..وسقطت ورقة التوت عن وكالة الطاقة الدولية (2 من 3)

[email protected]

مشكلة توقعات وكالة الطاقة الدولية
لن تقوم دول الخليج بزيادة إنتاجها بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2030, كما تشير الحالة الأساسية للتوقعات، أو بنسبة 80 في المائة كما تشير التوقعات الأخرى في سيناريوهات مختلفة, وفي سنوات ماضية. هناك العديد من الأمور التقنية والاقتصادية والمالية والسياسية التي ستمنع دول الخليج من القيام بهذه الزيادة التي تتوقعها وكالة الطاقة الدولية. فعلى سبيل المثال، تتجاهل هذه التوقعات الدراسات التي تشير إلى أن زيادة دول الخليج الإنتاج بشكل كبير ستؤدي إلى انخفاض نسبي في الأسعار، الأمر الذي يجعل الإيرادات من زيادة أقل تساوي الإيرادات من زيادة أكبر. في هذه الحالة ليس هناك حافز اقتصادي لاستثمار عشرات المليارات من الدولارات في طاقة إنتاجية إضافية لن تقدم لدول الخليج شيئاً. كما تتجاهل وكالة الطاقة حاجة دول الخليج الماسة إلى الغاز الطبيعي ودوره في التنمية الاقتصادية في هذه الدول وتفترض أن كل الاستثمارات في هذه الدول ستكون في مجال النفط لمقابلة الطلب عليه في الدول الصناعية ودول الاقتصادات الناشئة.
قررت الوكالة في توقعاتها الأخيرة مداراة الوضع عن طريقة إضافة حالة توقعات جديدة ضمن توقعاتها تفترض أن دول "أوبك" لن تقوم بالاستثمارات الكافية لزيادة الإنتاج بالشكل الذي تتوقعه وكالة الطاقة، وتم تخصيص قسم خاص لها. ولكن تخصيص جزء خاص لهذه الفرضية أوقع الوكالة في مأزقين، كلاهما يدل على أن التوقعات مبنية على انطباعات شخصية وليس على أسس علمية:
1 ـ افتراض أن دول "أوبك" لن تقوم بهذه الاستثمارات له انعكاسات ومدلولات سياسية سيئة في حق العرب. فالوكالة "تفترض" أنه يجب على العرب أن ينتجوا كمية معينة، ثم "تفترض" أنهم لن ينتجوا هذه الكمية، ثم "تفترض" أن هذا التصرف سيؤدي إلى انخفاض نمو الاقتصاد العالمي، و"تفترض" أنه سيرفع أسعار النفط، و"تفترض" أنه سيؤدي إلى أزمات سياسية. بعبارة أخرى، إذا عانى العالم من أزمة طاقة في المستقبل فإن المشكلة هي أن العرب لم يستثمروا بما فيه الكفاية، وليس بسبب "نهم" و"تعطش" الدول الصناعية لـ "حرق" المزيد من النفط. المشكلة في النهاية، حسب رأي وكالة الطاقة.. العرب!
2 ـ على الرغم من أن افتراض أن دول "أوبك" لن تستثمر كميات كافية لزيادة الإنتاج بالشكل الذي تتوقعه وكالة الطاقة يعد خطوة نحو الأمام نحو تعديل التوقعات، إلا أن وكالة الطاقة فشلت في تعديل طريقة حساب التوقعات والنماذج المبنية عليها، التي مازالت تبنى على انطباعات شخصية، وليس على أسس علمية. فحتى في الحالة الجديدة التي تفترض أن دول "أوبك" لن تزيد الإنتاج بالشكل الذي تتوقعه وكالة الطاقة، فإن الوكالة مازالت تستخدم نموذجاً يعرف في علم الاقتصاد بـ "احتكار القلة"، الذي يتم فيه حساب الطلب المتوقع على نفوط "أوبك". ولكن للأسف، فإن الوكالة فشلت في أبسط قواعد الاقتصاد، وافترضت أن "الطلب المتوقع على أوبك" هو "إنتاج أوبك"، والفرق بينهما كبير.

طريقة الحساب
تقوم وكالة الطاقة الدولية عادة بتقدير الطلب العالمي على النفط بناء على متغيرات معروفة تؤثر في الطلب مثل السعر والنمو الاقتصادي والنمو في الطلب على النفط في السنوات السابقة وغير ذلك من متغيرات. كما تقوم بتقدير إنتاج دول خارج "أوبك" بناء على متغيرات تؤثر في إنتاج هذه الدول مثل تكاليف الإنتاج، والقوانين البيئية، والسعر، وغيرها. ولكن عند تقدير إنتاج "أوبك"، لا تقوم الوكالة بتقدير هذا الإنتاج وفقاً لمتغيرات تاريخية معروفة كما تفعل مع الطلب العالمي أو إنتاج خارج "أوبك"، وإنما تقوم بتقديره بحساب الفرق بين تقديرات الطلب وتقديرات إنتاج دول خارج "أوبك" حسب المعادلة التالية:
إنتاج أوبك = الطلب العالمي على النفط – إنتاج خارج "أوبك"
في حالة التقدير الجديدة التي تفترض أن دول "أوبك" ستؤخر استثماراتها في طاقة إنتاجية إضافية، قامت الوكالة، من دون أي سبب علمي، بتخفيض الجانب الأيمن من المعادلة أعلاه، إنتاج "أوبك". لإبقاء التوازن في المعادلة فإن الوكالة مضطرة إلى تخفيض الجانب الأيسر، الأمر الذي جعلها تخفض الطلب العالمي وترفع من إنتاج دول "أوبك", فقط للإبقاء على توازن المعادلة. هنا يتضح أن توقعات الوكالة لا قيمة لها لسبب بسيط: في الوقت الذي تفترض فيه الوكالة أن إنتاج دول خارج "أوبك" سيصل إلى ذروته بحلول عام 2015 ثم سينخفض بعد ذلك، تتوقع الوكالة، ومن دون أي دليل، زيادة إنتاج هذه الدول. السؤال الآن: من أين سيأتي هذا النفط؟ كيف تفترض الوكالة أن النفط سيبدأ في النضوب، ثم فجأة يبدأ إنتاجه بالزيادة؟ إضافة إلى ذلك فإن ما تحسبه الوكالة هو الطلب المقدر على نفط "أوبك"، وليس إنتاج "أوبك" كما يدعي التقرير.
وتستمر الوكالة في تناقضاتها. فهي تفترض أن عدم قيام دول "أوبك" بالاستثمارات الكافية خلال العقدين المقبلين سيرفع أسعار النفط في المستقبل، الأمر الذي سيخفض معدلات النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة، وبالتالي سيخفض الطلب على النفط، كما أن هذه الزيادة في الأسعار سترفع من إنتاج دول خارج "أوبك". التناقض يكمن في أن تقارير الوكالة والمحاضرات التي ألقاها مسؤولو الوكالة في جميع دول العالم بما في ذلك بعض العواصم الخليجية، وتصريحات زعمائها خلال العامين الماضيين، تؤكد كلها أن ارتفاع أسعار النفط الكبير خلال العامين الماضين لم يؤثر في النمو الاقتصادي العالمي، كما أنه لم يسهم في زيادة الإنتاج في دول خارج "أوبك" بشكل ملحوظ. إذا كانت الوكالة نفسها تقول إن الارتفاع الكبير في أسعار النفط لم يؤد إلى تخفيض معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو في الطلب على النفط، ولم يؤد إلى زيادة كبيرة في إنتاج دول خارج "أوبك"، لماذا تفترض الوكالة العكس في المستقبل؟ السبب هو استخدام معادلة عفا عليها الزمن تحاول الوكالة المحافظة على توازن جانبيها.
(يتبع في الحلقة القادمة)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي