في التغير المناخي

في التغير المناخي

[email protected]

تعيش غالبية المدن في أمريكا الشمالية، خاصة الولايات المتحدة وكندا، جوا ربيعيا هذه الأيام، الأمر الذي دفع إحدى الصحف للتعليق ساخرة أنه لم يعد هناك داع لرحلة الشتاء إلى فلوريدا، حيث يستمتع الزوار بدرجة حرارة معقولة وطقس مشمس. وبلغ من دفء الجو أن انعكس على سعر برميل النفط، الذي بدأ العام متراجعا ولسبب رئيسي يتعلق بالطقس.
الأسباب تتعدد، لكن يبدو أن هناك اتفاقا على أن لعملية التغيير المناخي دورا رئيسيا في هذا التحول في الطقس إلى الأدفأ. وقبل بضعة أسابيع حفلت الصحف الكندية بأخبار وتحقيقات عن كتلة جليدية ضخمة تبلغ مساحتها 66 كيلومترا مربعا تقع على بعد 800 كيلومتر جنوب القطب الشمالي، وبدأت تطفو متجهة غربا وبسرعة تبلغ في بعض الأحيان كيلومترا واحدا في الساعة. وإذا استمرت بهذا المعدل فربما تبلغ مناطق بحر بيفورت في الغرب، حيث يقوم العديد من المنشآت الخاصة بصناعة النفط والغاز الكندية، وهو ما أدى إلى قرع أجراس الإنذار أن هذه المناطق مرشحة لحدوث دمار عندما تصل هذه الكتلة في الصيف المقبل ويذوب الجليد ويصبح ماء يمكن أن يصيب هذه المنشآت، الأمر الذي يعيد ذكريات إعصار كاترينا وما أحدثه في خليج المكسيك وصناعتها النفطية صيف العام الماضي.
الغريب أن الانكسار الذي أدى إلى بروز هذه الكتلة الجليدية يعود إلى عام 2005، ولم يلفت الأنظار إلا بعد مضي 14 شهرا. وإذا كان السبب المؤكد في حدوث ما حدث يعود إلى التغير المناخي واتجاه الطقس إلى الدفء، واحتمال تعرض المنشآت النفطية إلى بعض الخسائر، فإن ما يجري تأكيد على تلك الرابطة بين عملية التغير المناخي والصناعة النفطية ولو من زاوية مختلفة.
فالرابط الذي يركز عليه الكثير من الدراسات أن الصناعة النفطية نفسها متهمة أنها من العوامل المؤثرة في الدفع بعمليات التغير المناخي، وإذا كانت الأبحاث والدراسات تركز في العادة على ما يمكن أن يحدث في المستقبل، فمن الواضح أن العالم اليوم أصبح أقرب إلى هذا المستقبل من أي وقت مضى، وهو ما يتطلب تناولا مختلفا عن الاتهامات المتطايرة ودون تحقيق تقدم يذكر، خاصة أنه يمكن ببساطة الإشارة إلى أن كل الصناعة النفطية بمنتجيها ومستهلكيها وشركاتها ليسوا بمنأى عن دائرة الاتهام.
من السهل بالطبع استهداف "أوبك" والدول المنتجة عموما لتصبح شماعة مع تزايد حضور قضية التغير المناخي في النقاشات العامة وخروجها من دوائر الاختصاص والأبحاث والمؤتمرات المغلقة. وإذا كانت "أوبك" حاضرة في وقت ترتفع فيه أسعار النفط، لأي سبب من الأسباب، فمن باب أولى أن تصبح الشماعة التي يمكن أن تعلق عليها قضية التغير المناخي بكل تبعاتها.
لكن هذا لا يحل قضية، ولن يكون مجديا الحديث عن مسؤوليات الدول الصناعية في مواجهة قضية التغير المناخي، فاستهلاك النفط في الأساس يعود إلى زيادة نسبة النمو الاقتصادي والحاجة إلى الطاقة، ولهذا فالدول الصناعية الرئيسية هي الأكثر مسؤولية، كما أن تراجع بعض هذه الدول مثل الولايات المتحدة عن اتفاقيات كيوتو يكاد يسدد ضربة قاضية لجهود مواجهة هذه المعضلة.
في استراتيجيتها البعيدة الأمد التي تم اعتمادها في أيلول (سبتمبر) 2005، تناولت "أوبك" قضية التغير المناخي من زاوية الاعتراف بها والطلب إلى المنظمة والدول الأعضاء التوجه إلى لعب دور أكثر نشاطا خاصة في المفاوضات المتعددة الأطراف، والتركيز على مسؤولية كل طرف في مواجهة هذه القضية وما ينبغي أن تقوم به الدول الصناعية لدعم الدول النامية.
لكن مثل العديد من الأفكار التي جاءت بها هذه الاستراتيجية تبقى هناك الحاجة إلى الآلية اللازمة لوضع هذه الأفكار موضع التطبيق، فهناك نزاع مفصلي يتمثل في أن استهلاك النفط من العوامل التي تساعد على انبعاث الغازات التي تسهم في التغير المناخي، لكن من الجانب الآخر، فإن النفط يمثل لمنتجيه وسيلة تكاد وحيدة ومتميزة في أنها تعطي الفرصة لتحقيق مستوى معقول من التنمية. ويبقى السؤال في كيفية تحقيق هذه التنمية ودون الإضرار بالبيئة والحفاظ عليها للأجيال المقبلة.
هذا هو جوهر النقاش الذي يحتاج إلى تناول أكثر جرأة وعملية في حوار يضم كل الأطراف من المنتجين إلى المستهلكين إلى الشركات النفطية. ففي النهاية فإنه عالم واحد هذا الذي يعيش عليه الناس، وعمليات التغير المناخي لن تقف آثارها عند الحدود هنا أو هناك، وهو ما يتطلب توفير الإرادة السياسية ابتداء للتعامل مع هذا الوضع. وعندما تتوافر هذه الإرادة يصبح من السهل الحديث في التفاصيل سواء عبر الإنفاق على الأبحاث أو تنفيذ برامج معينة أو إيجاد صيغة لحل معضلة تحقيق التنمية واستهلاك الطاقة دون الإضرار بالبيئة.

الأكثر قراءة