليها قد خلقت مظهرا آخر يتمثل في اشتراك مجموعة من الناس في الصندوق الواحد، وهو ما تسبب فيه مرفق البريد نفسه، وورثته مؤسسة البريد، وتحاول الآن التخلص منه بوسائل قد لا تكون خالية من الضغط، وفرض الأمر الواقع.
ـ إن الوضع السائد قد خلق مجالا واسعا لنشوء العديد من الشركات التي تعمل في نقل الرسائل لكي تلجأ لها الشركات والأفراد رغبة في ضمان السرعة والتوصيل، بحيث التهمت هذه الشركات الجانب الدسم من الوجبة البريدية المتمثل في الطرود والوثائق، وتركت جهاز البريد مشغولا بفرز رسائل العمالة.
ـ حتى البريد الممتاز الذي نشأ في كنف اتفاقيات تضمن له السرعة والتوصيل، وكان ذلك من أهم مزاياه، غالبا ما يفقد هذه الميزة لإصرار البريد على الحضور لتسلمه، الأمر الذي يسقط عنه صفة الامتياز، رغم الأجور الباهظة التي تدفع.
ـ نشوء مظهر مكاتب الخدمات البريدية الأهلية كمحاولة لفك الاختناق المتمثل في عدم قدرة البريد على توفير المزيد من صناديق البريد لمواجهة الطلب الكبير عليها، وهو مظهر لم نر مثيلا له إلا في الدول المتخلفة.
أورد ما ذكرت كمقدمة ليتصور من خلالها القارئ حجم التحدي الذي يواجه مؤسسة البريد، التي كان الهدف الأول من إنشائها هو تطوير هذا المرفق والنهوض به إلى مستوى يليق بمكانة المملكة، وهو ما حاولت المؤسسة تبنيه والعمل على تحقيقه منذ إنشائها، بيد أن وسائلها لتحقيق ذلك ربما شابها شيء من الاستعجال والانفراد بالقرار في محاولة لفرض الأمر الواقع، دون اعتبار لرأي الجمهور المتعامل معها، أو ردة الفعل التي قد يقابل بها ما تصدره من قرارات، ولم تستحضر في ذهنها وهي تقود هذا التغيير الكبير في الخدمة، تنظيما وأداء ودخلا، أن المشاركة participation في اتخاذ القرار تعد أحد أهم المبادئ الإدارية لضمان النجاح، وعدم مواجهة التغيير ورفضه، أو العلم المسبق به على الأقل، وإن كان غير خافٍ عليّ وعلى أمثالي الجهود التي تقوم بها المؤسسة بقيادة رئيسها النشط الأخ الدكتور محمد بنتن، من خلال اللقاءات التي يجريها مع شرائح من المثقفين ورجال الصحافة وكتابها، غير أن ما كان الوضع بحاجة ماسة إليه هو كسب تفهم المواطن العادي الذي لا يقرأ الصحف ولا يحضر الندوات قبل مفاجأته بعمال الشركة المنفذة لمشروع "واصل" وهم يدقون مسامير الصندوق في جدار منزله دون علمه، وعندما عرف فيما بعد خطة المؤسسة المتمثلة في مضاعفة رسوم صناديق البريد عدة مرات، واستحداث رسوم أخرى لخدمة "واصل" قابل ذلك بالامتعاض والرفض، وهو ما أدى إلى تنصله من مسؤولية حماية الصندوق من العبث الذي تعرض له فيما بعد، ولا سيما وقد وضعه ذلك أمام أمر لا مفر منه، فإما الاستمرار في الاشتراك في صندوق البريد وتحمل الرسم الجديد ومقداره 300 ريال بدلا من 100 ريال، وإما الاشتراك في خدمة "واصل" ودفع 300 ريال رسوم خدمة، إضافة إلى 190 ريالا رسوم تأسيس، ولا يغير من الأمر في نظره المسميات المستحدثة لتبرير ما يحصل كالصندوق الفردي والعائلي وغيرهما، خاصة أنه لا يوجد لدى المؤسسة ما يدعم موقفها في فرض هذه الرسوم، والإمساك بالناس من موضع الألم، من منطلق المبدأ النظامي في فرض الرسوم.
يضاف إلى ذلك أن المؤسسة لم تمهل الناس في تطبيق سياستها بالنسبة لصناديق البريد، فقد فاجأتهم بالتطبيق وتوقفت عن تسلم رسائل ذويهم، رغم سريان مفعول اشتراكاتهم بموجب السندات التي يحملونها، الأمر الذي سبب لهم ارتباكا مع بعض الجهات كالبنوك التي أعيدت لها وثائقهم وبطاقاتهم، واضطرتهم إلى الحضور لتحديث العنوان مع أنه محدث أصلا، وكان ينبغي الالتزام بمواعيد انتهاء الاشتراكات ليبدأ بعدها تطبيق التنظيم الجديد، على أن تقوم قبل ذلك بإشعار صاحب الصندوق عن طريق خطاب يوضع في الصندوق عن موعد التطبيق وموعد التوقف عن تسلم الرسائل التي لا تعود لصاحب الصندوق.
وأما خدمة "واصل" وصناديقها التي امتدت إلى أماكن غير مأهولة أو عُلقت بالجملة على البيت الواحد، فقد كان المفترض هو التوعية بالخدمة بما يكفي لإقناع الناس بجدواها، وقصر تعليق الصناديق على المشتركين فقط طالما أنها غير إلزامية، توفيرا للمال العام، لأن معظم الصناديق سيتعرض للتلف بفعل العوامل الجوية، إن هو لم يتلف بفعل غيرها، قبل أن يصل الناس إلى حد القناعة بفاعليتها، ورغم ذلك فإنني أرى أنها ستكون مشروعا ناجحا لو وفقت المؤسسة إلى تكثيف التوعية بها، مع ضرورة إلغاء رسم التأسيس عند الاشتراك، لأنها شبيهة بالصناديق التي توفرها الصحف دون مقابل.
إنني وأمثالي كثيرين نشيد بجهود كل مخلص يسعى إلى تطوير هذا المرفق، وليعلموا ويثقوا بأن المواطنين سيؤازرونهم ويقفون معهم، شريطة اعتبارهم، أي المواطنين، محور العملية التطويرية وقطبها والمعنيين بها، ومن دون ذلك لا يمكن أن يُكتب لها النجاح.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي