رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المواطن بين الأسهم والمساهمات.. خياران لا ثالث لهما!

[email protected]

يحمل البعض صغار المستثمرين المسؤولية الكاملة على نتائج استثمارهم في الأسهم على رغم مخاطرها العالية وعلى المساهمة في العقارات على رغم عدم معرفتهم بأصحابها، ولم يضع هؤلاء أنفسهم مكانهم ويفكرون بالطريقة التي يفكرون بها ليتأملوا كيف كان لهم أن يتخذوا مثل هذه القرارات. إنه من غير المتوقع أو من غير المنطقي أن نتوقع أن كل إنسان خبير استثماري يستطيع تقييم فرص الربح والخسارة ويستطيع حساب المخاطر المحتملة في مواجهة استثمار معين، لذا فمن الضروري وجود مديرين استثماريين قادرين على تقدير هذه الفرص وحساب احتمالاتها ويعتمد عليهم الناس في إدارة أموالهم. ومن الضروري أيضاً وجود سوق لهؤلاء المديرين يتم على أساسه فرز هؤلاء حسبما قاموا بتحقيقه لعملائهم. وهذه القضية لم يغفلها التشريع الإسلامي عندما شرع المضاربة كوسيلة من وسائل الكسب المشروع، فالعامل بخبرته ومعرفته والمستثمر بماله. ومن ثم فإننا لا نتوقع أن يقوم شخص لديه رصيد مالي معين بوضعه في حساب جار وعدم استثماره فقط، لأنه ليس لديه الخبرة الكافية في الاستثمار أو ليس لديه المعرفة بأساسياته، لأن ذلك لا يعد من وجهة نظر النظرية الاقتصادية تصرفاً عقلانياً رشيداً، ولأن ما سيحصل أن هذا المال سيتآكل مع الزمن إما بفعل معدل التضخم أو بفعل الزكاة أو بالسحب منه بشكل تدريجي. لذا فإن من المنطقي ومن المقبول اقتصاديا أن يبدأ هذا الشخص بالبحث عن فرصة استثمارية يعمل فيها على تنمية رأسماله، إما لهدف شراء منزل أو لتهيئة فرص حياة أفضل لأبنائه. لكن السؤال ما الطريق الأفضل للاستثمار بالنسبة لهذا المواطن؟
لنعد بالوراء ثلاث سنوات فقط ونطرح على أنفسنا هذا السؤال لكي نفهم الطريقة التي أدت بالكثير من المواطنين إلى ما هم عليه. وأتخيل نفسي في مثل ذلك الوضع باحثاُ عن فرصة استثمارية تتسم بالصفات التالية. أولاً: معدل عائد مقبول على رأس المال. ثانياً: معدل مخاطرة مقبول. وثالثاً: درجة سيولة عالية تهيئ لي الفرصة للخروج باستثماري مع الأرباح المحققة عندما أرى أن الوقت مناسب. ثم بعد ذلك أتأمل في الفرص المتاحة في ذلك الوقت والمتصفة بمثل هذه الخصائص فلا أجد شيئاً من ذلك. فإما خيار الاستثمار العقاري وهو، وإن تميز بمعدل المخاطرة المنخفض، ذو سيولة منخفضة. إضافة إلى أنه يحتاج إلى رأس مال ضخم. أو خيار الاستثمار في الأسهم، وهي وإن كانت ذات سيولة عالية فهي ذات مخاطر عالية أيضاً. السؤال هل كان لدينا خيارات أخرى يمكن لوم المواطن على تجنبها؟ لا أعتقد ذلك، إذاً فالمواطن كان بين فكي كماشة، إما الرضا والقبول والعيش على جانب الطريق، وإما المبادرة وأخذ المخاطرة والاستثمار. فلم يكن هناك إلا اتجاهان لا ثالث لهما إما الأسهم وإما المساهمات العقارية. وفي كلا المجالين كانت هناك درجة عالية من الخطورة ليس بسبب طبيعتهما، فالوضع الاقتصادي كان في أوج ازدهاره وكل المؤشرات الاقتصادية تدل على ذلك، ولكن بسبب افتقادها إلى عنصر التنظيم. فإذا تأملنا في سوق الأسهم، ولنعد بالذاكرة خمس عشرة سنة تقريباً ولنتذكر ما كان القائميون على تنظيم السوق يشتكون منه: "الأموال تحت المخدة"، ما يعني أن هؤلاء يشيرون بذلك إلى عدد من اللاعقلانيين اقتصاديا، والذين يكدسون أموالهم ولا يرغبون في المخاطرة بها مما يسبب مشكلة عدم توظف كامل للموارد. أعتقد أن المشكلة لم تعد موجودة الآن، بل لدينا الكثير من المواطنين الذين لديهم الاستعداد لركوب موجة المخاطرة والمجازفة بمدخراتهم في سوق الأسهم، ومع ذلك فقد كان السوق إما عاجزاً وإما لم يكن مستعداً لاستيعابهم. 15 سنة مرت وما زال السوق السعودي للأسهم – أكبر أسواق المنطقة – يعاني من ضعف التنظيم. الخيار الثاني لمن يعتقدون أنهم يرغبون في مخاطرة أقل هو المساهمات العقارية. لم يكن هناك خيار لهؤلاء الذين لا يرغبون في الدخول في مخاطر الاستثمار في سوق الأسهم ولا يملكون رأسمال أو وقتا كافيا يؤهلهم للدخول في استثمار عقاري منفرد إلا القبول بهذا الخيار، الذي اعتبر في ذلك الوقت، الخيار الأمثل. المشكلة أن هذه المساهمات كانت تعطي أرباحاً مجزيه ولا ينكر أحد في أنها أسهمت في النهضة العقارية الثانية التي نشهدها، ولكن المشكلة أن سوق المساهمات العقارية لم يكن منظماً تنظيماً قانونياً دقيقاً، كما أن عمليات توظيف الأموال لم تكن مضبوطة من الجهاز التنظيمي المسؤول عنها، وهي كانت حكراً فقط على البنوك والشركات المساهمة. كما أن إجراءات تأسيس شركة مساهمة طويلة تضيع معها الفرص. ومرة أخرى تكون المشكلة الأساسية هي الافتقاد إلى عنصر التنظيم.
إذاً هل كان هناك خيار آخر يلام المواطن على التفريط فيه؟ هل المواطن هو الملوم على التأخير في إصدار التراخيص لإنشاء الشركات المساهمة؟ هل المواطن هو الملوم على مشاكل تداول؟ هل المواطن هو الملوم على عدم تنظيم سوق المساهمات العقارية؟ وهل المواطن هو الملوم على انتظار الجهات المسؤولة كل هذا الوقت قبل محاسبة مديري هذه المساهمات؟
أسئلة كثيرة تدور والكثيرون يلومون المواطن، وإذا كان المواطن هو سيد نفسه، فمن حقه أيضاً أن يعرف لماذا تقيد خياراته دون وجه حق أو تهمل أموره حتى يقع في الفخ، ثم يأتي بعد ذلك من يلومه إما على تفريطه في أمور ماله، عندما يقرر في الدخول في سوق الأسهم أو على دخوله في مغامرة مجهولة العواقب كان الجهاز المسؤول عن تنظيمها نائماً عنها كل هذا الوقت.
إن من مسؤولية القطاعات الاقتصادية المختلفة العمل على تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة التي يستطيع المواطن من خلالها، سواء الموظف الحكومي أو الموظف الخاص أو الغني أو الفقير، تحديد أولوياته ثم المفاضلة بين الخيارات المختلفة بناء على هذه الأوليات. فالموظف الحكومي أو الخاص أو رجل الأعمال لديه أولويات معينة منها شراء منزل وتعليم الأبناء وتوفير مصدر دخل مقبول عند التقاعد، ومن حقه أن تتوافر لديه خيارات متنوعة من الاستثمار الطويل أو القصير الأجل، المرتفع أو المتوسط المخاطرة، والمنخفض والمرتفع السيولة. وهذه لا يمكن أن تتحقق دون وجود تنظيم قانوني واضح لها، يتعرف من خلاله المواطن على الغث والسمين، ونظام لإدارة الاقتصاد خال من البيروقراطية المنفرة للاستثمارات. وفي حالة توافر هذه الخيارات المختلفة، يكون لنا الحق بعد ذلك أن نلوم المواطن على سوء اختياره، وعلى نتائج قراراته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي