رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الوزارة تقول .. والمقاول يتساءل .. والمواطن يبحث عن الحلول! (1من2)

[email protected]

إن الحديث عن تأخر إنجاز المشاريع التنموية قديم حديث. وقد أجهدت هذه القضية أعتى خبراء الإدارة والعلوم الإدارية في المملكة ومن قدم للمملكة كخبير في شؤون التخطيط التنموي, إضافة إلى أفضل من تمتعوا بصلاحيات واسعة عبر 35 عاما في القطاعات العامة والخاصة كافة. لذلك لا بد أن نصل إلى مرحلة نلمس فيها العظم إذا أردنا أن نكون عمليين وساعين للإصلاح فعلا. إن طرح الحلول بغض النظر عن كونها عملية أو غير قابلة للتنفيذ أو من دون تفنيد لعناصر المشكلة ووضع الأولويات تحت المجهر لن يساعد على تشخيص الداء وتحديد الأعضاء أو العضو المبتلى ومن ثم وصف العلاج. في المقابل، لا يجب أن نستعجل الشفاء الآن لئلا نصاب بنكسة تكلفنا الكثير من إضاعة الجهود والوقت والمال. في هذا السياق أقول بداية، لأننا في عجلة تنموية مستمرة فولاة الأمر، يحفظهم الله، سيستمرون في مد أياديهم البيضاء في التوجيه بطرح المشاريع لرفع وتحسين مستوى المعيشة وضمان تمتع الفرد بعيشة كريمة, والموازنات ستظل ترصد والحياة ستستمر في كل الأحوال, ولكن السؤال الكبير هو: بأي آلية وأي جودة ستستمر هذه المشاريع في تنفيذها والإفادة منها؟.
إن تقسيم المشاريع من حيث الطرح ومرحلة التنفيذ قد يختزل إلى نوعين رئيسين هما: مشاريع مطروحة، وهذه متعددة المراحل وبالتالي متعددة الفئات, ومشاريع لم تطرح بعد أي في مراحل إعدادها أو طرحها. قد يسهل التعامل مع الأخيرة في تنظيم طرحها ضمن آلية سيأتي تناولها فيما بعد, ولكن الأُولى هي التي نحن بصدد معالجتها, فهنا تكمن الإشكالية القائمة بين المقاول المرسى عليه المشروع كقطاع خاص, والجهة المستفيدة كقطاع عام. إن صعوبة تحديد المسؤول من وجهة نظر القطاع الخاص أو العام تكمن في أن كل جهة لديها مبرراتها في تجيير المسؤولية للأخرى في التأخير أو التعثر في إنجاز المشاريع. وحبذا لو أن الجهتين حاولتا تبسيط القضية ابتداء من رد الجميل لولاة الأمر الذين ما انفكوا يتابعون تطور هذا الوطن عبر توجيهاتهم بتنفيذ المشاريع التنموية، ثم من بعد ذلك الوعي بأهمية وصولنا كأفراد ومجتمع إلى إنجاز ما نريده لأنفسنا ولذوينا وأن نشعر بتكامل الخدمات لاستدامة الخير للمقبل من أعمارنا ولأجيالنا من بعدنا.
من وجهة نظري، واقعنا يؤكد أن القطاع العام يتحمل مسؤولية أكبر في تعثر المشاريع التنموية تقريبا, في حين يتحمل القطاع الخاص مسؤولية أقل تقريبا. ففي القطاع العام بادئ ذي بدء، يغيب التخطيط السليم المتوازن المبني على استراتيجية بعيدة المدى لا يمكن المساس بها. ويتعذر التنسيق الكامل بين القطاعات الحكومية المختلفة مما يؤصل الازدواجية ويغيب الجودة ويتعثر معها إيجاد الحلول البديلة. أما من ناحية المعلومات فحجب المعلومات عن المسؤول الأول يضيع حلقات في السلسلة، وعدم تحديثها أو دقتها يعطل حلقات أخرى فتتعطل كثير من المشاريع فتطرح لها حلول غير قابلة للتنفيذ. ولعدم قيام المشاريع بناء على الدراسات للتطوير والإصلاح، فلن تكون هناك خبرة جيدة يستفاد منها كمقياس نجاح المشاريع. من ناحية الشفافية قد تكون موجودة صوريا ولكن ما يكشف عن غيابها الفعلي هو تعميق المجاملة وتهميش ما عداهم من دون تمحيص أو استيضاح يوفر علينا دخول المتاهة. يختلف مفهوم المسؤول في القطاع عن مفهوم المختص بوزارة المالية في تفسير اللوائح والأنظمة, حتى في نصوص العقود ولو كانت متشابهة النشاط أو الصياغة. وبعض النصوص كتبت قبل 30 عاما وجمعت وأعدت قبل تنفيذ المشروع بأسلوب عجل. تنمويا فرض نسب السعودة أو توطين الوظائف بأسلوب فضفاض وغير عملي ومتغير من خطة إلى أخرى لا يساعد أي مسؤول في القطاع على البت بطريقة ناجعة, خصوصا أن قوائم المهن المطلوب سعودتها لإمكان استبدالها وسعودتها بالتدريج غير متوافرة حتى الآن.
هذا ما تحتاج القطاعات الحكومية إلى الالتفات إليه وتصحيحه, أما ما استمر يعاني منه القطاع الخاص وأصر على عدم إيجاد حل له أو لم يسعه ذلك ولا أدري إن كانوا في طريقهم للنهوض من كبوتهم, فيتمثل في عدم وجود أو ضعف آلية تأهيل المقاولين وضبط أدائهم، مما أدى إلى انخفاض مستوى الجودة في أعمالهم. كما أن كثيرا منهم يسعون وراء الثراء السريع ورفض أي حجم أو نوع من الخسائر بل تحميلها على المشاريع من دون تردد. ثم على الرغم من أن المقاول نفذ العديد من المشاريع العملاقة خلال الـ 50 عاما الماضية في المملكة لتحقيق سمعة على مستوى الشرق الأوسط وتمكنهم من الاستمرار في سوق العمل, إلا أن ضعف القدرة التنافسية ظاهر حتى على المستوى الخليجي وقد أصبحت هذه سلبية وليست إيجابية.
الجدير بالاهتمام هو أن القطاعين قد يشتركان في مسؤولية يتحتم عليهما سويا التوجه إلى حلها بسرعة, فقد وضح أن قطاع التشغيل والصيانة يمكن أن يستوعب عشرات الآلاف من السعوديين لانتشار المشاريع على مستوى المملكة, ولكن لعدم وضوح الرؤية لماهية مستقبل هذا القطاع المهم، تعلقت كثير من الأمور منها: عدم التضحية بتغطية تكاليف التاهيل أو التدريب والصبر على ذلك مما أخر بناء مواطن فاعل ومؤثر. من ناحية أخرى، مع أن 75 في المائة تقريبا من قيمة عقود التشغيل والصيانة رواتب عاملين, إلا أن الجهة المستفيدة لا تستفيد من ذلك على المدى البعيد, ولم يهتم القطاع الخاص بالتنسيق مع مؤسسات التعليم العالي لتوفير الأعداد المتخصصة أو تدريب من يختارونهم لقيادة حركة التطوير واكتساب الخبرات, فانحدر أسلوب تنفيذ المشاريع إلى ما وصلنا إليه الآن.
في الواقع، الحلول ممكنة نظريا, حيث إنه لو تحقق ذلك فسنفتخر بمكانة مكة المكرمة والمدينة المنورة كوجهة العالم الدينية, ونعمل على جعل الرياض وجدة وجهة العالم الطبية والاقتصادية, وعسير وجازان وحائل الوجهات السياحية, وهكذا حتى آخر مدينة في المملكة. ومن هناك سننتقل من مرحلة إرساء البنى التحتية إلى تنفيذ المشاريع التطويرية وبالتالي ينتقل المقاول بحدود سمعته المحلية إلى العالمية. ولكن، هل هناك نية للتحرك بشكل جماعي وتنسيق يكفل للطرفين علاقة مستدامة لخدمة المواطن أينما كان وحصوله على ما كان يفترض أن يحظى به؟ وللحديث تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي