رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنافسية الاقتصاد السعودي (2 من 2)

[email protected]

من التجارب الدولية في عملية إعادة الهيكلة الشاملة تجربة منظومة الاقتصاد الفنلندي خلال منتصف التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية. حيث استطاعت منظومة الاقتصاد الفنلندي أن تحوّل تواضعها، بسبب انهيار سوقها المالية وانخفاض عملتها المحلية في 1993م، إلى النهوض وتبوؤ مركز مرموق على خريطة التنافسية العالمية بحلول 1997.
لم تعتمد عملية إعادة هيكلة منظومة الاقتصاد الفنلندي على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر. وإنما اعتمدت، أولا، على إعادة هيكلة منظومة التعليم العام، والجامعي، والتقني، بما يضمن تنمية واستدامة رأس المال الفكري الفنلندي.
وثانياً، على إعادة هيكلة منظومة الصناعة، بما يضمن توفير واستدامة دعائم استثمارية محلية عند تصدير استثمارات منظومة الاقتصاد الفنلندي إلى منظومة الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، تحوير جزء كبير من صناعة الأخشاب إلى صناعة التقنية عن طريق تحوير نشاط شركة نوكيا من صناعة الأخشاب إلى صناعة الهواتف النقالة.
تجربة منظومة الاقتصاد الأيرلندي هي تجربة فريدة أخرى تضاف إلى سلسلة عمليات إعادة الهيكلة الشاملة لمنظومة الاقتصاد المحلي. حيث تشابهت تجربة منظومة الاقتصاد الأيرلندي مع تجربة منظومة الاقتصاد الفنلندي في استراتيجيات وآليات تنفيذ عملية إعادة هيكلة منظومة التعليم، ولكنها تباينت في عملية إعادة هيكلة منظومتها الصناعية.
واعتمدت عملية إعادة هيكلة منظومة الصناعة الأيرلندية على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر داعما أساسيا لتنمية واستدامة المنظومة. وعلى الرغم من ذلك، فإن منظومة الاقتصاد الأيرلندي لم تتعد المركز العشرين من أصل 125 في تقرير التنافسية العالمي، منذ صدوره في 2001، وحتى اليوم.
لا يمكن الحديث عن تقرير التنافسية العالمي دون الاستشهاد بتجربة منظومة الاقتصاد السويسري، عطفا على حصولها على المركز الأول لهذا العام. المفيد في تجربة منظومة الاقتصاد السويسري دمجها لكل من تجربتي منظومة الاقتصاد الفنلندي ومنظومة الاقتصاد الأيرلندي.
واتبعت منظومة الاقتصاد السويسري استراتيجية وآليات تنفيذ مشابهة لتلك التي اتبعتها منظومتا الاقتصاد الفنلندي والأيرلندي عندما أعادت هيكلة منظومة التعليم. ولكنها في الوقت ذاته طوّرت استراتيجية وآليات تنفيذ لعملية إعادة هيكلة منظومتها الصناعية عندما استقطبت مراكز الأبحاث والتطوير الفنلندية والأيرلندية لتكون نواة منظومتها الصناعية، ومستفيدة من المستوى المتقدم للملاءة المالية لمنظومتها المصرفية في توفير الحد الائتماني اللازم.
نخلص مما تقدم إلى أمرين: الأمر الأول، أن منظومة الاقتصاد المحلي لا يمكن لها أن تحسن تصنيف تنافسيتها دون الاستثمار الأمثل في رأس المال الفكري. لم تنجح منظومة الاقتصاد الفنلندي، والأيرلندي، والسويسري إلا بعد التركيز على تنمية واستدامة رأس المال الفكري، كعامل رئيس، وتوظيف الاستثمار المباشر في تحقيق التنمية المستدامة لرأس المال الفكري، كعامل مساعد.
والأمر الثاني، هو في واقعه تمهيد لمناقشة المحور الثاني من محوري الموضوع والمتمثل في كفاءة الهيئة العامة للاستثمار في تحقيق هدف برنامج 10X10 ضمن الأعوام الأربعة المقبلة، في ظل وقوع العديد من المقومات الاستراتيجية لمنظومة الاقتصاد السعودي ضمن حوكمة هيئات ومؤسسات حكومية بعيدة كل البعد عن حوكمة الهيئة العامة للاستثمار.
على سبيل المثال، تقع منظومة التعليم العام تحت حوكمة وزارة التربية والتعليم، منظومة المواصلات تحت حوكمة وزارة النقل، منظومة المصارف تحت حوكمة مؤسسة النقد العربي السعودي، منظومة التمويل تحت حوكمة هيئة السوق المالية، منظومة الاتصالات والتقنية تحت حوكمة وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وتقع المنظومة الصناعية تحت حوكمة وزارة التجارة والصناعة.
ومع تباين المواقع التنظيمية داخل منظومة الاقتصاد السعودي تتباين درجة مرونة كل منظومة. فكل منظومة تؤثر وتتأثر بمنظومة الاقتصاد السعودي بدرجة تأثير ومرونة وتباين قوة تأثير حوكمتها في توجيه منظومة الاقتصاد السعودي.
نخلص من تجارب منظومات الاقتصاد الفنلندي، الأيرلندي، والسويسري إلى أن تحسن بيئة الاستثمار الأجنبي المباشر، وعلى الرغم من أهميتها، إلا أنها ليست المهمة الأهم. وتعتبر عملية تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي المباشر عملية تكميلية لعملية أكبر وأشمل في الهدف والمضمون، تتمثل في عملية إعادة هيكلة شاملة لمقومات منظومة الاقتصادي السعودي.
وتنفيذ مثل هذه العملية الكبيرة والمعقدة لا يمكن أن يتم بتحسين تصنيف تنافسية بيئة الاستثمار الأجنبي المباشر، وترك العملية الأكبر والأشمل. وإلا فإن العوائد الاقتصادية ستكون متواضعة، حتى وإن حصلت تنافسية البيئة السعودية على المركز الأول على مستوى العالم في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وبالتالي فإن تحديات الاستثمار المقبلة التي ستشكل عوامل "تكون أو لا تكون" ستكمن، أولاً، في فهم واستيعاب الهيئة العامة للاستثمار لعملية إعادة الهيكلة الشاملة لمنظومة الاقتصاد السعودي. وثانياً، في ترتيب أولويات الهيئة العامة للاستثمار بما يضمن استجابة الهيئة استجابة مثلى لمتطلبات عملية إعادة الهيكلة الشاملة لمنظومة الاقتصاد السعودي. وثالثاً، في توثيق العلاقة بين الهيئة العامة للاستثمار ومقومات البيئة الاستثمارية، بشكل خاص، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بشكل عام.
حصول تنافسية بيئة الاستثمار في السعودية على أحد المراكز العشرة الأولى في العالم بحلول عام 2010م تطلع اقتصادي محسوس. معرفة كفاءة الهيئة العامة للاستثمار في تحويل هذا التطلع الاقتصادي المحسوس إلى طموح اقتصادي ملموس ستحددها تنافسية الهيئة العامة للاستثمار مقابل تنافسية الهيئات والمؤسسات الحكومية داخل منظومة الاقتصاد السعودي في تفادي التحديات واستثمار الفرص المقبلة.
هل ستنجح الهيئة العامة للاستثمار، أم لا؟ الجواب في طيات الأعوام الأربعة المقبلة، بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي