إلغاء مؤتمر الاكتتابات العامة بين البيروقراطية والشفافية
تبدأ فكرة المؤتمر حينما يجتمع المختصون لمناقشة مواضيع تهم المجتمع بجميع أطيافه في مدينة حجزت فيها الفنادق ودفعت لها التذاكر ووجهت الدعوات وأعدت البرامج إلى آخره من الترتيبات والتفاصيل الدقيقة والمكلفة التي أخذت الكثير من الجهد والمال. وبغض النظر عن الفوائد المادية التي يجنيها المنظم من ترتيب المؤتمرات والندوات، فإن اجتماع خبراء ومختصين هو إضافة وإثراء للحوار ورفع لمستوى ثقافة البلد المحتضن لهذه الأحداث.
واليوم نرى ما اصطلح على تسميته ظاهرة هروب المؤتمرات من المملكة، ولعل مؤتمر الاكتتابات العامة أشعل شرارة النقاش في هذا الموضوع المهم، وكان هذا المقال سيطرح إشكالية هذا الإلغاء من الناحية الاقتصادية بعد هدوء العاصفة، ولكن العاصفة استمرت بعد أن وصلني خبر إلغاء مؤتمر آخر كان يفترض به أن يقام في مدينة جدة في 16 كانون الأول (ديسمبر)، ولكنه أخذ هو الآخر طريقه إلى خارج حدود الوطن ليستقر كما جرت العادة في دبي.
لقد أثار نقل المؤتمر السعودي الأول للاكتتابات العامة الذي كان من المفترض أن يعقد في الرياض يوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى مدينة دبي في الإمارات وتم بالفعل عقد المؤتمر بعد 20 يوما فقط من الموعد المفترض في الرياض. وأثار هذا الإلغاء الكثير من علامات الاستفهام في أوساط الاقتصاديين والمهتمين نظرا للقرار المفاجئ بنقله والذي تم قبل الموعد الرسمي بأيام قليلة.
والمؤتمر تحديداً كان مهتما بالاكتتابات الأولية وأثرها على المنظومة المالية وأهمها سوق الأسهم المحلية. مما جعل الأسئلة تتناثر حول قرار الإلغاء هل إلغاء المؤتمر له تأثير على سوق الأسهم؟ أم أن الموضوع له علاقة بالأمور التشريعية والقانونية؟ خصوصا أن الاكتتابات الأولية كانت محل جدل كبير في الفترة الأخيرة في ظل ما شهده سوق الأسهم من هبوط جعل هذا المؤتمر محط أنظار الكثير علهم يستطيعون أن يجدوا معلومة مفيدة عن أهمية الاكتتابات الأولية وأثرها في سوق الأسهم, ولكن فجأة فوجئ الجميع من أنحاء العالم كافة بإلغاء المؤتمر دون وضوح لأسباب الإلغاء.
وتنوعت الأسباب في إلغاء ذلك المؤتمر وفي غياب الشفافية ظهرت أسباب أخرى للتأجيل قد تكون واقعية وقد تكون نظرية مؤامرة لدرجة أنني قرأت أن سبب الإلغاء هو "حساسية الأمر" بحسب أحد المنظمين.، ولعل أهمها هو أن عدم اكتمال الإجراءات النظامية والقانونية وتعثر بعض الأمور الإدارية مع عدد من الجهات المسؤولة، حالا دون تنظيم المؤتمر بالمملكة على الرغم من أن التحضيرات له بدأت منذ خمسة أشهر من تاريخ انعقاده.
وسأكون واقعيا في أخذ هذا السبب الأخير على أنه السبب الحقيقي للإلغاء، لأن هذا السبب يكفي لأن نبكي على طموح هذا الوطن وطموح هذه المدينة أن تكون محطة سنوية لكثير من المهتمين بالقضايا الاقتصادية والمالية وأن يكون بلد الاقتصاد الأقوى والسوق الكبرى على مستوى المنطقة جديرا بأن يكون المحطة الرئيسية الأولى لمناقشة القضايا الوطنية والإقليمية وحتى العالمية على ترابه، خصوصا ونحن نعتصر ألماً أن يكون المؤتمر الذي يهتم بقضايا المملكة المالية يقام في دبي الإماراتية!!
والمتابع لمثل هذه الأحداث يعلم أن البيروقراطية هي السبب الرئيسي في أن نخسر خسارة اقتصادية مزدوجة ، الأولى أننا خسرنا ثقة المنظمين والمهتمين في قدرتنا على احتضان مثل هذه المؤتمرات ، ولن يجازف المنظمون والمختصون في إعداد المؤتمرات المقبلة في المملكة بسبب اقتصادي بحت وهو ارتفاع مستوى المخاطرة في ضخ مبالغ مالية وجهد قد يكون مصيره مصير المؤتمر السعودي الأول للاكتتابات العامة. وعلى المدى القصير والمتوسط سيؤثر هذا الإلغاء في سمعة المملكة من ناحية قدرتها ومرونتها في احتضان المؤتمرات العالمية. وهنا أترك مشكلات أكثر مرارة مثل مشكلات إصدار التأشيرات للمتحدثين والمختصين سواء المدعووين أو من لديهم الرغبة في حضور مثل هذه التجمعات النخبوية.
الخسارة الأخرى التي أراها هي أننا ندعم تكلفة الفرصة البديلة لإقامة المؤتمرات في المملكة، حيث ندعم توجه السعوديين أنفسهم في إقامة مثل هذه المؤتمرات في دول مجاورة، حيث السهولة والمرونة في تنظيم مثل تلك الملتقيات. وأنا على المستوى الشخصي والكثير من الزملاء يعلمون أن هناك الكثير من المؤتمرات التي نظمت خلال السنوات الماضية في كثير من الدول المجاورة كان يفترض بها أن تقام على أرض المملكة وفي مدنها المختلفة، ولكن بسبب البيروقراطية فإن المنظمين (ومنهم سعوديون) قرروا إقامتها في دول أخرى تمتلك أجهزتها الحكومية الكثير من المرونة التي تقدر حجم الفائدة الاقتصادية التي يجنيها البلد المحتضن لمثل تلك المؤتمرات.
ختاما: فإني هنا لا أبرئ الجهة المنظمة للمؤتمر السعودي الأول للاكتتابات العامة من تحمل المسؤولية إذا كانت لم تحصل على التراخيص اللازمة من الجهات ذات العلاقة، وكان يمكن علاج المشكلة بقليل من المرونة مع محاسبة المقصرين والمتسببين في تجاوز الأنظمة، بشكل يجعلنا نحافظ على بقاء المؤتمر في أرضنا وعلى دعم التوجه باحتضان مناسبات مشابهة تدعم توجه المملكة في الانفتاح الاقتصادي وتسهم في زيادة الوعي لدى المواطنين وتزيد من دخل المملكة السياحي والكثير الكثير من الفوائد الاقتصادية التي تجنيها الدول والمدن من احتضان المؤتمرات والمنتديات المختلفة. هل تعرفون دافوس في سويسرا؟