أهلاً بالمنافسة.. مرحباً "ناس"
لعل إعلان الهيئة العامة للطيران المدني الأسبوع الماضي عن منح ترخيص للشركة الوطنية للخدمات الجوية "ناس" لتكون أول شركة سعودية تحصل على الموافقة الرسمية لتسيير رحلات جوية منظمة بين العاصمة الرياض ومدن المملكة الأخرى، يعتبر نقلة نوعية كبيرة في الطريق الصحيح نحو التحرير الكامل لقطاع الطيران في المملكة. حتى وإن كان هذا الترخيص متأخر بعض الشيء إلا أنه يعطي المزيد من التفاؤل تجاه مستقبل الصناعة في المملكة على جميع المستويات.
ويأتي هذا الترخيص ليدشن منافسا واضحا للخطوط السعودية التي عاشت سنين طويلة من الاحتكار، كون "طيران الخيالة" الذي تم الترخيص له العام الماضي تستهدف رجال الأعمال وكبار الشخصيات وموظفي الشركات وهذه شريحة مختلفة عن الشريحة التي تستهدفها "ناس" وهي تغطي الأغلبية المسافرة في المملكة التي تعتبر أضخم سوق للسفر الجوي في المنطقة، حيث يبلغ عدد المسافرين 15 مليون مسافر سنويا، ناهيك عن التطورات الاقتصادية المستقبلية التي تحملها الخريطة السعودية ولا شك أن المدن الاقتصادية على سبيل المثال ستكون حافزا أكبر لارتفاع نسبة المسافرين وزيادة عدد الرحلات وبالتالي اتساع سوق السفر إلى لاعبين أكثر من الموجودين حاليا".
إن تجربة الاقتصاد السعودي للمنافسة قد آتت أكلها بشكل واضح وكبير ويتفق الجميع على أن دخول شركة اتحاد اتصالات إلى سوق الاتصالات الاحتكاري السعودي أنهى شهر العسل الذي نعمت به شركة الاتصالات السعودية ردحا من الزمن. ليس هذا فحسب بل إن التغير الجذري في السياسة السعرية للشركة الوحيدة ابتدأ بأسعار المكالمات للدقيقة مرورا بباقات الذهب والفضة وانتهاء" بالحوافز التشجيعية وبناء الولاء عن طريق الدقائق المجانية امتدادا إلى خدمة العملاء التي نرى فيها سباقا محموما بين شركتي الاتصالات على رفع المستوى والوصول إلى رضا العملاء، كل هذا كان ردة فعل طبيعية لوجود المنافسة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تجاوز تأثير دخول "اتحاد اتصالات" على منافسة مجموعة الصناعة الواحدة على أساس أنها أقرب وأسرع المتأثرين من المنافس الجديد، تجاوزها إلى صناعات أخرى مرتبطة بالاتصالات، منها على سبيل المثال رفع مستوى المنافسة في سوق تقنية المعلومات بأطيافه كافة.
إن من المسلمات أن الصناعات متداخلة وهناك اعتمادية مزدوجة بين قطاعات الأعمال بأنواعها سواء الصناعية أو الخدماتية، فتغير صناعة أو خدمة يؤثر بشكل طردي أو عكسي على الصناعات أو الخدمات المرتبطة بها، وعلى ذلك فإن أي تغير في أي جزء من تركيبة السوق يلقى بظلاله على أنشطة أخرى قد، وأقول قد، يظن الجميع أنها في منأى عن التأثر. إننا ونحن نعيش هذه الحقبة المهمة من تاريخنا التجاري نتمنى دخول "اتحاد اتصالات" كل ركن من أركان السوق السعودي لتؤثر إيجابيا على مستوى الجودة للمستهلكين وسلبيا على استغلال الكثيرين لظروف المنافسة والاحتكار. ولا شك أن دخول "ناس" سيغير قواعد اللعبة في صناعة الطيران المحلي وسيدفع هذا الدخول لارتفاع في جودة الخدمات التي تقدمها الخطوط السعودية وتقليل لأسعارها وانضباطا" في مواعيد إقلاعها وهبوطها، ونرى تأثيرها على صناعات أخرى على علاقة بالطيران قد يكون منها أسعار الفنادق على سبيل المثال.
المنافسة كانت وما زالت وستبقى ظاهرة صحية يستفيد منها الجميع على حد سواء فالدولة والمستهلك ولا أبالغ إذا قلت أصحاب رؤوس الأموال، فهي تخلق الجو للابتكار والإبداع وتحفز المنتجين للنظر في التطوير والنمو المتوافق مع الجودة، وهي نتائج ستكون في آخر المقام في صالح هذا الوطن الكبير المليء بالخيرات والميزات النسبية التي دون وجود المنافسة لا يمكن أن تستغل أو يستفاد منها بالشكل الأمثل. إن المنافسة ظاهرة صحية تصب في مصلحة المستهلك ورفع مستوى الخدمات المقدمة، وكما ذكرنا فإن الجهة صاحبة الإدارة الجيدة والاستراتيجية التجارية الناجحة هي التي ستستطيع كسب الثقة.