رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التعليم على مائدة الحوار الوطني

[email protected]

ما من أمة تهتم بحاضرها ومستقبلها إلا ويجب أن ينال التعليم الرعاية والحضور في أذهان وأنشطة المجتمع أفراداً ومؤسسات, إذ بالتعليم يمكن تحريك المجتمع وتنشيطه في جميع المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والتنموية. وحظي التعليم في بلادنا بالاهتمام من قبل المؤسسات الرسمية والأفراد ذوي العلاقة, ويتمثل هذا الاهتمام في عقد المؤتمرات والندوات وجلسات الحوار والنقاش التي تجعل من التعليم مادة لها, حيث تقدم البحوث والدراسات, وتطرح الرؤى والأفكار وتستخلص التوصيات.
وقدر لي حضور الكثير من هذه الأنشطة, بل المشاركة فيها تنظيماً وبحثاً, وذلك من خلال ندوات الجامعة, وبالأخص ندوات كلية التربية, ومن خلال ندوات ولقاءات الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية. وأسفرت عن هذه الأنشطة توصيات قدمت إلى الجهات ذات العلاقة ونشرت في مطبوعات خاصة وتم تناولها إعلامياً بجهود شخصية, وأرسلت إلى الكثير من ذوي الاهتمام والعلاقة, لكن هذه التوصيات المبنية على بحوث ودراسات علمية بقيت حبيسة الأدراج, بل ربما لم تقرأ من قبل من يهمهم الأمر في هذا الشأن مما ترتب عليه تفويت الاستفادة والمبادرة في معالجة الخلل الذي قد يوجد هنا أو هناك.
وإذا كانت المؤتمرات والندوات من سمات الأمم الحية, لذا يتحتم أن نسأل: هل استفدنا منها ووظفناها كما يجب وبالصورة المطلوبة أم أن الأمر انتهى عند انتهاء جلسة التوصيات؟
ومن تجربة شخصية, أعلم أن الكثير من التوصيات التي انتهت إليها هذه الندوات والمؤتمرات وأرسلت إلى الجهات التي يفترض أن تُفعِلـُها أو تـُفعِلَ ما تستطيع منها أصبح مصيرها الإهمال والنسيان وحفظت في الأدراج إلى أجل غير مسمى. وفي وضع كهذا يحسن البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة الخطيرة, فهل السبب يعود إلى أن الجهات ذات الاختصاص غير مقتنعة بالتوصيات لضعفها أو لعدم وجود أساس علمي يدعمها ويعززها؟ إن كان الأمر كذلك, فالواجب مناقشة ومحاورة الجهة التي نظمت الندوة أو المؤتمر وبيان الملاحظات على هذه التوصيات, أما إن كان عدم الأخذ بالتوصيات يعود إلى أسباب أخرى فلا بد من إبانتها كي تعلم وتؤخذ في الاعتبار.
ومن الأسباب المحتملة لعدم الأخذ بالتوصيات الاعتبارات الفلسفية, فالمؤسسة أو الجهة المنظمة للمؤتمر ربما تعتنق فلسفة عمل مختلفة عن تلك التي قد تنفذ وتطبق بها التوصيات, لكن هذا السبب يفترض ألا يكون عائقاً في هذا الشأن إذ بالتحاور والمناقشة بين ذوي الاختصاص يمكن تجاوز هذه المعضلة.
ويضاف إلى الأسباب السابقة سبب رئيس ألا وهو شعور الجهة ذات العلاقة بالتوصيات أن الأمر مفروض عليها خاصة إذا جاء من جهة مستقلة كأن تنظم المؤتمر جامعة والموضوع يخص التعليم العام. ومثل هذا العذر يعالج من خلال دعوة الجهة ذات العلاقة للمشاركة في المؤتمر بأبحاث ودراسات حول الموضوع وذلك تفادياً وتجاوزاً لمثل هذه المشكلة رغم أن التجربة أثبتت عدم استجابة بعض الجهات للدعوات التي توجه لها بغرض المشاركة.
وفي ظني أن أهم الأسباب الكامنة وراء عدم تطبيق التوصيات هو عجز الجهة عن فعل ذلك إما لقصور إداري أو فني وإما لأن التوصية أو التوصيات تتطلب أموراً مالية لا قبل لها بتوفيرها. وبالرجوع إلى توصيات ندوات عقدت منذ سنين نجد أن التوصية بالمبادرة إلى إنشاء المباني المدرسية الحكومية بدل المستأجرة, التوسع في القبول في التعليم العالي, الاهتمام بالدراسات الفنية, الحد من التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل, الاهتمام بالمناهج وتطويرها, الإرشاد الطلابي, التأكيد على التعليم التطبيقي بدلاً من التعليم النظري السائد في المدارس والجامعات, الأخذ بالتعليم التكاملي من قبل المدارس والمدرسين, تدريب المعلمين على رأس العمل, وحسن اختيارهم, كل هذه التوصيات وغيرها العشرات من التوصيات قدمت في مؤتمرات وندوات متخصصة شارك فيها الكثير من المتخصصين والمهتمين بالتربية والتعليم.
وعقد أخيرا اللقاء السادس لمركز الحوار الوطني في منطقة الجوف, وكان موضوعه التعليم بشقيه العام والعالي وانتهى المتحاورون فيه إلى مجموعة توصيات تتفق في معظمها مع توصيات سابقة. ورغم أن توصيات لقاء مركز الحوار الوطني لم تستند إلى بحوث علمية لأن سياسة المركز تميل إلى التحرر من القيود الأكاديمية, إلا أن مشاركة ذوي الخبرة والاهتمام واتفاق التوصيات مع توصيات المؤتمرات والندوات التي عقدتها الجامعات تجعل منها ذات قيمة وطنية عالية إن تم تطبيقها والأخذ بها, وهذا هو مربط الفرس, فهل ستتمكن الجهات المعنية من تنفيذ التوصيات؟ وهل لديها الرغبة؟!
إن مشاركة الجهات التعليمية في اللقاء وحضور الوزراء والمسؤولين المعنيين الفعاليات يلزمها معنوياً أمام الرأي العام الأخذ بما انتهى إليه المتحاورون, خاصة أنه لم يصدر منهم ما يشير إلى عدم قناعتهم بالتوصيات أو بعضها, كما لم يبد منهم ما يشير إلى عدم توافر الإمكانات المطلوبة للأخذ بالتوصيات وتحويلها إلى واقع ملموس.
إن الهم التربوي هم الجميع في مختلف المواقع والمستويات الوظيفية والمهنية وليس شأناً خاصاً تعنى به جهة دون أخرى أو فرد دون الآخرين رغم ربطه بصورة رسمية بجهات محددة, ولذا فالأنشطة والفعاليات من مؤتمرات وندوات وحوارات ولقاءات لن تتوقف لأن مستجدات التربية والتعليم لن تتوقف والمشكلات لن تنتهي فكلما تقدم بنا العصر وجدت مشكلات من نوع آخر تناسب طبيعة العصر ومستجداته.
وحتى لا تكون توصيات لقاء الحوار الوطني السادس أو أي مؤتمرات ولقاءات أخرى على الرفوف وفي الأدراج نتحدث عنها فترة ثم لا نلبث أن ننساها, لا بد من وضع آلية تتم بها متابعة التوصيات والاتصال بالجهات ذات العلاقة لمعرفة ماذا تم بشأن التوصيات. وحبذا لو تم ترتيب لقاءات على شاكلة المؤتمرات الصحافية تعقدها الجهات التعليمية ذات العلاقة تبين فيها ما تم إنجازه من هذه التوصيات والمشكلات التي تعترض تنفيذها سواء كانت إدارية أو مالية أو فنية حتى يكون المجتمع على وعي ودراية بالشأن التعليمي وواقعه. وبهذه الدراية يكون قادراً على المتابعة مع المسؤولين ويمكن الكتابة في الصحافة والحديث عن هذه الأشياء من خلال وسائل الإعلام, لا للضغط وإحراج الجهات, لكن بهدف جعل المشروع التربوي حاضراً في أذهان الناس صغاراً وكباراً يعيشون معه ويسكن في نفوسهم وعقولهم يتحاورون حوله ويبدون اقتراحاتهم بشأنه.
ويمكن أن تخصص إحدى الصحف صفحة أسبوعية أو شهرية يتم فيها عرض ما تم إنجازه بشأن هذه التوصيات من خلال المتابعة والاستضافة لأفراد على علاقة بهذه التوصيات.
وتجدر الإشارة إلى أن خادم الحرمين الشريفين أثناء ترؤسه جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 20/11/1427هـ تابع المشاريع التعليمية التي تفوق 760 مشروعاً والمنفذة في مناطق متعددة من المملكة التي خصص لها من فائض الميزانية لعامي 1425هـ, 1426هـ حسب تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط الذي تم عرضه في المجلس. إن تضافر الجهود الرسمية والاجتماعية في المتابعة والاقتراح وطرح الأفكار الجيدة سيثمر حتماً نماءً وتطوراً يمثل هدفاً للجميع.
 
كلية التربية ـ جامعة الملك سعود

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي